قامت الحكومة المغربية باستدعاء سفيرها بإيطاليا للتشاور على إثر ما تعرض له عضو بمجلس المستشارين المغربي من اعتقال ومحاكمة من طرف السلطات الإيطالية كما جاء في بلاغ لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون المغربية. وليست المرة الأولى التي يتعرض فيها المستشار البرلماني لهذا التصرف بل سبق اعتقاله خلال شهر يوليوز المنصرم بمدينة مليلية المحتلة من طرف السلطات الاسبانية على إثر تصريحاته المعاكسة للزيارة التي قام بها العاهل الاسباني لهذه المدينة السليبة وكذا مدينة سبتةالمحتلة، مما جعل كلا من الحكومة والبرلمان المغربيين يعبران عن اسيائهما لهذا التعامل اللامسؤول. إن هذه السابقة في حق المستشار البرلماني المغربي تطرح إشكالية عميقة بشأن الحصانة البرلمانية بين التشريع الوطني والقانون البرلماني، كما هو متعارف عليه دوليا باعتباره القاسم المشترك للتشريعات البرلمانية، وكما هو معترف به لدى الشعب والاتحادات البرلمانية، كما هو الشأن بالنسبة للاتحاد البرلماني الدولي، الاتحاد البرلماني العربي، الاتحاد البرلماني الافريقي، اتحاد برلمانات الدول الاسلامية، مجلس الشورى المغاربي، البرلمان الانديني، البرلمان الاوربي وغيرها من اللقاءات البرلمانية على الصعيد الدولي والاقليمي. هذا التصرف الذي اقدمت عليه السلطات الايطالية والذي غيب في الصميم احكام الفصل 39 من الدستور والقانون المتعلق بتطبيق هذا الفصل بشأن الحصانة البرلمانية، يطرح كذلك اكثر من تساؤلات: لماذا هذا التعامل السلبي من طرف السلطات الإيطالية مع الحصانة البرلمانية ولماذا لم تعترف السلطات الإيطالية بالحصانة البرلمانية كما هو متعارف عليها دوليا انسجاما مع القانون البرلماني«الدولي» إن صح هذا التعبير، مادامت هذه الحصانة. تعتبر جزءا لايتجزأ من هذا القانون البرلماني وإحدى مقوماته ودعائمه وركائزه الاساسية، وهل ستتحرك الاتحادات البرلمانية، وعلى رأسها الاتحاد البرلماني الدولي لحماية الحصانة البرلمانية ببعدها الدولي من المس بأحكامها؟ وكيف سيتعامل البرلمان الاوربي مع هذه السابقة التي اقدمت عليها دولة ممثلة فيه تمثيلا وازنا مادام هذا الاخير قد جعل من الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الانسان كما هو متعارف عليها دوليا معركته الأولى؟. وهل ستكون هذه السابقة مناسبة للاتحاد البرلماني الدولي الذي سيجتمع في دورته العادية خلال الشهر المقبل للانكباب على هذا الوضع بهدف إقرار إتفاقية دولية حول الحصانة البرلمانية على غرار معاهدة جنيف لسنة 1961 الخاصة بالحصانة الدبلوماسية لحماية أعضاء السلطة التشريعية ممثلي الشعوب من مثل هذه الأعمال التي تمس في الصميم سيادة الدول التي تمارسها الشعوب بطريقة غير مباشرة عن طريق ممثليها في البرلمانات التي تعتبر العمود الفقري للديمقراطية الحقيقية والتي شكلت على الدوام شعارا للديمقراطيات الغربية. إن الدفاع عن الديمقراطية كل لايتجزأ، بما في ذلك احترام القانون البرلماني كما هو متعارف عليه دوليا، خاصة فيما يتعلق بالحصانة البرلمانية التي تمثل سيادة الدولة وتحصين أعضاء البرلمان من مثل هذه التصرفات التي تشكل في حد ذاتها إساءة خطيرة للديمقراطيات الغربية، لتفقد بذلك مصداقيتها في الدفاع عن المبادىء الديمقراطية. ولقد احسنت الحكومة المغربية صنعا عندما لجأت إلى الطريقة الدبلوماسية للتعبير عن رفضها لمثل هذا التصرف نظرا لأن الحصانة الدبلوماسية والحصانة البرلمانية امتيازان متلازمان وكل لايتجزأ مادامت سيادة الدولة واحدة ينبغي احترامها في شموليتها.