بعد رحيل المخرج السينمائي الكبير يوسف شاهين (1926 2008) ترك العديد من الأفلام السينمائية والكثير من المحاورات والمقالات التي خلدت حياته، وعن طريقها عرفنا كيف ينظر إلى العالم من زاوية نظره، ومن هذا المنطلق استقينا هذا الحوار الذي قدم كدرس في السينما بمهرجان «كان» والمأخوذ عن كتاب دروس في السينما الذي صدر مؤخرا ومن تنشيط أليفر سيكورت. لماذا اخترت مبكرا في حياتك السينما وما الذي كنت تود قوله؟ ربما هذا الاختبار جاء نتيجة حبي للسينما، وبصراحة لا يمكن أن تحبها فقط لكونك ستشتغل بها، المطلوب أن تحب بعمق وهذا يتطلب منك الكثير من الوقت والجهد، لأن عشق الصورة ليس سهلا، لكن الأهم هو هذا الفيض من الأحاسيس والتي تصبح اللغة الوحيدة التي تقودك إلى ما تريد، وهذه أول قاعدة يمكن أن أقدمها بعد العديد من التجارب، لماذا أردت أن أصبح سينمائيا لأنني كنت أود أن أقول أشياء كثيرة في المجالين السياسي والاجتماعي. تصور أنني عندما كنت في سن 18 ، لم أكن وسيما كما هو عليه الآن، كان أنفي ذلقا وأذناي مثل شراع المركب.. ومع ذلك كانت لي مسحة من الجمال، فهو ليس جمال صقلي أو بريطاني. إنه جمال عربي يوناني، وبالتالي كنت أجسد ذلك التنوع الموجود في الإسكندرية، وأتكلم بلغة الآخر، لأن الآخر موجود، فهو خليط من الأجناس ، فهناك المسلمون والمسيحيون واليهود، وفيما بيننا كنا نشعر بالأمان، الآن كل كل شيء تغير، وفي القاهرة نصحوني في تنقلاتي أن يرافقني حارسين شخصيين مسلحين، بمعنى أن أسجن نفسي بنفسي، سجن متحرك، كنت آنذاك أحبذ مقولة الفيلسوف العربي الأندلسي «ابن رشد» «أتمنى أن أموت في سريري محاط بنساء يبكين، عوض أن أقتل في الشارع في يوم مجنون» هكذا كنت أفكر في تلك اللحظة لكني الآن طردت الحارسين ولقد تحملتهما لأسبوع واحد لا غير، بل أكثر من هذا أعيش في حي أكثر خطورة من المدينة لأني فقط وجدت الضمان الحقيقي للأمان هو أن تكون مثل الآخرين والأمان الحقيقي هو حب الآخر، وتواجدي بالحي الشعبي، هو إحساسي بالأمان، وأني محمي من الناس، من الأفراد الذين يحيطون بي ويبتمسون لي، وحتى عندما أهم بالتصوير في هذه الأحياء فهم يعرفون أني أحتلها مؤقتا ومع ذلك يبقى تعاملهم معي جيدا وحتى الإسلاميين من وجهة نظر مختلفة، المهم هو أن أفهم المشاكل الحقيقية لهؤلاء الناس، وأعرفها عن قرب، هذا لا يعني أنني سأغير العالم، لكنني مجرد سينمائي، والذي أستطيع تغييره، هوأن أبدأ من هذا الحي الصغير، وإذا لم يتوفر الحب والاحترام لهذه الشريحة من الناس، فلن تحصل أبدا على الأمان. لماذا الممثل هو أساس عملك الفني؟ في بلاطو التصوير نشتغل يوميا مع الممثلين والتقنيين والمنتجين والموزعين لأفلامي وأيضا مع مدير التصوير ، وإن كان هناك مردود جيد فهو بفضل الطاقم كله، تجمعهم علاقة حبهم للمهنة، وعندما نحب نعطي وبسخاء، وهذا يعني وجود الثقة، وإن لم تكن هناك ثقة مثلا بيني وبين مدير التصوير، سنفقد روح العمل، وسيذهب مجهود الفنيين والتقنيين في الإضاءة والصوت والديكور، وغالبا يكون العمل فاشلا والأمان لن يكون مضمونا. وعطاء الممثل مهم في التصوير وإن كان ناقصا فهو إحساس الممثل بعدم الحماية، وهو شكل من أشكال فقدان الثقة، فهم يحتاجون بالضرورة الى الحب لكي يعطوا كل ما لديهم، والمخرج هو أول المتفرجين، وأول من يرى ما قدمه الممثل ولكونك تحب فأنت تطالب المزيد، وبهذا المنحى فأنت تطالبه بالكثير وتورطه بالكامل في الوصول الى الثقة بنفسه لأجل هذا أعيد تصوير اللقطة 17 مرة، رغم الميزانية ترتفع قليلا، إلا أنه لا يمكن ترك الممثل ضائعا في البلاطو، لأن الكاميرا تمر بقربهم، والكل يمر بالقرب من الآخر نكون في تلك اللحظة عبيدا للقطة السينمائية.