خبراء يؤكدون أن المملكة مدعوة إلى الرفع من استقلاليتها الصناعية وتكريس توطينها للصمود أمام اضطراب سلاسل الإمداد والمحافظة على دور الجسر بين افريقيا وأوروبا يتعرض الاقتصاد المغربي كغيره من الدول إلى تداعيات الازمات العالمية المتعاقبة خلال العشرية الأخيرة، والتي عصفت بالعديد من التوازنات الاقتصادية أبرزها اضراب سلاسل الامداد عبر العالم. لقد أصبح المغرب اليوم أكثر استعدادا من قبل على تسيير الأزمات، حيث أن التجربة الرائدة التي خاضتها المملكة خلال جائحة كورونا أكسبته الثقة بطاقاته البشرية والمؤسساتية، بعد اتخاده لخطوات استباقية شكلت قارب نجاة عبر بمواطنيه ونسيجه الاقتصادي إلى بر الأمان، خلافا لدول كانت ولا تزال تعد من الدول المتقدمة اقتصاديا تعاني اليوم من خناق الأزمة التي سببتها كرونا وعقبتها الحرب على أوكرانيا. لكن في ظل الظرفية الاقتصادية العالمية تعاني تنامي الضغوط التضخمية واستمرار الضبابية حول آفاق النمو على المدى القصير قبل المتوسط والكبير، وذلك على خلفية التوترات الجيوسياسية المختلفة، يبقى أقر تحدي سيواجه المغرب خلال القادم من الأيام هو كيف يواصل تحوله الاقتصادي نحو النمو، عن طريق تعزيز سيادته في قطاعات حيوية وتقوية تموقعه في سلاسل القيمة. ومن الواضح أن تموقع المغرب في سلاسل القيمة العالمية هو نتيجة لسلسلة من الإجراءات المتخذة خلال السنوات الأخيرة، ولاسيما في ما يتعلق بإعطاء الأولوية لقطاعاته الاقتصادية الرئيسية، وتعزيز جاذبية الاستثمار، وتنويع شركائه، وتطوير منظومات صناعية مندمجة ومن ثم تعزيز صمود اقتصاده.
وفي هذا الصدد، قالت الأستاذة الباحثة بالجامعة الأورومتوسطية بفاس، حفصة البكري، إن « التطور الكرونولوجي للمخططات الصناعية الوطنية يمكن من تسليط الضوء على الدينامية التطورية لتموقع المغرب في سلاسل القيمة العالمية ».
وأوضحت السيدة البكري، أنه إذا كان الميثاق الوطني (2009-2014) قد مكن من تحديد ملامح الاستراتيجية الصناعية الوطنية الرامية إلى إدماج أنظمة الإنتاج المعولمة، فإن سياسة المنظومات المندمجة المتضمنة في مخطط التسريع الصناعي مكنت المغرب من الاندماج ضمن قائمة الوجهات الاستثمارية الأكثر تنافسية في إفريقيا وأن يتحول إلى وجهة من بين الأفضل من حيث التكلفة بالنسبة للمستثمرين الأجانب.
وأبرزت أن إطلاق مخطط الإنعاش الصناعي جاء في لحظة اتسمت بأزمات عميقة، ويتعلق الأمر بلحظة مفصلية حيث المغرب مدعو لتوطيد مكتسباته من أجل تحقيق طفرة نوعية في سلاسل القيمة العالمية.
وبداية بفرضية الركود، أوضحت السيدة البكري أن هذا السيناريو يمكن تبريره بثلاث سلاسل من الاعتبارات: العوامل الاستراتيجية الخارجية المرتبطة بالسياسات الحمائية لبعض الدول، والعوامل البنيوية المتعلقة بهشاشة نموذج تجزئة الإنتاج وباللوجستيك المعولم، وأخيرا العوامل المؤقتة المرتبطة بقدرة الصناعة المغربية على التكيف مع التحولات البيئية والتكنولوجية.
وأكدت أنه لكسب هذا الرهان، فإن المغرب مدعو إلى « تعزيز استقلاليته الصناعية وترسيخ مكانته في سلاسل القيمة الأوروبية ».
وقالت في هذا الصدد «يجب أن تستفيد الصناعة المغربية من آليات المواكبة اللازمة للنجاح في مسلسل إزالة الكربون وتعزيز قدرتها التنافسية على المستوى الدولي».
اضطراب سلاسل الإمداد، هل تشكل إعادة التوطين الحل ؟
في عالم ما بعد كوفيد المتسم باضطراب التموين، والذي تفاقم بفعل الظرفية الجيوسياسية المتوترة، نتيجة بالأساس للنزاع الروسي-الأوكراني، عاد النقاش حول ظاهرة إعادة التوطين ليطفو إلى السطح.
ورغم ذلك، يبقى الاقتصاد الوطني، الذي يُظهر توجهات متضاربة، مدعوما بمجموعة من العوامل الإيجابية، ومن بينها الأداء الجيد للاستثمار، ولاسيما العمومي.