ترى ماذا بعد انسحاب القوات الأمريكية من المدن العراقية؟ هل ستفلح حكومة نور المالكي في بسط سيطرتها ونفوذها على المناطق التي تم منها الانسحاب الأمريكي، وبالتالي وضع حد لمظاهر الفتنة والانقسام الطائفي الذي يعصف بأمن البلاد واستقراره منذ التدخل الأمريكي (مارس 2003) الذي وضع حدا لديكتاتورية صدام حسين؟ أم أن القوات العراقية ستخفق بدورها، على غرار نظيرتها الأمريكية، في إرساء أسس الأمن والسلام بالبلاد؟ لقد كان متوقعا ومنتظرا أن يأتي موقف الولاياتالمتحدةالأمريكية عبر سحب قواتها من المدن العراقية كخطوة أولية نحو انسحاب شامل وكامل من مجموع التراب العراقي المقرر سنة 2011 طبقا لما التزم به الرئيس باراك أوباما في برنامجه الانتخابي الذي تمحورت أسسه وركائزه في مجال السياسة الخارجية ضمن نقاط أخرى حول سحب القوات الأمريكية من الأراضي العراقية وفق أجندة معدة لهذا الغرض، وذلك لعدة اعتبارات، من أبرزها تصاعد وتيرة المقاومة المسلحة المدعومة خارجيا، وبالأخص من طرف إيران التي ترى في الوجود الأمريكي بالمنطقة تهديدا لها سيما أن التعزيزات الأمريكية ما فتئت تتقاطر على العراق كلما ظهرت الحاجة إلى ذلك، لما يشكله النظام الإيراني من تهديد لمصالح واشنطن عبر إجراء مُناورات عسكرية، وإطلاق الصواريخ، مع عزم سلطات طهران الأكيد مواصلة برنامجها النووي، أضف إلى ذلك تكبد القوات الأمريكية خسائر فادحة في الأرواح، فضلا عن التكلفة العالية التي يستلزمها تمويل القوات الأمريكية والتي أثقلت كاهل ميزانية الدولة في ظل أزمة مالية وانكماش اقتصادي شمل كل الاقتصاديات العالمية، ومن ضمنها الاقتصاد الأمريكي المصدر الأساسي للأزمة. كما أن العبء الذي يمثله تواجد الولاياتالمتحدة بأفغانستان، وازدياد الضغوطات الخارجية، ممثلة بالخصوص في التهديدات التي تلوح بها كوريا الشمالية بشن هجوم بالصوارخ على الأراضي الأمريكية، مع إصرار حكومة بيونغ يانغ في المضي قدما في برنامجها النووي مما يزيد في قلق واشنطن، كل ذلك زاد في تحفيز عزيمة البيت الأبيض على اتخاذ قرار من هذا القبيل ليظل التساؤل مطروحا: هل ستتمكن حكومة المالكي من ملء الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الأمريكي من المدن العراقية، ورفع التحدي المتمثل في وضع حد الأعمال المقاومة، والتخفيف من حدة النعرات والفتن الطائفية التي تعصف بأمن العراق واستقراره؟ لقد أكدت سلطات واشنطن ، قبيل سحب قواتها من المدن العراقية، أن العراق تنتظره أياماً صعبة، وأن مهمة القوات العراقية، ومن خلالها مهمة حكومة المالكي، لن تكون سهلة رغم التصريحات التي خرجت بها هذه الأخيرة والمتمثلة في قدرتها على ملء الفراغ الأمريكي، والقدرة على مواجهة جيوب المقاومة التي تظل، رغم التفاؤل الكبير الذي تحمله في ثناياها، مجرد كلام في الهواء وحدها الأيام والشهور القليلة القادمة كفيلة بتصديقه أو تكذيبه، لنجد أنفسنا أمام سؤال عريض آخر مفاده: ما الموقف الذي يمكن للولايات المتحدة اتخاذه في حال فشل القوات العراقية في مهمتها؟ هل ستقوم بتقديم الدعم اللازم لهذه الأخيرة عبر إشراك قواتها في القتال لتجد نفسها مفحمة من جديد في صراع تريد إنهاءه والخروج منه دون خسائر إضافية، والرجوع بالتالي إلى نقطة الصفر مع ما يتضمنه ذلك من إمكانية مراجعتها لموقفها إزاء الانسحاب الكامل من بلاد الرافدين المقرر له سنة 2011؟ أم أنها ستتخذ موقف المتفرج عن الأحداث ليس إلا؟ المستقبل وحده كفيل بالإجابة على كل هذه الأسئلة..