تسود حالة من الغليان بين جل المبدعين المغاربة بسبب هضم المقرصنين والمستغلين لحقوقهم، رغم توفر ترسانة قانونية، هذا ما عكسته أغلب المداخلات خلال ندوة وطنية نظمتها “مؤسسة فكر للثقافة والتنمية والعلوم” الثلاثاء الأخير بالرباط، حول موضوع “حقوق المؤلف والحقوق المجاورة بين التشريع والتنفيذ”. وقد رام النقاش حسب منظميه، تباحث الطرائق المثلى للحد من تنامي أشكال الاعتداء، والتعبئة للتوعية بحقوق الملكية الفكرية، وبيان دورها وقيمتها في مقاومة نتائج العولمة السلبية، وتشجيع الاستثمار والإبداع وتبادل المعلومات والخبرات وفق قواعد المنظمة العالمية للملكية الفكرية. هضم للحقوق..
في هذا السياق، قال محمد الدرويش، رئيس المؤسسة المنظمة لهذه التظاهرة العلمية، إن موضوعها يكتسي أهمية بالغة نظرا لتنامي أشكال الاعتداء على حقوق المؤلفين وذوي الحقوق المجاورة، واستفحال ظواهر القرصنة والسرقة والانتحال جراءَ سوء استعمال الوسائل والمعدات التكنولوجية المتطورة. ودعا إلى تعبئة شاملة للتوعية بحماية حقوق الملكية الفكرية، وبيان دورها وقيمتها في مقاومة النتائج السلبية للعولمة، وتشجيع الاستثمار والإبداع وتبادل المعلومات والخبرات وفق قواعد المنظمة العالمية للملكية الفكري (الويبو WIPO)، وإزالة القيود والمعيقات التي تحاصر الفكر والإبداع الخلاقين وتحول دون أدائهما لوظيفتهما التنموية. وأضاف الدريوش، في كلمته خلال افتتاح أشغال الندوة برحاب المكتب الوطنية، أن المغرب يولي عناية خاصة لموضوع الملكية الفكرية لما لها من دور في تعزيز الحق الفكري والذهني للإنسان، وخلق الشروط المواتية للابتكار الأصيل والمنافسة الشريفة والتقدم المنشود.
انتهاك متفاقم..
من جهته، شدد محمد عبد النباوي، رئيس النيابة العامة، على التزام هذه النيابة الثابت بحماية حقوق المؤلفين، مشيرا إلى أن ظاهرة انتهاك حقوق المؤلفين في تتفاقم على الصعيدين الوطني والدولي، وهو ما يتطلب التعامل معها بحزم من خلال تفعيل القوانين. وقال في الكلمة التي ناب عنه فيها القاضي مراد العلمي، إن دستور المملكة وترسانة قوانينها تكفل حماية حقوق المؤلف التي لها علاقة وثيقة بحقوق الإنسان، منبها على أن مفهوم الأمن الفكري لا يقل عن الأمن في باقي المجالات، وأن التشريع المغربي واكب الدينامية الوطنية والدولية المتعلقة بحماية حقوق المؤلف بواسطة مجموعة من الإجراءات.
مساس بفنية الفن وأدبية الأدب..
بدوره نوه محمد الداهي، عن اللجنة المنظمة للحدث، في كلمة مؤسسة فكرة بدينامية الإصلاحات التي تشهدها بلادنا، مشددا على أن إشكالية انتهاك حقوق الملكية الفكرية والأدبية تمس “فنية الفن وأدبية الأدب” في أغلب الدولة وخاصة بالعالم الثالث، حيث تتسم الظاهرة بالاستفحال نظرا لاستخدام تقنيات متطورة لاستنساخ المصنفات الأصلية، ما يفرض فتح نقاش عمومي بناء يشارك فيه مختلف الفاعلين لإيجاد سبل قمينة بالقطع مع القرصنة بكل تلاوينها. واعتبر الأستاذ الباحث نفسه، أن مواجهة انتهاك حقوق المؤلف غير القابلة للتقادم، تستدعي استحداث تشريعات جديدة، وضمان تفسير موحد لتنفيذ الحماية التي تنص عليها المواثيق الدولية، ضاربا مثلا لأضرار القرصنة بما تخلفه من خسائر اقتصادية بالولايات المتحدة تبلغ 200 مليار دولار وفقدان 750 ألف منصب شغل سنويا.
