آلية غير مسبوقة في السياسة النقدية تخلق الجدل وتكشف عن خطر عجز السيولة بالمؤسسات البنكية كشفت بعض المصادر المطلعة لجريدة العلم، أنه من المرتقب «جدا» أن يستمر بنك المغرب في عملية شراء سندات الخزينة كل أسبوع، إلى حين الوصول إلى مبلغ 25 مليار درهم ليضمن عودة الطلب عليها، بعد التراجع الذي عرفه سوق السندات اثر الجائحة.
واعتبر ذات المصدر (الذي تحفظ عن ذكر اسمه لأسباب مهنية) أن إقدام البنك المركزي على شراء السندات من المؤسسات البنكية هو سابقة بالنسبة للسوق النقدي المغربي، وقال إنه قرار له أكثر من دلالة تحيل على أن الوضع الاقتصادي الوطني يقف على عتبة ناقوس الخطر وأن المؤسسات البنكية تعاني نقص السيولة.
وحول ملامح هذا الخطر المحتمل ، أفاد مصدرنا أن استمرار البنك المركزي في شراء السندات قد يرفع مستقبلا من نسبة التضخم النقدي، وبالتالي سقوط السياسة النقدية في فخ تعويم الدرهم، والذي بدوره لن ينقذ المواطن المغربي من أزمة الغلاء التي يتخبط فيها بقدر ما سيكرس من تدهور القدرة الشرائية لا محالة.
ورجح أيضا أن بنك المغرب المركزي استبق احتمال تفاقم زيادة تكلفة اقتراضه من السوق المحلية، باللجوء إلى آلية لم يسبق أن استخدمها، في مسعى منه لتهدئة سوق أدوات الدين وإتاحة سيولة وفيرة بها بعد أن رفع سعر الفائدة مرتين العام الماضي لمواجهة التضخم المستعر.
ويرى محللون اقتصاديون أن اقدام البنك المركزي على هذه العملية هو حتما من أجل إنقاذ سيولة الأبناك، فمن المحتمل جدا أن تكون المؤسسات المالية تعاني عجزا في السيولة، وأرجع الخبراء احتمالية هذا العجز إما لارتفاع الطلب على القروض البنكية أو لتراجع المستثمرين والأشخاص على وضع أموالهم في الابناك خوفا من أن يتكرر سيناريو أزمة أبناك لبنان بالمغرب.
وأكد جل الخبراء أنه على الرغم من أن القانون الأساسي للبنك المركزي يخول له اعتماد هذه الآلية ضمن السياسة النقدية، إلا أنه لم يلجأ قط، وهو ما يؤشر على قرار استباقي لتفادي التأثير الكبير لقرارات رفع سعر الفائدة على السوق وأيضا لتفادي زيادة أعباء الدولة.
واعتبر البعض أن شح السيولة في السوق أثر على المؤسسات الاستثمارية والمنظومة البنكية وبالتالي تمويل خزينة البلاد، وبالتالي قد يكون الدافع هو حماية الادخار العمومي من تداعيات رفع سعر الفائدة الرئيسي الذي اقدم عليه بنك المغرب مؤخرا وتشجيع المستثمرين على شراء السندات عوض ادخار أموالهم بطرق بديلة عن الابناك، حيث أضاف الخبراء أن كبار المستثمرين لجؤوا إلى الادخار في الذهب عوض ضخ أموالهم في الأبناك تحسبا لأي عجز في السيولة أو تراجع لقيمة الدرهم.
وحلل عمر باكو، الخبير الاقتصادي المتخصص في سياسة الصرف، في إحدى خرجاته الإعلامية حول الموضوع، كون العملية التي قام بها بنك المغرب سينتج عنها ضخ سيولة جديدة في السوق النقدية، وأرجع هذه الخطوة غير المسبوقة إلى «ملاحظة البنك المركزي للجوء البنوك الى رفع عائد أدوات تمويل الخزينة بسبب التخوف من زيادة جديدة لسعر الفائدة مستقبلاً».
