ثروة الفنانة أنجلينا جولي ناقصة عن حدها المفترض، فثلث دخلها مخصص لمناطق العالم المنكوبة. منحت مليون دولار لأحد معسكرات اللجوء الأفغاني في باكستان، مليون دولار لمنظمة أطباء بلا حدود، مليون دولار لمنظمة الطفل العالمي، مليون دولار لمنظمة غلوبال أيدز أليانس، مليون دولار لمنكوبي دارفور، 5 ملايين دولار لأطفال كمبوديا، 100 ألف دولار لمؤسسة دانيال بيرل، وستنشئ قريبا عيادة طبية لمكافحة الأيدز في أثيوبيا. وفي زيارتها الثالثة للعراق الشهر الماضي قدمت دعما مادياً ومعنوياً لمئات الآلاف من اللاجئين العراقيين داخل العراق وخارجها. يقال إن نحو 20 مليون دولار (عدا الأطعمة والأدوية وغيرها) هي إجمالي ما تبرعت به في ثماني سنوات. وتنفق سفيرة الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين على زياراتها التفقدية من جيبها الخاص. زارت مخيمات اللاجئين في لبنان، واللاجئين الصوماليين في كينيا. وزارت أفغانستان، الصومال، باكستان، دارفور، سلفادور، تنزانيا، سيراليون، وغيرها بشاحنات محملة بملايين الدولارات وبمختلف أنواع الأغذية والأدوية والأطعمة، لا يتملك الفنانة ولا تبدي خوفاً من أمراض معدية أو اعتداءً أو اختطافاً أو إصابة بتفجيرات قد تشوه جمالها الشهير أو تسلبها حياتها، رغم أن هذه المصائب ليس أسهل من حدوثها في تلك الأمكنة المنكوبة سياسياً وطبيعياً. قصار النظر سيتهمون زياراتها بدعوات تنصيرية. البعض يقول إن وراء الأعمال الخيرية رغبة بكسب مزيد من الشهرة، خصوصاً لدى الممثلات اللواتي بدأن يكبرن وتقل رغبة المنتجين في اختيارهن كبطلات لأفلامهم. قد يكون ذلك صحيحاً. وليكن، طالما أنه يؤدي لتكرار الزيارات والاشتراك بأهم المنظمات العالمية دعما للإنسان، ولتكن الشهرة دافعاً للخير وتقديم الود والقبلات داخل العراق الذي يقبله ويغني له أبناؤه المطربون من الخارج. فلتكن الشهرة هدف زيارة عائلات مدمرة ومادياً نفسياً، ومواساتها ولو بالكلمات. في زيارتها الأخيرة طالبت أنجلينا أبا عراقيا حزينا بالصمود كي يهزم المأساة، قالت له يتطلب الأمر الكثير من القوة للعيش في مثل هذه الحياة، لا أعرف ما إذا كنت قويا بما يكفي لتحيا بهذا الشكل وبعد عودتها من العراق في العام 2008 كتبت أنجلينا مقالاً نشرته في واشنطن بوست عن اللاجئين العراقيين بطريقة توحي بأن الكاتبة هي من أهل هذا البلد أكثر منها فنانة هوليوودية ناشطة في حقوق اللاجئين، وصفت به جولي حياة مليوني ونصف مليون لاجئ عراقي في الأردن وسوريا، مطالبة بأهمية عودة النازحين ايَّاً بلغ كرم البلدان المضيافة، كما وصفت حياة مليوني لاجئ عراقي داخل العراق جراء عمليات التطهير العرقية. كتبت أن أوضاعهم مزرية متردية، لا يمتلكون المنازل ولا الوظائف، يعيشون دون طعام ولا دواء، وكثير منهم لجأوا للمساجد أو اختاروا أبنية مهجورة لا تتوافر فيها الكهرباء عدا أولئك الساكنين في الخيام والغرف المبنية من القش والطين، 58% من اللاجئين داخلياً هم من الأطفال دون سن الثانية عشرة. واليوم هناك نحو ثلاثة ملايين يتيم عراقي، ونحو مليون أرملة ومطلقة دون أي معونة مادية، وهناك جرائم الشرف المتزايدة باستمرار خصوصاً بكردستان. هل زار الفنانون العرب مخيما عراقيا ما؟ هل زار أحدهم تسونامي؟ دارفور؟ هل درى فنانو مصر عن معاناة الجار السوداني. أكثر قضية يمكن لفناني العرب المشاركة بالحديث عنها حديثا رمزياً هي القضية الفلسطينية، حدود اهتماماتهم تنتهي وتبدأ معها مع إهمال تام لأي كارثة أخرى، رغم أن عدد القتلى في دارفور مريع لحد الفظاعة. أين الواجب الإنساني للفنان العربي؟ هل لا يزال عمله محصورا بالمشخصاتي دون أي علاقة بما يحدث خارج المسرح؟ أنجلينا جولي لا ترد الزيارات العربية إنما تقدم مبادرات، إذ لم يزر فنانو العرب نيو أورليونز لمواساة المتضررين من ضحايا كاترينا، ولم يخرج أي بيان ينعى الوفيات، وقفوا صامتين أمام كيل من الشماتة موجه لأهالي الولاياتالمتحدة الكفرة، وخرج وقتها بيان لتنظيم القاعدة في العراق على شبكة الإنترنت يصف دمار كاترينا بأنه عقاب إلهي، الشارع العام العربي إجمالا كان شامتاً بضحايا الإعصار، هكذا تفكر الإنسانية هنا، وهكذا تفكر نجمة هوليوودية يمكنها قضاء أجمل الأوقات برفقة الملايين التي تنفقها على المنكوبين في عالم يعادي دينها وبلدها. فعل الخير غير موجود في ثقافتنا بمعناه الإنساني، وعندما حاولنا تقليد الإنسانية وقمنا بفعل الخير منحنا العمل الخيري طابعاً دينيا لا يجيز تقديم الزكاة لغير المسلمين، كما قام أهل الخير بجمع الصدقات والتبرعات وتجنيد الأموال لتمويل القاعدة والإرهاب بهدف تفجير الإنسانية. هذه مدى معرفة أهل الخير بفعل الخير، أشعلت النيران في أفغانستان، وشاركت الجمعيات الخيرية بدعم الخلايا الإرهابية. وتلك هي الزكاة بنظر إنسانة غير مؤدلجة، توزع الخير هكذا دون سؤال عن جنس أو دين أو هوية، هدفها الإنسانية لا الإسلام أو المسيحية، وهل أعظم من هكذا هدف؟ تلك هي الزكاة على طريقة أنجلينا.