وَجدتِ الأخبارُ الزائفة مرتعاً خصباً في زمن جائحة كورونا، لا سيما على مستوى منصات التواصل الاجتماعي. ولأنّ هذا النوع من الأخبار يعتمد في إستراتيجيته التضليلية على هذه الوسائل بشكل كبير، فقد عجت مواقع مثل "فيسبوك" و"يوتيوب" و"تويتر" ومثيلاتها بأخبار الفيروس التاجي صحيحِها ومضلِّلِها على حدٍّ سواء. وللتدليل على أنّ الأخبارَ الزائفة صناعةٌ محكمة، وليست عبثاً كما قد يظن البعض، فإنّ دراسةً أمريكية صدرت عن مركز "الديمقراطية والأمن الرقمي" التابع لجامعة كارنجي ميلون بالولايات المتحدة، كشفت خلال سنة 2020 أنّ 60 في المائة من الحسابات التي تناقش كورونا على "تويتر" هي عبارة عن روبوتات تم إنشاؤها لنشر محتوى زائف حول أصل هذا الفيروس.
بل إنّ مجموعة من الباحثين، يذهبون إلى أنّ التلاعبَ بالأخبار أقدمُ من الأخبار نفسِها. من ذلك، أننا نجده حاضراً في معركة "قادش" التي دارت بين الحِيثِيِّين والفراعنة سنة 1274 ق.م، كما يتخلل أعمالاً كبرى مثل محاورات أفلاطون وبلاغة أريسطو، وبعدهما نلفي التلاعبَ ذاته حاضرا في أعمال فلاسفة القرن التاسع عشر مثل آرثر شوبنهاور (فن أن تكون دائما على ثواب).
وحتى على مستوى تعريفها، تتسم الأخبار الزائفة بالتفلت. فهي تضعنا أمام مفاهيمَ قديمةٍ من قبيل الإرجاف والتأثير والدعاية والتضليل، وأخرى حديثة مثل التطويع وما بعد الحقيقة والتحقق من الحقائق...
أما اليوم، فمن المسلمات أنّ الأخبار الزائفة صارت من صناعات العصر الرقمي الرائجة. ولتنامي هذه "الظاهرة"، عوامل شتى على رأسها طفرةُ الإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت الآلية الأساسية في تواصل الناس، ومن مزاياها تحول الفرد باستمرار بين موقعَيْ إرسال المعلومة وتلقيها.
وتعدُّ هذه الآلية ذات حدين، أحدهما إيجابي يسهم بواسطته "الصحافي المواطن" في تعرية ما يعتمل في مجتمعه من خروقات وتجاوزات... والآخر سلبي، يتمثل بالأساس في تسهيل نشر الأخبار الزائفة وما يترتب عن ذلك من تبعات خطيرة على الأفراد والمجتمع.
وهنا يبرز مفهوم "عولمة الإعلام"، بوصفه عملية تهدف إلى التعاظم المتسارع والمستمر لقدرة وسائل الإعلام والمعلومات على تجاوز الحدود السياسية بين الدول والمجتمعات، وذلك بفضل التكنولوجيا الحديثة التي جعلت العالم قرية صغيرة معولمة.
وبعيدا عن صناعة الزيف الممنهجة، نجد أنّ "الصحافي المواطن" المتواري وراء شاشة هاتفه الذكي الذي يتخذه منصةً لإطلاق المعلومات والصور والفيديوهات والتعليقات والتحليلات... يجهل في الغالب الأعم، أخلاقياتِ مهنة المتاعب ومضامين قانون الصحافة والنشر والقانون الجنائي، مما يوقعه عادة في جملة من الانزلاقات أخطرها إنتاجُ وتداول الأخبار الكاذبة.
ولعل الهاجس الذي يدفع الناسَ في اتجاه فخ الأخبار الزائفة دفعاً، هو التهافت على "البوز" و"السكوب"... فقد صار الجميعُ اليوم يتبارى على نيلِ قصب السبق في نشر المعلومات سواء المتعلقة بالأمن العام أو بالحياة الشخصية للأفراد ونحوها دون تروٍّ.
في المقابل، اجتهدَ واضعو القوانين في تطويق هذه "الظاهرة". وذلك في أفق التصدي لها والوقاية منها، حيث إن خبراء القانون يعتبرون الإطار القانوني في هذا الباب كافياً.
ففي موضوع الحياة الخاصة والحق في الصورة مثلاً، يمكن الوقوف عند القانون المتمم للقانون الجنائي، في فصله 747 والذي ينص على عقوبة تصل حتى ثلاث سنوات لناشري الأخبار الزائفة والوقائع المكذوبة بشأن الحياة الخاصة للأشخاص، أو التي تروم التشهيرَ بهم.
وهناك أيضاً، المادة 72 من قانون الصحافة والنشر، وتنص على توفر أربعة شروط لقيام جريمة نشر الأخبار الكاذبة، وهي على التوالي أنْ يكون الخبر زائفاً، وأنْ يتوفر فيها عنصر العلانية بطريقة إما إلكترونية أو سمعية بصرية أو مكتوبة، وأنْ يؤدي إلى نتيجة هي الإخلال بالأمن العام وإحداث الفزع، وأنْ يكون ذلك بسوء نية.
وهنا ترتفع الأصوات مطالبةً السلطاتِ الأمنيةَ والقضائية، بتحمل مسؤوليتها الكاملة في متابعة مقترفي جريمة نشر الأخبار الزائفة. وبالفعل، وفي بداية جائحة كورونا ببلادنا، خرجتِ النيابة العامة بمنشور يدعو إلى التشدد مع كل من ينشر أخبارا زائفة خاصة مع بداية فترةِ الحجر الصحي.
كما نجدد بوصفنا صحافيين وإعلاميين مطالبتنا بضرورة تفعيل مبدإ الحق في الوصول إلى المعلومة الذي يكفله دستور المملكة، وذلك بانفتاح المسؤولين والإدارات والمؤسسات بشتى تلاوينها، على الإعلام بكل السبل القمينة بنقل المعلومة الصحيحة في وقتها.
فعوَضَ إغلاق هواتف السادة المسؤولين باختلاف درجاتهم، خليقٌ بهؤلاء تنمية آلياتهم التواصلية عبر نشر البلاغات في وقتها المناسب، وتنظيم الندوات الصحافية، وعدم احتكار المعلومة، مما يعطي إدارة منفتحة ومتفاعلة ويحد من اتساع رقعة الشائعات.
كما أن المواطن والصحافي بدورهما، مدعوان إلى تمحيص المعلومات التي تصلهما، وإثارة التريث على التسرع في النشر. وهنا وجبَ التذكير بأنّ المادة 774 من القانون الجنائي المغربي، تُجرّم فعلَ توزيع الأخبار والفيديوهات الزائفة عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي.
ممّا سبق، وفي انتظار تحلي الجميع بروح المسؤولية المفروضة حيالَ الأخبار الزائفة، يبقى سياسة الثواب والعقاب والسجن، إذا لزم الأمر هي الدواء أمام استفحال هذا الداء.