مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم لتوسعة منطقة التسريع الصناعي "طنجة طيك"    "المحكمة الدستورية تُقر قانون الإضراب وتُبدي تحفظات على ثلاث مواد    في ندوة «التمكين الاقتصادي للنساء ومساهمتهن في التنمية الاقتصادية والاجتماعية» بنيويورك .. لطيفة الشريف: تمكين المرأة اقتصاديا يرتبط بشكل كبير بوصولها إلى موارد مالية وتحسين الإطار القانوني والتشريعي    مجلس الحكومة يطلع على اتفاقين دوليين موقعين بين حكومة المغرب وحكومتي بنين وأنغولا    دوري أبطال أوروبا.. "ويفا" يدرس إجراء تعديل حول ضربات الجزاء بعد واقعة الأرجنتيني ألفاريس    الفريق الاشتراكي يسائل الحكومة بشأن إعفاءات المديرين الإقليميين للتعليم    قناع الغرب.. البروتوكولات المضللة 12- الأكاذيب الآمنة في يد السلطة    أمطار قوية من الخميس إلى السبت    تفاصيل تكاليف العصبة الاحترافية    الملك يتمنى الشفاء العاجل للبابا    مكاسب في تداولات بورصة البيضاء    سفير الصين بالمغرب يكتب: الضغوط التجارية الأحادية لا تؤدي إلى أي نتيجة    مستشار الرئيس الفلسطيني يشيد بالدعم الموصول لجلالة الملك للقضية الفلسطينية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    الحسيمة.. أمطار الخير تنعش منطقة أيت أخلال وتعزز الآمال في موسم زراعي ناجح    الهواري غباري يؤدي "صلاة الخائب"    جديد دراسات تاريخ الأقاصي المغربية: التراث النوازلي بالقصر الكبير    تأجيل محاكمة القاصر ملاك جراندو إلى 10 أبريل المقبل    أخبار الساحة    الوكالة المغربية لمكافحة المنشطات تكرم الدولي السابق محمد التيمومي    المغرب يحتل المركز السادس عربيًا وإفريقيًا في الحرية الاقتصادية لسنة 2025    لمجرّد يكشف تفاصيل عمليته الجراحية ويطمئن جمهوره    صحيفة إسبانية: المغرب فاعل رئيسي في قطاعي السيارات والطاقة المتجددة    فضل الصدقة وقيام الليل في رمضان    نشرة إنذارية.. أمطار قوية وتساقطات ثلجية وهبات رياح من الخميس إلى السبت بعدد من أقاليم المملكة    يسار يعرض "لمهيب" في مركب محمد الخامس    أزيد من 25 مليون مصل في المسجد الحرام خلال العشرة الأولى من رمضان    هذه نسبة ملء السدود الواقعة بجهة الشرق    اضطراب حركة الملاحة البحرية بين طريفة وطنجة بسبب سوء الأحوال الجوية    المغرب يواصل البحث عن "النفق السري" نحو سبتة باستخدام أجهزة استشعار وكاميرات    برنامج إعادة إعمار إقليم الحوز يحقق تقدما ملموسا    السعودية تسعى لإنشاء مختبر للكشف عن المنشطات والمحظورات في المنافسات الرياضية    مطالب للداخلية بالتحقيق في توزيع جمعية مقربة من "الأحرار" للمساعدات باستعمال ممتلكات الدولة    عدوى الحصبة تتراجع في المغرب    القمر يتحول كتلة حمراء بفعل خسوف كامل مرتقب ليل الخميس الجمعة    ماذا يحدث للجسم إذا لم يتناول الصائم وجبة السحور؟ أخصائية توضح    روسيا تستقبل مفاوضين من أمريكا    بوريطة يستقبل وزيرة خارجية إفريقيا الوسطى حاملة رسالة إلى جلالة الملك من رئيس بلادها    "حماس" ترحب بتراجع ترامب عن دعوة "تهجير سكان غزة"    أداء الشعائر الدينيّة فرض.. لكن بأية نيّة؟    توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس    الاحتراق الإبداعي..    