استجدت تطورات متلاحقة تهم أوضاع المواطنين الصحراويين المقيمين في مخيمات لحمادة (ونترك لكل جهة وشخص مهمة الوصف الدقيق لطبيعة هذه الإقامة، ما بين الاحتجاز أو الإقامة الجبرية أو الإقامة الطوعية) ولكن المؤكد أنهم يقيمون في المكان الخطأ، وأن مكان إقامتهم الطبيعية هو بلدهم المغرب.
ومن الطبيعي أن تتصدر هذه التطورات التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة السيد غوتيريس ومناقشة مجلس الأمن لهذا التقرير خلال الشهر الجاري، والقرار المرتقب صدوره عن هذا المجلس قبل أن يلفظ هذا الشهر أنفاسه الأخيرة، وهي كلها محطات ستتطرق لا محالة لأوضاع المواطنين الصحراويين في مخيمات لحمادة الخاضعة لسيطرة جبهة البوليساريو الانفصالية في رحاب حكام الجارة الجزائر الشقيقة.
لكن يهمنا في مجمل التطورات الحاصلة في هذا الشأن حدثان لا يمكن أن يمرا في صمت.
أول هذه التطورات ما قيل عن أن الإحصائيات الجديدة التي توصلت إليها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تؤكد أن عدد الصحراويين المقيمين في مخيمات تندوف يصل إلى 173.600 شخص، وهو العدد الذي اتخذ كقاعدة رسمية للتمويل من قبل الدول المانحة للمساعدات. وهنا يحق التساؤل عن المنهجية المعتمدة التي قادت المفوضية إلى التوصل لهذا العدد من السكان هناك، فإذا كانت السلطات الجزائرية تمتنع بشكل مطلق ونهائي عن التعاون مع المفوضية بشأن إحصاء السكان المقيمين في هذه المخيمات، وترفض بشكل نهائي وقاطع إجراء أي إحصاء لهم من طرف المفوضية رغم صدور قرارات وتوصيات أممية في هذا الصدد، فمن أين جاءت المفوضية بهذا الرقم الذي يتوافق تماما مع ما تدعيه قيادة جبهة البوليساريو في هذا الصدد؟
ومهم أن نسجل في هذا الشأن أن المفوضية تصرح بهذا الرقم _كما قيل على الأقل_ ارتباطا بالمساعدات المالية التي تقدمها الدول المانحة، وهذا أيضا يتلاقى مع ما تحرص قيادة الجبهة الإنفصالية على اعتماده كهدف، بمعنى أنه كلما كان العدد مرتفعا كلما زادت قيمة وحجم المساعدات التي أكدت تقارير دولية ذات مصداقية أن جزءا منها يذهب في غير اتجاهه الصحيح لفائدة أشخاص معينين.
الشهادات الموثوق بها الواردة من تلك المخيمات تؤكد أن العدد يقل بكثير عما جاء في تقرير المفوضية، وأن عددا من المقيمين هناك لا علاقة لهم بالتراب ولا بالقضية، بل هم نازحون من دول لدوافع ترتبط بالتجارة والهروب من أوضاع أمنية غير ملائمة، وغير ذلك كثير، لذلك فإن مصداقية المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، كانت ولا تزال، تفرض عليها القيام بإحصاء لأعداد السكان هناك قبل الإعلان عن أعداد تفتقد للشروط التقنية والعلمية اللازمة، وهذا ما ينتظر من المفوضية مما سيساعد كثيرا في إجلاء الحقيقة وليس شيئا آخر غير الحقيقة.
المفوض السامي لشؤون اللاجئين السيد فيليبو غراندي
التطور الثاني المتعلق بهذه القضية يتمثل في مضمون الخطاب الذي ألقاه الرجل الثاني في وزارة الخارجية الجزائرية خلال انعقاد أشغال الدورة 70 للجنة التنفيذية لبرنامج المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، والذي دعا بموجبه المسؤول الديبلوماسي الجزائري المفوض السامي لشؤون اللاجئين السيد فيليبو غراندي إلى زيارة مخيمات تندوف ل“الإطلاع بشكل مباشر على وضعية المخيمات التي تحتوي على أعداد هائلة من السكان من مختلف الأعمار” كما جاء في خطاب المسؤول الجزائري.
وهنا لا بد من التعبير عن الاستغراب الشديد من هذه الدعوة، لأن نفس الحكومة التي مثلها الديبلوماسي الجزائري هذا الاجتماع هي نفس الحكومة التي ترفض طلب المفوضية بإجراء إحصاء للسكان هناك، ويبدو أن أكثر ما قبلت به في هذا الشأن هو زيارة مجاملة للمفوض السامي لشؤون اللاجئين إلى المخيمات حيث ستتكلف الأجهزة الجزائرية بحشد الجماهير لاستقباله في عين المكان لإعطاء صورة خاطئة ومغلوطة عن حقيقة الأوضاع هناك، بيد أن ما كان ولا يزال مطلوبا من المسؤول الجزائري ومن خلاله الحكومة التي يمثلها هو السماح للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين بإجراء إحصاء دقيق لأعداد السكان في تلك المخيمات، تنفيذا لقرارات الشرعية الدولية وتعبيرا صادقا من الحكومة الجزائرية عن إرادتها الحقة في إيجاد حل للإشكاليات المرتبطة بالنزاع المفتعل في الصحراء المغربية بما في ذلك تدابير الثقة بين مختلف الأطراف.
تبقى الإشارة مع ذلك إلى أن دعوة المسؤول الديبلوماسي الجزائري للمفوض السامي لشؤون اللاجئين لزيارة المخيمات الموجودة بالقرب من مدينة تندوف الخاضعة اليوم للسيادة الجزائرية، تعتبر تأكيدا واضحا على أن السلطات الجزائرية تتصرف فيما يتعلق بالنزاع المفتعل في الصحراء المغربية كطرف رئيسي ومعني مباشر بهذا النزاع، لذلك فالمسؤول الجزائري لا يرى حرجا مثلا في دعوة مسؤول أجنبي لزيارة المخيمات التي يقولون أنها خاضعة من حيث الشكل لتدبير جبهة انفصالية، لأنه يتصرف كصاحب الدار في هذه القضية، وهو ما يفند التنكر الحزائري للأدوار الخبيثة التي يقوم بها لاستدامة هذا النزاع المفتعل. العلم