المغرب في قلب منطقة تجاذب أقطاب و أجندات متعددة كشفت مجلة "أتالايار" الإسبانية نهاية الأسبوع ، توجس و قلق دول غرب أوروبا العضوة بحلف الناتو من المناورات العسكرية الروسية الجزائرية التي انطلقت قبل أسبوع بمنطقة بشار غرب الجزائر على بعد زهاء 50 كلم من الحدود المغربية، معتبرة أن الجيش الروسي الذي يشن حربا على الحدود الشمالية لحلف الأطلسي بأوكرانيا ينشر قواته أيضا بقاعدة حماقير ببشار غرب الجزائر على أعتاب الحدود الجنوبية لأوروبا. المنبر الإعلامي الاسباني أبرز التطور السريع في العلاقات العسكرية بين الجزائروموسكو خلال الأشهر الأخيرة من خلال التدريبات العسكرية المختلفة بين البلدين ومع دول أخرى، معتبرا أن الجزائر تقدم بذلك صورة باعتبارها ربما العنصر الأكثر زعزعة للاستقرار بسبب القلق الذي تسببه دوليا روسيا. تقرير المنبر الاسباني أورد عن مجموعة من الخبراء ما مفاده أن التدريبات الجارية في بشار تشكل رسالة من موسكو إلى الغرب مفادها أن روسيا قادرة على نشر قواتها بالقرب من المصالح الغربية في غرب البحر المتوسط. فيما تتعارض الشراكة الروسية الجزائرية حسب ذات الخبراء مع الخطاب الجزائري الرسمي الذي كان يدعو إلى عدم الانحياز والحياد حيث يباشر تعاونا عسكريا مع دولة في حالة حرب حاليًا في قلب أوروبا وواجهت معارضة وعقوبات من جميع الأنواع من الغرب والمجتمع الدولي. توجس الحلف الأطلسي من تسلل النفوذ الروسي العسكري الذي يتحرش حاليا بالحدود الشمالية للناتو، إلى مناطق استراتيجية للمجموعة الأوربية بشمال افريقيا، يعكس في نظر المتتبعين تحول منطقة المغرب العربي وشمال افريقيا إلى منطقة تجاذب استراتيجي للنفوذ بين مختلف مراكز القوى العسكرية والاقتصادية التقليدية أو الناشئة الباحثة عن موقع تأثير بعالم يتجرد تدريجيا من قبضة الثنائية القطبية الموروثة عن تبعات الحرب العالمية الثانية. في محاولة للتموقع المبكر بهذا الفضاء المؤثر، أكد دبلوماسي تركي قبل أيام أن طرفا ثالثا (في تلميح لفرنسا) هو من يستفيد من الصراع الجزائري المغربي. سفير أنقرة بالمغرب عمر فاروق دوغان عرض في حوار بث تسجيله موقع الزميلة ماروك ايبدو، مساعدة بلاده في عملية التقارب بين المغرب والجزائر و رحب بحرارة بسياسة اليد الممدودة لجلالة الملك تجاه الجزائر وعبر عن تطلعه لتجاوب الجزائر مع المبادرة الملكية. عرض الوساطة التركية الثانية من نوعها في الخلاف الجزائري المغربي المتصاعد بعد فشل جهود وساطات مماثلة بذلتها فرنسا والامارات والسعودية نتيجة تعنت قصر المرادية، يعكس حدة التقاطبات النشيطة و المتنافسة بالمنطقة و التي تحاول الاستثمار في تبعات الأزمة الأوكرانية لتوسيع دائرة النفوذ الاستراتيجي. فمن الواضح أن فرنسا القوة الاستعمارية السابقة أضحت تفقد تدريجيا تأثيرها السياسي و الاقتصادي بالنصف الشمالي للقارة الافريقية، فيما لا تخفي كل من الصين و تركيا و روسيا و الولاياتالمتحدةالامريكية طموحاتها لملء الفراغات التي تخلفها سياسة الإليزيه بأجزاء من القارة السمراء. فالصين تعول على مشروعها الاستراتيجي العابر للقارات (مبادرة الحزام و الطريق ) للوصول الى الضفاف الشرقية للمحيط الأطلسي و هو ما يضايق واشنطن المتوجسة من مزاحمة المبادرة الصينيةالجديدة / القديمة لمصالحها الاستراتيجية و الاقتصادية بإفريقيا و الشرق الأوسط، فيما روسيا تعول على حلفائها التقليديين بالمعسكر الاشتراكي من قبيل الجزائر لتوسيع نفوذها بشمال افريقيا والساحل و مزاحمة المكاسب الجيوستراتيجية التي راكمها البيت الأبيض بالمنطقة منذ نهاية الحرب العالمية الأخيرة وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي. المغرب كمركز ثقل اقليمي متصاعد، يدرك حساسية تموقعه ضمن حسابات و أجندات مختلف الأطراف الفاعلة في حقل السياسة العالمية الراهنة، و يراهن بناء على ذلك على نهج براغماتي يغلب المصالح العليا للمملكة في تدبير سياسته الخارجية ، ويقوي حضورها الرمزي و الاقتصادي بمناطق جديدة خاصة في عمقه القاري، بغض النظر عما توفره الشراكات التقليدية للرباط من فرص و مكاسب و من تحديات و اكراهات أيضا على مستوى صدمات التقاطب والنفوذ الإقليمي المتولدة عن حروب النفوذ مع تهديدات مباشرة و غير مباشرة لجوار هش و مزاجي.