وبين مؤيد ومعارض لهذه الخطوة التي اقدم عليها راعي السوق المالي بالمغرب، نوه باكو أن «الهدف الحقيقي لبنك المغرب هو مواكبة قرار رفع سعر الفائدة الرئيسي بعدما لاحظ أن ظروف تمويل الخزينة تأثرت سلباً، ليقرر طمأنة البنوك لكي تستمر في التمويل بشروط مناسبة دون رفع كبير لأسعار الفائدة، مقابل قيامه بشراء السندات كلما دعت الضرورة لذلك»، وهو ما يتفق عليه أيضاً آخرون حول أن البنك المركزي تدخّل لتصحيح خطأ تشجيع استمرار شراء المستثمرين لسندات الخزينة.
واكد يونس عصامي، مدير العمليات النقدية والصرف ببنك المغرب، ان هذه العملية تدخل في إطار أدوات السياسة النقدية والعمليات الهيكلية الخاصة بضخ السيولة في السوق، مشيرا خلال ندوة صحافية، الخميس في الرباط، إلى أن عملية بنك المغرب استهدفت سندات خزينة مدة استحقاقها أقل من سنة، وتم شراؤها بسعر السوق.
بحسب المسؤول في بنك المغرب، فإن الدواعي هي إنقاذ نقص في سيولة سندات الخزينة بعد تراجع الطلب عليها من طرف المستثمرين، وفسر عصامي تراجع الطلب على سندات الخزينة من طرف البنوك بوصولها إلى سقف محدد في إطار العمليات الاحترازية، بحيث لم يعد بإمكانها إضافة سندات في محافظها الاستثمارية بالنظر إلى ارتفاع سعر الفائدة الرئيسي، ناهيك عن التخوف من ارتفاع مرتقب للسعر من جديد.
لمعالجة هذا الطلب، قال عصامي إن بنك المغرب لجأ إلى شراء سندات الخزينة كحل لمعالجة السيولة النقدية دون التأثير على السياسة النقدية المعتمدة والحفاظ على استقلالية البنك المركزي.
وكشف عصامي أن عملية شراء سندات الخزينة في السوق الثانوية لدى البنوك لن تتجاوز 25 مليار درهم، وهو رقم يأخذ بعين الاعتبار أن عجز السيولة لن يتجاوز 100 مليار درهم خلال السنتين المقبلتين، وأيضاً للحيلولة دون التأثير على برامج تشجيع البنوك لمنح قروض المقاولات الصغرى.
وأوضح عصامي أن تشديد السياسة النقدية برفع سعر الفائدة بهدف خفض كتلة النقد وبالتالي خفض التضخم، لا يتعارض مع ما قام به بنك المغرب ضمن الآلية الجديدة على الرغم من أنها سينتج عنها ضخ السيولة.
وأكد المسؤول ذاته أن نسبة السيولة العامة في السوق لم تتأثر بعملية الضخ الناتجة عن العملية الجديدة، لأن بنك المغرب خفض كمية ضخ السيولة عن طريق آلية "التسبيقات لمدة 7 أيام".
وكان بنك المغرب قد أفصح عن دواعي لجوئه لشراء سندات الخزينة بالسوق الثانوية لدى البنوك يومي 9 و16 يناير الجاري، وهي عملية تدخل ضمن آليات تدخل البنك المركزي لكن لم يسبق أن تم تفعيلها.
وبحسب نشرات نتائج إصدار سندات الخزينة لوزارة الاقتصاد والمالية، ارتفع العائد أعلى سندات الخزينة في الأسبوع الأول من العام الجاري مقارنة بنهاية 2022، حيث تراوحت الزيادة ما بين 21 نقطة إلى 161 نقطة أساس حسب أجل الاستحقاق.
كما أن السندات التي اشتراها بنك المغرب من البنوك في السوق الثانوية لأجل 6 أشهر، تراجع سعرها وارتفع عائدها من 3.07% في نهاية ديسمبر 2022 إلى 3.35% يوم 6 يناير الجاري، أي بزيادة 28 نقطة أساس، فيما قام بنك المغرب بشرائها عند عائد 3.34%.
وتترقب السوق ما سيقرره بنك المغرب في أول اجتماع لمجلسه خلال العام 2023 في مارس المقبل، وما إذا كان سيستمر في رفع سعر الفائدة أو تثبيتها، لكن ذلك يبقى رهناً بما سيحقق معدل التضخم برسم ديسمبر بعدما ناهز في نوفمبر 8.3%.