جانب من حضور الندوة
قراءات لواقع القطاع
وفي كلمته بالمناسبة، قال عبد الرزاق بوطاهري، الأستاذ الباحث بالكلية متعددة التخصصات بالراشيدية، إن عدم رد الاعتبار للمبدعين والمؤلفين هو تحد لهذا الإبداع والإنتاج، وابتعاد عن كل ما له علاقة بالخلق والإبداع، وبالتالي يكون مصير هذه حضارة التي تقترف ذلك هو التلاشي والجمود، وجعل الأشخاص يعيشون في مجتمع بدون معرفة، لذا لابد من رد الاعتبار لهؤلاء المبدعين والمؤلفين. وأشار إلى أن المبدع هم مصطلح مشترك بين جميع الأشخاص سواء كانوا مؤلفين أو فنانين.. وبدوره، شدد محمد بلغوات، الأستاذ الباحث والمتخصص في مجال الإعلام والاتصال في مداخلته المعنونة ب”حقوق المؤلف بالمغرب بين التشريع والتطبيق قراءة في تجربة تفوق مائة سنة بين التشريع والممارسة”، أن هناك إشكالات كبيرة تهم هذا القطاع من المستحقات القليلة أو شبه المنعدمة إلى مجموعة من الجوانب الأخرى، مما يفرض قراءة شمولية لهذا القطاع. واعتبر أحمد العلوي، المؤلف والملحن ونقيب المهن الموسيقية، في مداخلة بعنوان “حقوق المؤلف والحقوق المجاورة بين الواقع والمنظومة القانونية”، هذا الحدث محطة هامة لم يتم تداولها من قبل بهذه الشمولية، ﻷن تاريخ الملكية الفكرية وحقوق المؤلف ليسا حديثين بالنسبة للمغرب، فهما يرجعان إلى فترة الحماية وما بعدها.. وتساءل هل يمكن إن مكتب المؤلفين خاضعا لمنظومة التدبير الجماعي؟ وكانت مداخلات بعض المعنيين شديدة اللهجة، حيث نفى عبد الحكيم فرمان، رئيس ائتلاف حقوق المؤلف أن يكون لدى المغرب نموذج لتدبير حقوق المؤلف، مطالبا بالحسم في النموذج المؤسسي والحكامة وتدبير الحقوق المجاورة. ودعا عمر الخمار، رئيس الجمعية المغربية لصناع السينما، إلى الحفاظ على كرامة الفنان قبل الحديث عن الحقوق المادية والمعنوية. بينما حذر مسعود بوحسين، رئيس النقابة الوطنية لمهنيي الفنون الدرامية، من أن خطورة الموضوع تكمن في عدم إيماننا بمساهمة الإبداع في تنمية الاقتصاد الوطني، مشيرا إلى أن القوة الحقيقية هي في القانون وليس في جهاز التدبير.
توصيات..
وعقب الجلسات، والنقاش والتدخلات من ممثلي القطاعات المختلفة، خلص المشاركون إلى إحدى عشرة توصية قرأها الداهي منها: استحداث هيئة تضم تمثيلية جميع الأطراف المعنية، إنجاز بحث حول مواطن قرصنة المصنفات، تنظيم قطاع صناعة الكتاب، محاصرة القرصنة بسن التشريعات القانونية، التمييز بين حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، إعمال قوانين المتابعة، استحداث آليات تيسر تنزيل القوانين، إنجاز مدونة تستوعب الترسانة القانونية، تنظيم ندوة وطنية تجمع المعنيين للخروج بخريطة طريق، ضرورة مأسسة القطاع.