غيب الموت، صباح اليوم الثلاثاء، الفنانة المصرية القديرة محسنة توفيق، عن عمر يناهز 80 عاماً، بعد صراع مع المرض. بعدما أثرت خلال 50 عاما من سنوات حياتها الشاشة الفضية والتليفزيون والإذاعة بنخبة من الأعمال الفنية القيّمة، والشخصيات الحيوية التي مازالت عالقة في الذهن الجمعي للشعب المصري. محسنة توفيق، لم تمارس، خلال مسارها الطويل العريض، حرفة التمثيل، بالمعنى التقليدي لمفهوم التمثيل، بل مارست النضال فوق خشبات المسارح، وعلى شاشات التلفزيونات والقاعات السينمائية، لبلدان العرب السادرة في غي الانتصار للرداءة والفجاجة، وإدارة الظهر للأسماء الوازنة الرزينة المناضلة، الأسماء التي نذرت حياتها، من أجل زرع بسمة صافية صادقة، وتكريس مفاهيم العشق الخلاق للفن الرفيع. محسنة توفيق، لم تكن تتهافت على العقود أوالإقتراب من أصحاب الجاه والمال، للحصول على أدوار لا تسمن ولاتغني من جوع المعرفة الحقة، في أفلام مصنوعة بضلال الجهل، والبحث عن اصطياد جمهور أكبر، وتكريس شعار “الجمهور عايز كده”. محسنة توفيق، أحبت المسرح والسينما بكل حق، فأحبها الناس بكل صدق، وظلوا أوفياء لصورتها البهية الطالعة من عمق التراث المصري الأصيل، والمواقف البطولية الوفية لآلاف الشهداء، الشهداء الذين اختلطت دماءهم الزكية برمل شبه جزيرة سيناء الأبية. أجادت الفقيدة التمثيل بالعربية الفصحى فبرعت في تقديم الأعمال التليفزيونية التاريخية والدينية منذ أوائل السبعينيات وحتى التسعينيات من القرن الماضي. لكن دور “بهية” في فيلم “العصفور” ليوسف شاهين يعتبر العلامة الأبرز في مشوارها، حيث باتت سمات شخصية بهية التي جسدتها باقتدار حاملة معاني الطيبة والحنان والرفق والقوة والصلادة، رمزا سينمائيا تقليديا لمصر، مدعومة بظهورها المميز في المشهد الأخير من الفيلم وهي تهتف “حنحارب حنحارب” متمردة على النكسة، على كلمات أحمد فؤاد نجم وألحان وأداء الشيخ إمام عيسى “مصر ياما يا بهية يا أم طرحة وجلابية الزمن شاب وانتي شابة هو رايح وانتي جاية”. ومع يوسف شاهين أيضا أبدعت في رائعته “إسكندرية ليه؟!” في دور والدة البطل “يحيى” الذي كان يمثل شاهين في مراهقته وبداية شبابه، فكان من نصيبها تجسيد واحدة من أصعب الشخصيات التي رسمها شاهين في مشواره الفني، حيث اتجه إلى جمع متناقضات عديدة في والدته، عبر عنها فيما بعد بقسوة في فيلمه “حدوتة مصرية”. واختتمت محسنة توفيق مشوارها مع شاهين في فيلم “الوداع يا بونابرت” عام 1985 بتجسيدها دورا كلاسيكيا أيضا هو أم البطل. ومنذ نهاية الثمانينيات شاركت محسنة توفيق في أعمال تليفزيونية متميزة وناجحة مثل “ليالي الحلمية” في دور “أنيسة” و”الوسية” في دور “عائشة” و”الصبر في الملاحات” و”وجع البعاد” و”المرسى والبحار” وغيرها.