لعيوب صناعية.. شركات في كوريا تسحب أكثر من 15 ألف سيارة    دراسة: الوجبات السريعة تؤدي إلى تسريع الشيخوخة البيولوجية    رسميًا الزمالك المصري يعلن تفعيل بند شراء محمود بنتايك    المضيق-الفنيدق: حجز أزيد من 640 كلغ من المواد الغذائية الفاسدة    بوحموش: "الدم المشروك" يعكس واقع المجتمع ببصمة مغربية خالصة    أوراق من برلين .. قصة امرأة كردية تعيش حياة مليئة بالتناقضات    الأمم المتحدة تحذر من موت الملايين من الناس جراء نضوب المساعدات الأمريكية    تعميم المنصة الرقمية زيارة على كل المؤسسات السجنية في المغرب    هذا ما صرح به الهيلالي للصحافة الإسبانية: رفضت البارصا مرتين و « سأكون أسعد شخص في العالم إذا تلقيت دعوة اللعب مع المغرب »    الفيفا … الاتحاد الذي لا يعرف الأزمات … !    الدوحة… التأكيد في اجتماع اللجنة الخماسية والمبعوث الأمريكي ويتكوف على مواصلة التشاور بشأن خطة إعادة إعمار غزة    وزارة الثقافة تفرج عن نتائج جائزة المغرب للكتاب    من الخليج إلى المحيط… المَلكيات هي الحلّ؟    دراسة: التغذية غير الصحية للحامل تزيد خطر إصابة المولود بالتوحد    أطعمة يفضل الابتعاد عنها في السحور لصيام صحي    بنكيران .. القرار الملكي لا يدخل ضمن الأمور الدينية وإنما رفع للحرج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العراق.. تسارع الانهيار
نشر في المساء يوم 23 - 08 - 2009

التفجيرات التي تستهدف أهدافا مدنية أو عسكرية ليست جديدة على العراق؛ فمنذ الاحتلال الأمريكي قبل ست سنوات، شهدت البلاد أنواعا شتى منها، ولكن سلسلة التفجيرات التي وقعت بالأمس، واستهدفت وزارات حكومية حساسة وأهدافا داخل المنطقة الخضراء وأوقعت أكثر من مائة قتيل وخمسمائة جريح، تشكل علامة فارقة وتؤسس لمرحلة جديدة ربما تكون أكثر دموية.
إنه اختراق أمني كبير يطرح العديد من علامات الاستفهام حول قدرات قوات الأمن العراقية في أداء واجباتها في حفظ الأمن، رغم الأموال الضخمة التي أنفقت، من قبل الأمريكيين والحكومة في آن، على تدريبها وتسليحها، فالأماكن المستهدفة لهذه التفجيرات تعتبر الأكثر تحصينا وحراسة في البلاد بأسرها.
الرئيس العراقي جلال الطالباني اتهم «الصداميين» وتنظيم «القاعدة» بالمسؤولية عن هذه التفجيرات، وربما يكون هناك دور لهؤلاء في هذه التفجيرات أو غيرها، ولكن من المؤكد أن حجمها وتنظيمها وتزامنها، كلها مؤشرات توحي بأن هناك جهات قد تكون من المتحالفة مع النظام هي الأكثر ترجيحا في هذا الصدد.
فالسيد نوري المالكي، رئيس الوزراء، أصيب بحالة من الثقة الزائدة في النفس بعد فوز أنصاره بالأغلبية في بعض المناطق جنوب العراق في الانتخابات البلدية الأخيرة، إلى درجة إدارة الظهر لحلفائه في الائتلاف الشيعي الذي أوصله إلى رئاسة الوزراء، والتفكير بتشكيل تحالف جديد يكون نواته حزب «الدعوة» الذي يتزعمه حاليا لخوض الانتخابات التشريعية في يناير المقبل.
ومن غير المستبعد أن يكون هذا الطلاق السياسي مع حلفاء الأمس قد تحول إلى صراع دموي جاءت التفجيرات الأخيرة أحد أبرز عناويه، لأن قوات الأمن العراقية تتكون، في غالبيتها، من عناصر كانت مجندة في الميليشيات الطائفية التابعة للائتلاف الحاكم في بغداد.
فأن تصل شاحنة مفخخة إلى مقر وزارة الخارجية الواقعة على حافة المنطقة الخضراء، وأن تستهدف تفجيرات أخرى وزارات الصحة والتعليم والمحافظة وفندق الرشيد الذي ينزل فيه كبار الزوار الأجانب، فهذا قد يعني ليس فقط انهيار قوات الأمن، وإنما تواطؤ بعض عناصرها مع بعض الجهات التي تقف خلف هذه التفجيرات.
الإنجاز الأبرز الذي حققته حكومة المالكي منذ وصولها إلى السلطة يتمثل في تحقيق بعض التقدم «المؤقت» على صعيد ضبط الأمن، خاصة في العاصمة بغداد، ولعبت القوات الأمريكية والخطط الأمنية المتبعة دورا كبيرا في هذا المضمار، ولكن الآن، وبعد انسحاب القوات الأمريكية إلى خارج المدن وإيكال المهام الأمنية إلى القوات العراقية، تبخر هذا الإنجاز بسرعة قياسية.
