ما كانت الدبلوماسية المغربية أن تحرز النجاحات المتوالية في الدفاع عن القضية الوطنية والمصالح العليا للمملكة لو لم تكن مسنودة من دولة قوية تنعم بالاستقرار بقيادة جلالة الملك، ومدعومة من مؤسسات دستورية ذات مشروعية تجسد إجماعا وطنيا على اختيارات سياسية ورؤية استراتيجية واضحة المعالم بشأن المتغيرات الإقليمية والدولية في مداها القريب ومنظورها المستقبلي .ففي السنة التي نودعها بعد أيام ، حققت المملكة المغربية مكاسب مهمة في الميدان الدبلوماسي كما في ميادين أخرى ، وبرزت الجهود المكثفة التي قامت بها الدبلوماسية المغربية على الواجهتين الأفريقية والعربية، بحيث عززت التموقع الجيو- استراتيجي للمغرب كفاعل إقليمي وقاري يحمل مشروعا جديدا لعلاقات الجوار والتعاون المبنية على الاحترام المتبادل، والندية، والمصالح المشتركة للدول والشعوب. لقد انطلقت الدبلوماسية المغربية بدينامية متوازية من واشنطن إلى لندن ، وبوتيرة مؤثرة لتمتين العلاقات مع الدولتين الصديقتين ، وامتدت في نفس الآن إلى دول من أوروبا الشرقية وأخرى من إفريقيا ، وسطع نجم المملكة المغربية دبلوماسيا في القمة الخليجية الثانية والأربعين في الرياض ، من خلال التأكيد الخليجي على مغربية الصحراء والإشادة بالمقترح المغربي بشأن الحكم الذاتي في أقاليمنا الجنوبية ، وانتصرت المقاربة المغربية وثبتت نجاعتها بالتصريحات الإيجابية والمواقف البناءة التي عبرت عنها الحكومة الفدرالية الجديدة في ألمانيا. وبالمقياس الدبلوماسي المحض ، فإن عودة هذا البلد الأوروبي الصديق إلى سابق مواقفه المتزنة تجاه القضايا المصيرية لبلادنا شهادة على جدية الموقف الثابت الذي اتخذته بلادنا في الفترة الأخيرة، و مكسب مهم أضيف إلى سجل المكاسب التي حققتها الدبلوماسية المغربية خلال السنة التي توشك أن تنتهي . وهو الأمر الذي يثبت ، نظريا وعمليا ، ما ذهبنا إليه من أن الدبلوماسية الناجحة نابعة من قوة الدولة المغربية . وتلك هي الحقيقة التي تتجلى بمنتهى الوضوح ، إلا لمن طمست بصيرته و حرم الرؤية السليمة وعدمت عنده رجاحة العقل ويقظة الضمير ، و في طليعة هؤلاء حكام الجزائر الذين ندعو لهم بالعودة إلى الله والحكمة ومصلحة الشعبين الشقيقين. إن الدولة القوية التي أرسى قواعدها وأقام بنيانها جلالة الملك محمد السادس ، حفظه الله، هي السند الأقوى والدعامة الأرسخ للدبلوماسية المغربية الناجحة باطراد وفي كل المواقع الإقليمية والدولية . فقوة الدولة من قوة النظام السياسي المسنود بالإرادة الشعبية، وبقدرما تترسخ شرعية المؤسسات تصبح اختياراتها وتوجهاتها وسياساتها قوية بقوة الأشياء. تلك هي المرجعيات التكوينية للدبلوماسية المغربية الجديدة ، وهي الوضوح والاحترام المتبادل. وليس من شك أن الوضوح يتعارض مع ازدواجية المواقف في القضايا الحيوية والمصيرية للدول، ومثال ذلك قضية الصحراء المغربية التي لا يمكن التهاون في شأنها، أو التغاضي عن أي مساس بها. ولذلك يتشبث المغرب بمبدإ الوضوح والاحترام المتبادل في علاقاته الدبلوماسية مع دول العالم . وقد نجحت بلادنا في هذا المضمار ، وجاءت التغيرات في مواقف العديد من الدول مؤخرا تجاه القضية المغربية المقدسة دليلا قاطعا على أن التشبث بهذا المبدأ يكسب دائما ويربح الرهان اليوم وغدا.