خروقات مست المهنة ووحدت الجسم الصحافي أثارت صورة قاصر يحمل ميكروفونا، خلال تغطية جنازة الراحل عبد الحق الخيام، مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية، ضجة ذاع صداها في كل المواقع، وأسالت الكثير من المداد، بعد أن كان الطفل بصدد أخذ تصريح من شخصية أمنية وازنة، وهو محمد الدخيسي، مدير الشرطة القضائية بالمديرية العامة للأمن الوطني.
كتب بهذا الصدد الصحافي مصطفى الفن، في تدوينة فايسبوكية، معنونا الصورة الملتقطة بعدسته أساسا: "جنازة مهنة"، متسائلا عن محل الوزارة الوصية من هاته النازلة، ودورها في حماية القطاع، وكذا النقابات والهيئات المعنية بالتنظيم الذاتي لمهنة الصحافة.
ويضيف الفن مستدركا في تدوينة أخرى، أن هدفه من نشر الصورة لم يكن بالمطلق الإساءة لأي جهة، وإنما كان دفاعا من موقعه كصحافي عن المهنة، معتبرا أنها مهمة الصحافيين بالمقام الأول.
وإن كانت مثل هاته الحالات تتكرر، رغم تربصات المجلس الوطني للصحافة بها قصد الحد منها، إلا أنها مستمرة في الاستشراء بقوة داخل القطاع، غير أن هذا لا ينتقص من نبل المهنة شيئا، وهو ما أشار إليه الفن في نفس التدوينة.
وما جاء به بلاغ المجلس الوطني للصحافة أيضا، مؤكدا استهجانه لهذا السلوك المخالف لأخلاقيات وقانون المهنة، مضيفا أنه سيستعمل كافة الصلاحيات التي يخولها له القانون، للتداول في هاته الواقعة واتخاذ الإجراءات اللازمة، مثمنا الاهتمام الذي يوليه الصحافيون والصحافيات، لأخلاقيات المهنة، وحرصهم على نظافة الجسم الصحافي.
كما تفاعلت النقابة الوطنية للصحافة المغربية، مع هاته الواقعة بإصدار بلاغ إدانة استغلال " قاصر"، وتزوير بطاقة الصحافة من قبل الموقع الإكتروني نفسه، وذلك بعد تتبعها سياق الحدث، وفهمها لملابساته، والتحقق منه. معربة عن أسفها، غير أنه أسف تعدى مسألة تكليف طفل قاصر، بحمل الميكروفون، وهو ما رأت النقابة أنه لا يمكن تبريره مهنيا ولا أخلاقيا ولا حقوقيا، لتكشف عن وقائع اعتبرتها جزءا من تمييع الحقل الإعلامي. حيث اطلعت على فيديوهات وصور تؤكد الموقع الإعلامي نفسه، منح لسيدة كانت مكلفة بالتغطية، "بطاقة للصحافة"، غير صادرة عن المجلس الوطني للصحافة، وتحمل نفس شعار الموقع المذكور أعلاه وتوقيع مدير نشره، وبعد التحري ثبت أن هذه السيدة غير حاصلة على البطاقة المهنية أساسا، مما يشكل تزويرا وانتحالا للصفة.
لتستنكر النقابة الوطنية للصحافة المغربية، هاته التصرفات الخارقة لقانون الشغل وميثاق أخلاقيات المهنة، وحقوق الطفل، وكل القوانين المنظمة لمهنة الصحافة. وبناء عليه شددت على ضرورة التصدي القانوني لهذه الخروقات، كما طالبت المؤسسات الوصية، والشريكة في تدبير قطاع الإعلام بمواجهة هذه الخروقات القانونية والأخلاقية، التي باتت تهدد المهنة.
وأكدت النقابة أيضا، على أن هيئات التحرير بمختلف وسائل الإعلام "الورقية والرقمية، والسمعية البصرية" مطالبة باحترام القوانين المؤطرة للمهنة وأخلاقياتها، والحرص على تغطية الأحداث بما يحفظ للمهنة كرامتها، وبما يحترم كذلك حتى الوقائع التي تتم تغطيتها.
من جهته، أعرب رئيس الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، نور الدين مفتاح، في تصريح ل"العلم"، عن تأسفه أيضا إزاء هذا الموقف، معتبرا إياه حازا في النفس.
كما يرى المتحدث ذاته، أن الحالة ليست معزولة، وأن الأكثر أهمية من موقف الدفع بالطفل لهذا العمل الصارخ، هو رد فعل الجسم الصحافي، الذي وصفه بالمثلج للصدر، في وقت هيمنت الظنون بالتواطؤ والتسليم بذبح أخلاقيات المهنة، ودق المسمار الأخير في نعشها، ليتضح على هامش ما حدث، أن اليقظة ما تزال حاضرة، وأن خلية القطاع تتصدى دائما وفي حينه لأي تجاوز قد يمس المهنة. مختتما حديثه بأن هذا الحدث يوازي تلك الجنازة المهيبة في عظمتها، وإن كانت هاته الأخيرة طامة أصابت الوطن، بخسارة شخصية وازنة وخدومة كعبد الحق الخيام، ولكن هاته النقمة التي ألمت بنا تحمل في طياتها نعمة توحيد الصوت الصحافي واتحاده.
وبخصوص الحديث عن مستقبل القطاع في ظل ما يتم تسجيله من خروقات بحقه، فإن مفتاح يرى أنه من المؤكد سيكون أحسن بكثير، إن كنا نتحدث عن جسم قوي متيقظ وغير متسامح.