إيمانا من المكتب الوطني لجمعية الشبيبة المدرسية بالحاجة الماسة إلى فتح نقاش وطني عمومي حول واقع وآفاق المدرسة المغربية، وإدراكا منه للتحديات الكبيرة التي تواجه الهوية الوطنية، في ظل التحولات العالمية، ينظم هذا الأخير الملتقى الوطني للحوار التلمذي ، تحت شعار « من أجل مدرسة مغربية تحمي الهوية الوطنية » من 09 الى 20 غشت بمخيم المهدية. ويرتقب أن يرأس حفل افتتاح الملتقى الوطني للحوار التلمذي الأستاذ عباس الفاسي، الأمين العام لحزب الاستقلال يوم الاثنين 10 غشت ابتداء من العاشرة صباحا، كما سيعرف الملتقى تنظيم عروض وندوات وموائد مستديرة، بمشاركة مفكرين وحقوقيين ورجال التعليم ورجال الفكر والإعلام. وتعتبر هذه الدورة نتيجة للتراكم النوعي الذي أفرزته سلسلة الملتقيات الوطنية والجهوية التي دأبت الشبيبة المدرسية على تنظيمها منذ سنوات، والتي تعكس وعيا عميقا بأهمية القضايا والأسئلة الكبيرة المطروحة على المدرسة العمومية بالمغرب. وقد كان الخيط الناظم في كل المواضيع التي عالجتها ملتقيات الشبيبة المدرسية بالدرس والتحليل والحوار، هو الحرص على أن تكون المدرسة فاعلا أساسا في التحولات المجتمعية التي تعرفها بلادنا. وتحاول ملتقيات الشبيبة المدرسية المنظمة على مدى طيلة مرحلة التخييم لسنة 2009 أن تناقش كل ما من شأنه أن يهم الهوية المغربية وكذا كل ما يمكنه أن يهدد رصانتها كالعولمة وتبعاتها المدوية على الصعيد العالمي، و التي أفرزت آثارا عميقة على الهويات الوطنية، وهددت بطمس هوية بلدان بأكملها، خصوصا البلدان النامية، والتي تواجه بشكل غير مسبوق تحديات كبيرة تمس هويتها وانتمائها الحضاري أو ما يعرف " بالاستيلاب الثقافي". وتعني المدرسة المغربية، التي يحيل عليها شعار الملتقى، النسق التعليمي والتكويني المغربي في شموليته، وبمختلف مراحله من الأولي إلى الجامعي، وبتعدد مكوناته، من حيث هي واقع مركب تخترقه ذات التحولات والرهانات التي تتفاعل في عمق المجتمع المغربي. ذلك أن المدرسة المغربية تتحرك في محيط مباشر مطبوع، بتعدد حمولاته التاريخية وباختلاف ألوان مناظره الطبيعية، وبتنوع لغاته وتعبيراته الثقافية، إذ يمكن التساؤل كيف لسياسة تربوية أن تأخذ هذا الغنى بعين الاعتبار بشكل يجعل المدرسة قادرة على تثبيت التلميذ في محيطه، بتلقينه شعور الانتماء إلى المجموعة الوطنية وروح تضامن المواطن اللذين يؤسسان التلاحم الاجتماعي؟ ولئن كان الخلاف مازال بارزا حول مكونات الهوية المغربية ومرجعيات التفكير فيها، فمن المفيد جدا، نقل هذا النقاش-رغم تعقيداته الفكرية والإيديولوجية – إلى المدرسة كي تكون شريكا أساسا في صياغة الهوية الجماعية للمغاربة والدفاع عنها، وهذا ما تحاول أن تقوم به الشبيبة المدرسية . فبالإطلاع على الكتب المدرسية والوسائل الديداكتيكية ، بصفة عامة، يلاحظ أن قضية المغربة لا تنال نصيبها إلا بالكاد حيث لا يلقن التلميذ تاريخ المغرب برمته: حقب زمنية كاملة تسقط، واكتشافات اركيولوجية تؤكد عراقة وغنى الحضارة يسكت عنها سكوتا تاما، وثقافتنا الشفهية والكتابية تتجاهل، ومفكرونا يحتلون دائما الصفوف الخلفية وراء الكتاب والمبدعين الشرقيين والغربيين، في سياق ضعف الذاكرة الذي تحميه المدرسة الوطنية. بيد أن التشبث الراسخ بالبعد الوطني، لا يمكن أن يضع الانفتاح على اللغات والثقافات الأجنبية، ولا التنوع الذي يطبع النظام العالمي، موضع تساؤل ، لأننا أصبحنا نعيش اليوم في قرية كونية تنظمها شبكات التداول المعولم. واستنادا إلى قوة هذا المعطى، تتجلى وظيفة المدرسة في توفير تربية تؤهل التلميذ ليصبح مواطنا محترما لمحيطه، وقادرا على التفاعل العقلاني مع التطورات التي يشهدها العالم، واعيا بانتمائه العضوي ومتضامنا مع الإنسانية. إن ربط المدرسة المغربية بالهوية، أمر بالغ الأهمية ، استشعرته بحنكة سياسية وفكرية الحركة الوطنية، حينما دعت إلى أن يكون مضمون التعليم ذاته وطنيا، وحينما واجهت بجرأة وبسالة – عبر "المدارس الحرة"- المخططات الاستعمارية في التعليم، ولأن رواد الحركة الوطنية وفي مقدمتهم الزعيم علال الفاسي، هم من نظروا وأصلوا للهوية المغربية، ودافعو عنها ضد محاولات الهدم التي قامت بها السوسيولوجيا الكولونيالية، فإن الملاحظة الأساس هي أنه وبالرغم من كل محاولات التجني على ذلك الإرث الوطني الكبير، فإنه يبقى خلفية إيديولوجية متماسكة لكل مقاربة راهنة لعلاقة المدرسة بالهوية.