مسيرة المغرب التي أرادها مبدع فكرتها وقائدها جلالة الملك الحسن الثاني يرحمه الله، أن تكون مسيرة وطنية سلمية خضراء، لا تزال مستمرة بلا توقف ومتواصلة بلا انقطاع، تنتقل من محطة إلى أخرى، وتسير في اتجاهات مختلفة تلتقي جميعُها حول أهداف وطنية استراتيجية سامية، هي بناء المغرب الجديد على قواعد راسخة من الديمقراطية والحكم الرشيد القائم على القانون، وعلى المؤسسات الدستورية ذات المصداقية التي تمثل إرادة الشعب الواجبة الاحترام، وعلى التنمية المتوازنة المتكاملة الشاملة المستدامة التي تراعي العدالة في التوزيع الجغرافي، والشفافية في تنفيذ المشروعات الاقتصادية، والتخطيط المحكم في تأسيس الأوراش التنموية الكبرى التي تستوعب الطاقات الشابة المنتجة، وتلبي احتياجات المواطنين جميعاً، دون تمييز، وتطلعاتهم إلى توفير الوسائل الآمنة للعيش في عزة وكرامة وفي حرية وأمن واستقرار. إن المغرب الجديد الذي انبثق من المسيرة الخضراء التي انطلقت في مثل هذا اليوم، بقرار تاريخي شجاع من جلالة الملك الحسن الثاني قبل أربع وثلاثين سنة في اتجاه الصحراء المغربية لتحريرها من الاحتلال الإسباني، يواصل اليوم، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، وبإرادة قوية حازمة تعززها الوحدة الوطنية الجامعة لجميع فئات الشعب وطبقاته، مسيرةَ تجديد البناء الديمقراطي، وتحديث النماء الاقتصادي، وتفعيل الحراك الاجتماعي، وترشيد التنمية السياسية ودفعها نحو المزيد من الالتزام الكامل بأحكام الدستور وبنصوص القوانين، مع التشبث القوي بالمقدسات الوطنية وبالثوابت المبدئية التي هي مصدر الخصوصيات الروحية والثقافية والحضارية ذات التنوع الخلاق الذي يشكل الشخصية المغربية منذ قرون بعيدة. وتدفع الإرادة السياسية الواعية التي يقود بها المغرب مسيرته الجديدة، بفكر جديد خلاق، وبوعي وطني مستنير، نحو ارتياد آفاق المستقبل، من خلال فتح أوراش عمل وإنتاج وابتكار وتجديد وتطوير، تغطي شتى المجالات، للنهوض بالمجتمع المغربي نهوضاً شاملاً على جميع المستويات ومن مختلف النواحي، ولتحقيق الأهداف التي رسمتها الحكومة في الميادين الاقتصادية والاجتماعية، طبقاً للبرنامج الذي تقدمت به إلى البرلمان، ووفاء بالعهد الذي قطعته على نفسها أمام ممثلي الشعب، وهي تقطع مراحل تنفيذ برنامجها الحكومي، بحكمة ورصانة وتبصر، مرحلة بعد مرحلة، في اتجاه واضح المعالم مرسوم الأهداف، مسترشدة بتعليمات جلالة الملك وبأفكاره البناءة النيرة، ومنفتحة على آفاق المتغيرات الدولية من منطلق الحرص على المصالح العليا للبلاد. وتحل الذكرى الرابعة والثلاثون للمسيرة الخضراء الحدث الوطني الأبرز في تاريخ المغرب المعاصر بعد حدث الاستقلال، في الوقت الذي يقف المغرب صامداً أمام التحديات التي تواجه الوحدة الترابية للمملكة من جراء العراقيل التي يضعها خصوم هذه الوحدة وأعداء السلام والأمن في المنطقة، في الطريق نحو تسوية سلمية توافقية للمشكل المصطنع، تقدم المغرب بمقترح جريء وشجاع لتحقيقها من خلال منح الحكم الذاتي لأقاليمنا الصحراوية الجنوبية تحت السيادة المغربية. وهو المقترح الذي حظى بالقبول والتشجيع والمساندة من قبل أطراف دولية عديدة، رأت فيه مخرجاً مشروعاً من الأزمة المصطنعة التي لا يد للمغرب فيها، لا من قريب ولا من بعيد. إن ثبات المغرب على مبادئ المسيرة الخضراء يمنحه الثقة في المستقبل واليقين بأن المنتظم الدولي سيعتمد في نهاية المطاف، المقترح المغربي بخصوص وضع حد نهائي لا رجعة فيه لهذا المشكل الذي أصبح واضحاً أن أطرافاً إقليمية تسعى إلى استغلاله لتحقيق أهدافها غير السلمية في المنطقة. إن العبرة الدائمة من المسيرة الخضراء، أنها تبث في المغاربة روح الأمل والتفاؤل والثقة بالنفس، وتدفع نحو المزيد من البناء والنماء والرخاء في إطار من الوفاء والولاء والإخاء. وتلك هي دلالة استمرار المسيرة الخضراء وبقاء شعلتها مضيئة تنير أمامنا معالم المستقبل.