نشرنا يوم 17 يونيو 2009 ضمن صفحة «المجتمع والقانون» الجزء الأول من وجهة نظر السيد محند ضرضاوي مهتم وباحث في القانون العقاري تعقيبا ومناقشة على مقال نشرناه بنفس الصفحة، تعليقا على مشروع قانون مهنة التوثيق وإحداث هيئة وطنية للموثقين، وفيما يلي تتمة الموضوع: هذه الآليات والوسائل القانونية هي التي تعطي للمحافظ تكوينا نظريا وعمليا يمارس به مهامه في تلقي مختلف العقود و دراستها قبل تقييدها بالسجلات العقارية هي التي جعلته يستفيد من الإعفاء من الامتحان والتدريب المذكور. وفي إطار تحليل الفقرة الأولى من المادة 12 المتعلقة بالإعفاء نرى بأن الامتحان والتدريب كان يمكن إقرارهما لكن سيكون الأمر مجرد تحصيل حاصل لأن من يراقب يوميا وعبر مسار زمني لايستهان به كما أشرت سابقا مختلف العقود والمستندات لاشك سيكون على إلمام ودراية بصياغة جميع أنواع العقود بعناصرها واركانها وتقنياتها وعليه وجب إعفاؤه بكل مصداقية وموضوعية وديمقراطية. وهنا أود أن أعقب على المقال الصادر بجريدة «العلم العدد 21330 صفحة « المجتمع والقانون» ليوم الأربعاء 15 أبريل 2009 بخصوص نفس الموضوع حيث أشار كاتب المقال الى أن فئة المحافظين ومفتشي الضرائب المكلفين بالتسجيل لا علاقة لهما بتحرير العقود والقول بأنهما على إلمام ومعرفة واطلاع بالعقود قول مردود عليه، واستطرد الباحث قائلا بأن هذا الإلمام متوفر لدى القاضي والمحامي والأستاذ الجامعي المهتم بمجال توثيق التصرفات العقارية. وأوضح هنا بأن إلمام المحافظ على الأملاك العقارية واطلاعه ومعرفته بالعقود لايمكن رده كما زعم الباحث لأنه نابع من مراس واحتكاك شديد بالعقود بشكل تطبيقي وعملي زيادة على التكوين القانوني النظري للمحافظ على الأملاك العقارية. كما انه نابع من مراقبته لهذه العقود وتحقيقها والتأكد منها بشتى أنواعها مع استحضار مسؤوليته الشخصية دائما، في حالة تقييد عقد لاتتوفر فيه الأركان والشروط الشكلية والجوهرية أيا كانت الجهة التي حررت هذا العقد بما في ذلك العدول والموثقون والمحامون وغيرهم. ومن جهة أخرى أوضح بأن الإلمام المتوفر حسب الباحث لدى القاضي، والمحامي والأستاذ الجامعي المهتم بالتوثيق، هذا الإلمام وحده لايكفي لصياغة وتحرير العقود لأنه قد يكون الماما ومعرفة نظرية فقط ينقصها الجانب التطبيقي ولتأكيد ذلك نجد أن قانون 18-00 المتعلق بالملكية المشتركة اشترط تحت طائلة البطلان تحرير جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية كالبيع والهبة...، وإنشاء حقوق عينية عليها كالرهن بمقتضى عقد رسمي (عدلي أو توثيقي) أو بمقتضى عقد صادر عن محامي مقبول لدى المجس الأعلى وكذلك المهنيين المقبولين لتحرير هذه العقود بمقتضى اللائحة السنوية المحددة من طرف وزير العدل، وهذا طبقا للمادة 12 من القانون المذكور، ولكن على الصعيد التطبيقي نجد نذرة العقود الصادرة عن المحامين في هذا الباب وذلك مقارنة مع العقود الرسمية في إطار هذا القانون ،ومرد ذلك راجع الى الجانب العملي والتطبيقي والاجتهاد الخاص بغض النظر عن الإلمام النظري، ويمكن التأكد من العقود الصادرة عن المحامين في إطار هذا القانون وذلك بالرجوع الى مصالح كتابة الضبط حيث يصادق المحامي محرر العقد في إطار هذا القانون على توقيعه ولاشك أننا سنجد عددها ضئيا مقارنة مع العقود الرسمية (عدلية أو توثيقية). وقد استنكر الكاتب في نهاية المقال استبعاد من يحرر العقود قاصدا أطر مديرية الأملاك المخزنية من ممارسة مهنة التوثيق كما استنكر الإبقاء على من هم على معرفة واطلاع بها فقط وهنا ناقض وعارض ماجاء في بداية مقاله بخصوص إلمام ومعرفة واطلاع الفئة المعفية السابقة المردود عليه