في خطاب قوي و صريح وواضح ، أكد جلالة الملك محمد السادس على استقلالية القرار الوطني وعلى سيادة الدولة المغربية وعلى هيبة المؤسسات الأمنية التي تحافظ على أمن المغرب واستقراره ، موضحاّ في عبارات قاطعة حاسمة أن مؤامرات أعداء وحدتنا الترابية لا تزيد المغاربة إلا إيماناّ وإصراراّ على مواصلة الدفاع عن الوطن ومصالحه العليا ، مهما تكن الهجمات المدروسة والمخطط لها مسبقاّ التي تتعرض لها بلادنا ، وبلغ ما بلغ الاستهداف الذي يطالها ، باعتبار أنها دولة عريقة ، ولما تتمتع به من نعمة الأمن والاستقرار ، وبسبب ما لها من سمعة ومكانة وشبكة علاقات واسعة وقوية ، وما تحظى به من الثقة والمصداقية على الصعيدين الجهوي والدولى . وبذلك يكون الخطاب الذي وجهها جلالة الملك إلى الشعب المغربي بهذه المناسبة ، قد أجاب عن تساؤلات طرحت خلال الفترة الأخيرة التي اشتدت فيها الحملات العدائية الممنهجة التي لا تخفى المعامل التي تصنع فيها ، و قدم وصفاّ دقيقاّ ، بالتلميح تارة و بالتوضيح تارة أخرى ، على النحو الذي فهمه الشعب المغربي بالوضوح الكامل ، و وصلت رسالته إلى من يتوجب أن تصل إليهم على الصعيدين الجهوي والدولى . وهو الأمر قطع الشك باليقين ، وطمأن النفوس ، خصوصاّ لما أكد جلالته أننا سنواصل مسارنا ، أحب من أحب وكره من كره ، في تحدٍ شامخ الذرى وطيد الأركان ، هو خاصية رفيعة وخصلة نبيلة من خصائص العرش المغربي و خصلاته التي ينفرد بها بين أنظمة الحكم في قارتنا الأفريقية وفي عالمنا العربي الإسلامي . لقد رد بعض المراقبين الهجمات الشرسة التي يتعرض لها المغرب ، إلى تغيير توجهه السياسي والاستراتيجي وإلى طريقة تعامله مع بعض القضايا الديبلوماسية ، ولكن الخطاب الملكي قطع بأن هذا التأويل غير صحيح ، وإن كان الخطاب قد أكد أن المغرب تغير فعلاّ ولكن ليس كما يريدون ، لأنه لا يقبل بتاتاّ وعلى وجه الإطلاق ، أن يتم المس بمصالحه العليا . وذلك هو الفرق الجوهري بين التغيير الذي يحلم أعداء وحدتنا الترابية ويسعون إلى توريط المغرب في حبائله ومنعرجاته ، وبين التغيير الذي أردنا و أنجزناه و سرت فيه خطوات واسعة بإرادتنا الحرة ووفقاّ لحساباتنا وطبقاّ لرؤانا ومراعاة لمصالحنا و سعيناّ لتحقيق أهدافنا الوطنية. ولم يحل هذا التغيير الحضاري القائم على أقوى الأسس ، بيننا وبين إقامة علاقات قوية بناءة ومتوازنة خاصة مع دول الجوار . وهو ، كما أوضح الخطاب ، المنطق نفسه الذي يحكم توجهنا اليوم في علاقاتنا مع جارتنا اسبانيا ، التي وإن كانت قد مرت بأزمة غير مسبوقة ، هزت بشكل قوي الثقة المتبادلة ، إلا أننا تخطيناها بكامل الهدوء والوضوح والمسؤولية. فبهذا التوجه الحكيم وبهذا المنطق السليم ، يتخذ المغرب القرار الوطني ، سواء أكان ديبلوماسياّ أم سياسياّ أم اقتصادياّ ، لأن المصالح الوطنية العليا هي المعيار الذي يعتمده المغرب ، ويقيم سياساته عليه ، حفاظاّ على استقلالية القرار وسيادة الدولة ومصالح الوطن . وهو الأمر الذي لا يدركه ويعيه ويفهمه من في قلوبهم مرض الحسد والحقد والضغينة ، وتنطوي نفوسهم على الكراهية للمغرب ، وتضمر الشر له ، بطريقة أو بأخرى . وهو ما يفسر هذه الهجمات الضارية ، التي وصفها الخطاب الملكي بأنها مدروسة ، التي يشنها أعداء وحدتنا الترابية على تعدد أطيافهم و اختلاف أغراضهم وتنوع مشاربهم .
وقد أوضح الخطاب الملكي ، الذي جاء في التوقيت المناسب ، بعبارات لا تقبل التأويل أو تعدد التحليلات ، أن بعض الدول ، خاصة الأوروبية ، تخاف على مصالحها الاقتصادية وعلى أسواقها ومراكز نفوذها بالمنطقة المغاربية ، وهي لذلك لم تستوعب أن المشكل ليس في أنظمة بلدان المغرب الكبير ، وإنما في أنظمتها التي تعيش على الماضي ، ولا تستطيع أن تساير التطورات . وليس بعد هذا الوضوح الذي عبر به الخطاب الملكي ، من وضوح لمن أراد أن يفهم جيداّ أبعاد الاستراتيجية التي يعتمدها المغرب ، ويقودها جلالة الملك بحكمته البالغة ، وبرؤيته الواضحة ، و التفاف الشعب حول جلالته .فالمغرب يقف اليوم أمام مرحلة جديدة تتطلب الالتزام بروح الوطنية ، لرفع التحديات الداخلية والخارجية ، كما جاء في الخطاب الملكي ، وتلك هي روح ثورة الملك والشعب التي وصفها جلالة الملك بأنها ثورة مستمرة تلهم الأجيال المتعاقبة ، وروح المسيرة الخضراء ، وروح حركة التجديد والتحديث التي أبدعها جلالة الملك و يوالي تطويرها وترسيخ أركانها. (العلم)