تحل اليوم الذكرى 34 لانطلاق المسيرة الخضراء في أجواء من التعبئة الوطنية للدفاع عن الوحدة الترابية المغربية والتمسك بالمكتسبات النضالية التي تحققت بهذا الحدث التاريخي الذي أبدعه قائد المسيرة جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله، انطلاقا من حق المغرب الثابت في استرجاع أقاليمه الجنوبية المغتصبة، وبعد الرأي الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في لاهاي والذي أكد وجود روابط بين الصحراء والمغرب. ويصادف تخليد هذه الذكرى إجماعا دوليا حول مشروع الحكم الذاتي للصحراء تحت السيادة المغربية، وهو المشروع الذي يعتبر شكلا ديمقراطيا راقيا وحضاريا، كان جلالة الملك محمد السادس قد أعلن عنه في أفق إخراج قضية الصحراء من النفق الذي دخلت فيه ووضع حد لهذا النزاع المفتعل. لقد كانت المسيرة الخضراء إبداعاً وطنيا جسَّد إصرار المغرب على استكمال وحدته الترابية بأسلوب سلمي، وبمنهج وطني، وبرؤية كانت تتطلع نحو المستقبل، وتأخذ بعين الاعتبار حقوق الجوار ومقتضيات التعاون الاقليمي لبناء علاقات ثنائية تقوم على أساس المصالح المشتركة والإرث التاريخي المشترك. ولذلك لم تكن المسيرة إعلانا للحرب على إسبانيا التي كانت تحتل الصحراء المغربية، بقدر ما كانت إيذانا بالدخول في مرحلة جديدة يسترد فيها المغرب حقوقه الشرعية والتأريخية، ويمد فيها اليد للجارة الإيبرية للتعاون على قدم المساواة، وفي ظل القانوني الدولي ، من أجل تحقيق المصالح المشتركة للشعبين المغربي والإسباني. وكان الحرص الذي أبداه المغرب، في تلك الظروف الدقيقة، على تأكيد تشبثه بالقانون الدولي والتحرك في إطاره، هو الذي أدى الى الدخول في مفاوضات مع إسبانيا، انتهت بإبرام اتفاقية مدريد في 14 نوفمبر 1975 التي دخل بموجبها المغرب الى صحرائه، ورفع العلم المغربي في العيون على بناية الحاكم العسكري الإسباني يوم 26 فبراير 1976 ، إيذانا بانتهاء العهد الاستعماري في هذا الجزء من الوطن. وبذلك حققت المسيرة أحد أهدافها الوطنية، وفتحت أمام المغرب آفاقا واسعة لطي صفحة الماضي، وللانخراط في عملية بناء جديد. ويمكن القول إن المسيرة الخضراء كانت، ولا تزال، مشروعا للمستقبل، لأن المقترح الذي تقدم به المغرب لإقامة حكم ذاتي في أقاليمنا الجنوبية في إطار السيادة المغربية ووحدتها الترابية، غير مقطوع الصلة بالأهداف السلمية وبالروح الحضارية للمسيرة. فهذا المشروع الذي وصفه قرار مجلس الأمن كما وصفته العديد من الدول الكبرى بأنه واقعي وموضوعي، يعبر في أبعاده ومراميه عن روح المسيرة ويثبت أن المغرب بقيادة جلالة الملك محمد السادس قد أبدع مسيرة جديدة، بأسلوب جديد، يتفق وتطورات المرحلة، من دون أن يبتعد عن جوهر القرار الذي اتخذه جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله، وهو التشبث بالوحدة الترابية لمملكة وتلك هي عظمة المغرب المستمدة من أمجاد تاريخه ومن مقومات حضارته.