أعداء السيد المالكي كثر، ولكنهم تزايدوا عددا وخطورة في الفترة الأخيرة، حيث بدؤوا يوجهون إليه الضربات في الخاصرة الأمنية الموجعة لهز صورته، وإظهار ضعفه، وإيصال رسالة هامة إليه مفادها أنه لا يستطيع أن يحكم وحده، وبدون غطاء سياسي موسع عموده الفقري حلفاء الأمس.
فمن المفارقة أن الخلافات بين أهل الحكم وصلت إلى مستويات متدنية غير مسبوقة، حيث لم تقتصر فقط على تبادل الاتهامات والشتائم، خاصة بين السيد المالكي وخصمه ومنافسه السيد عادل عبد المهدي نائب رئيس الجمهورية، وإنما امتدت إلى السطو المسلح على المصارف الرسمية في البلاد. وكان لافتا اعتقال بعض أفراد حراسة السيد عبد المهدي بتهمة السطو على مصرف في وضح النهار بطريقة تذكرنا بالأفلام البوليسية الأمريكية وجرائم عصابات «المافيا».
فإذا كان أهل الحكم يسطون على البنوك، بعد أن نهبوا المال العام، وسرقوا عشرات المليارات من عوائد النفط، فماذا تبقى للعراقيين البسطاء الذين يعانون من الفقر والجوع وانعدام الأمان. وهم الذين وُعدوا بأن «العراق الجديد» سيصبح نموذجاً في الأمان والشفافية والرخاء الاقتصادي والعدالة الاجتماعية.
قوة السيد المالكي تتمثل في ضعفه، وانعدام البدائل، وفشل المشروع الأمريكي في العراق، الأمر الذي دفع حلفاءه في واشنطن ولندن إلى الإبقاء عليه والتعامل مع نهجه كأمر واقع، على أمل أن تأتي الانتخابات المقبلة بتحالفات جديدة، أو قيادات جديدة، ولكن هذا الأمل يبدو في غير مكانه.
الشعب العراقي هو الضحية الأكبر لهذا الانهيار الأمني الذي قد يرى البعض أنه بداية النهاية لما يسمى بالعراق الجديد، لكن لا يمكن التقليل من حجم الخسارة للسيد المالكي والمجموعة المحيطة به، وللقوى الداخلية والخارجية التي راهنت عليه.
لا شك أن الفشل الأمني هو الشعرة التي قصمت ظهره، وربما يجعله يراجع حساباته ويتمعن في أخطائه الكارثية، وأبرزها عدم تحقيق المصالحة الوطنية واستيعاب قوات الصحوات التي دربها ومولها الأمريكان لقتال تنظيم «القاعدة» لأسباب طائفية محضة، ولكن الوقت ربما يكون متأخراً لمثل هذه المراجعات.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هذه الأيام هو الذي يستفهم عما ستفعله الولايات المتحدة كرد على هذه التطورات الدموية الخطيرة، فهل ستعيد قواتها إلى بغداد أم ستصر على بقائها خارجها، على أمل أن يتحسن الوضع؟
إعادة القوات الأمريكية إلى بغداد لحماية المنطقة الخضراء مجددا قد تعني المزيد من الخسائر البشرية في صفوفها، في وقت تحقق فيه قواتها الأخرى في أفغانستان الفشل تلو الآخر على الصعد كافة، العسكرية والسياسية، فحامد كرزاي، رئيس أفغانستان المرشح الأبرز للفوز في انتخابات اليوم الرئاسية، غارق في الفساد هو وأشقاؤه، وحركة «طالبان» وصلت إلى كابول وقصفت القصر الرئاسي في وضح النهار.
إدارة أوباما سحبت قواتها من العراق لتقليص خسائرها البشرية (4250 قتيلاً) والمادية (13 مليار دولار شهرياً)، ومن غير المتوقع أن تعود مجدداً إلى أزقة العاصمة العراقية، خاصة في ظل الصراع الداخلي على السلطة والنفوذ بين أجنحة الائتلاف الحاكم، مما يعني أن المنطقة الخضراء قد تصبح أكثر احمراراً في الأيام المقبلة، خاصة مع قدوم شهر رمضان المبارك.
العراقيون تعرضوا إلى أكبر خديعة في التاريخ الحديث، نصفها من المحافظين الجدد ورئيسهم في واشنطن، والنصف الثاني من أبناء جلدتهم، حكام العراق الجدد.. خديعة كلفتهم أكثر من مليون شهيد، وثلاثة ملايين جريح، وجروحا طائفية من الصعب البراء منها في المستقبل المنظور.
اللافت أنهم لا يتحركون بالقدر الكافي لرفض هذا الوضع، ولا نعتقد أن قوة خارجية ستأتي لنجدتهم للخلاص من الوضع المزري الحالي، بعد أن دفع الأمريكان ثمناً باهظاً لاحتلالهم، وما زالوا يدفعون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.