حسب الباحث، الشيء يدل صراحة وضمنا على اعتراف الباحث باطلاع وإلمام الفئة المعفية بميدان العقود، وهو رجوع الى الحق والرجوع الى الحق فضيلة. إن المادة الثامنة من مشروع القانون الآنف الذكر تصر على عرقلة المحافظين على الأملاك العقارية لولوجهم مهنة التوثيق وذلك بشكل مقصود الشيء الذي لايتماشى مع روح القانون ومبدأ الحقوق المكتسبة بمقتضى القانون رغم خبرة ومؤهلات هذه الفئة بميدان التعاقد وأقولها بكل صراحة وبكل مسؤولية. ومن جهة أخرى فإن هذه المادة أقصت بصفة نهائية نواب المحافظين من هذا الإعفاء وهو إقصاء غير مشروع ولايستند الى أي أساس قانوني خاصة أن نائب المحافظ يعمل في نفس الإطار الذي يعمل فيه المحافظ على الأملاك العقارية، وبمجرد تعيينه يؤدي اليمين القانونية المنصوص عليها سابقا بصفته محافظا مساعدا لدى المحكمة الابتدائية ثم اليمين القانونية المنصوص عليها بصفة نائب محاسب عمومي لدى محكمة الاستئناف. وعليه فالمحافظ المساعد الحالي هو محافظ المستقبل. فلماذا هذا الإقصاء المجاني؟ وبالرجوع الى النسخة السابقة لمشروع قانون تنظيم مهنة التوثيق قبل الاخيرة نجد المادة الثامنة جاملت بعض الجهات القضائية وخطبت ودها فاعفت من المباراة فئة أولى من قدماء القضاة من الدرجة الأولى الحاصلين على الإجازة في الحقوق بعد استقالتهم أو إحالتهم على التقاعد، ثم بعد هذه الفئة قدماء المحافظين على الأملاك العقارية الحاصلين على الإجازة في الحقوق والذين زاولوا مهامهم بهذه الصفة لمدة عشر سنوات على الأقل (بدلا من خمسة في المشروع الأخير) بعد قبول استقالتهم أو إحالتهم على التقاعد، في حين أن هذا المشروع السابق لم يتحدث عن مفتشي إدارة الضرائب المكلفين بالتسجيل نهائيا ولا على المحافظين المساعدين فسلبهم حقوقهم بدون وجه حق. ولم يتكلم المشروع الأخير عن قدماء القضاة ونواب المحافظين وتبني إعفاء المحافظين على الأملاك العقارية الذين زاولوا مهامهم بهذه الصفة لمدة خمس سنوات، ومفتشي إدارة الضرائب المكلفين بالتسجيل الحاصلين على الإجازة في الحقوق والذين زاولوا مهامهم بهذه الصفة مدة لا تقل عن عشرة سنوات. من خلال قراءة بسيطة لهذه المادة للمشروع السابق الراجع لسنة 2000 على ما أظن والمشروع الحالي يتضح أن هناك نوعا من التدبدب والارتجال فتارة نجد محاباة مجانية لفئة معينة واشتراط عشر سنوات ثم خمس سنوات من المزاولة الفعلية لمهنة محافظ على الأملاك العقارية وكأننا في حرب باردة ونعيش في قبائل مهنية هاجسها هو الخوف من المنافسة الشريفة والمشروعة ومحاولة إقصاء الآخر. فبأي حق يسلب حق المحافظ على الأملاك العقارية في ممارسة مهنة التوثيق باشتراط مدة خمس سنوات بدلا من سنتين؟ وبأي حق يخضع المحافظ لاجتياز الاختبار لولوج هذه المهنة بعدما كان معفيا منه جملة وتفصيلا. وهنا أود الرجوع الى الفخ المنصوب في المادة الثامنة من مشروع القانون الذي طلع علينا بردا وسلاما بالإعفاء من المباراة في البداية لينتهي بضرورة اجتياز اختبار ويا له من اختبار تحدد كيفيته بنص تنظيمي وهذا هو بيت القصيد ومربط الفرس. وقد كان من أولى أن تبتدئ هذه المادة من آخرها حيث تنص على ضرورة اجتياز الاختبار أولا بعد توفر خمس سنوات على الأقل بصفة محافظ ليتم الإعفاء من المباراة وهكذا يكون الأمر واضحا منذ البداية.. فماذا سيكون مصير المحافظين المعفيين من المباراة ومن في حكمهم حسب هذه المادة في حالة عدم اجتيازهم للاختبار المذكور؟ لاشك أنهم سيعودون أدراج الرياح وتصبح مكتسباتهم السابقة في مهب الريح وهذا إجحاف في حقهم لاتترسخ به الحقوق ولا ترمم به القوانين في دولة الحق والقانون. وبتنصيص المادة المذكورة على أن هذا الاختبار ستحدد كيفيته بنص تنظيمي أو كما جاء في المشروع السابق بمقتضى قرار لوزير العدل بهذا الإجراء تصبح القضية أدهى وأمر الى غاية صدور هذا النص التنظيمي الذي قد لا يصدر إلا بعد مرور سنين وأعوام، مما سيجعل الوضعية على ما هي عليه ومعلقة بصدور القرار. فالباحثون ودارسوا القانون يعرفون معنى صدور هذه القرارات وكم تأخذ من الوقت. وأشير باختصار شديد الى مثل هذه الحالات الواردة في ظهير خطة العدالة وقانون رقم 18.00 المتعلق بالملكية المشتركة (الفصل12 ) وخصوصا اللائحة السنوية لأسماء المهنيين المقبولين لتحرير العقود المحددة من طرف وزير العدل التي لم تصدر بعد رغم دخول هذا القانون حيز لتطبيق منذ 3 نونبر 2003. كما أن هذا المشروع يتضمن عدة نقط تتوقف على نص تنظيمي الشيء الذي سيجعل تواتر وصياغة هذه النصوص التنظيمية صعبا ومتتاليا، ومثال ذلك. المادة 6 من المشروع نصت على إحداث وتسيير معهد تكوين المهني للتوثيق سيتم بنص تنظيمي. الفصل 8 من المشروع نص على أن اجتياز الاختبار النهائي للمحافظين ومن في حكمهم سيتم بنص تنظيمي. الفصل 15 من المشروع نص على أن تحديد مبلغ الأتعاب وطريقة استفاءها سيتم بنص تنظيم. الفصل 21 من المشروع نص على أن شروط الانتقال الموثق تحدد بنص تنظيمي. الفصل 51 من المشروع في فقرته الأولى نص على أن الموثق يمسك سجلا للتحصين يحدد شكله بقرار لوزير العدل.. وفي الفقرة الأخيرة يمسك الموثق سجلا للوصايا يحدد شكله ومضمونه بقرار لوزير العدل. الفصل 79 من المشروع نص على أنه تسجل جميع الشكايات الواردة على المجلس الوطني للموثقين في سجل خاص يحدد شكله ومضمونه وطريقة مسكه بقرار لوزير العدل. إنها حوالي أكثر من ست مرات يرد فيها التحديد بنص تنظيمي أو قرار لوزير العدل الشيء الذي سيؤثر لا محالة سلبا على مشروع القانون حتى بعد صدوره على هذا الشكل. في ظل هذه المعطيات أرى بأن فئة المحافظين على الأملاك العقارية ليست في حاجة الى مباراة للأسباب السالفة الذكر ولأن هذه الفئة هي التي تراقب وتدرس دراسة قانونية العقود الصادرة عن الموثقين فتقيد وتقبل ماهو قليل للتقييد بالرسوم العقارية وما نقص فيه ركن من أركان العقد وما نقص وخالف معطيات ومندرجات الرسم العقاري الذي يعتبر نهائيا وغير قابل للطعن بمقتضى القانون العقاري، هذا الرفض الذي يكون معللا تعليلا قانونيا يكون قابلا للطعن أمام السلطة الرئاسية التي هي مؤسسة المحافظ العام أو أمام القضاء إن اقتضى الحال، وهذا الرفض المعلل يمكن على إثره إعداد عقد ملحق بحضور الأطراف أمام الموثق لاستدراك ومعالجة الخطأ الوارد بالعقد الأصلي وبالتالي تقديمه من جديد للدراسة والمراقبة لدى المحافظ على الأملاك العقارية ثم قبوله بعد تسويته. وإذا كانت جهة أو فئة ما ترى من خلال هذا المشروع إخضاع المحافظين على الملكية العقارية للاختبار فإن هذه الجهة أو الفئة يجب أن تكون لها قناعة بالحقوق المكتسبة وأن تكون ديمقراطية مع نفسها ولا تهضم حقوق الغير ولا تدوس عليها لأجل مصالحها الذاتية وهنا تبدأ الخلفيات والحسابات الضيقة التي لاتجدي ولا يمكن أن تساهم في تنظيم وإصلاح مهنة التوثيق التي ترتبط وتتجانس نسبيا مع مهنة ووظيفة المحافظ على الأملاك العقارية كما أسلفت سابقا. وفي نهاية المطاف فالمحافظ على الأملاك العقارية حينما يلتحق بمهنة التوثيق فهو يمارس حقه المشروع ولا ينبغي لأي كان أن يتضايق من هذا الاختيار، وبالتالي فهو يؤدي واجبا مهنيا وطنيا يخدم جانبا من الجوانب التي تساهم في استقرار المعاملات وحفظ الأموال وحد النزاعات لفائدة الوطن والمواطنين. كما أنه يشكل قيمة مضافة في صفوف المهنيين السابقين بخبرته وتجربته وأمانته وسلوكه.