في الستينيات من القرن الماضي ظهرت كتابات لبعض المختصين في العلوم الاجتماعية حول دور النفط في تسريع عملية التنمية الاقتصادية، وهناك من وضع السؤال على سبيل الاستقراء هل النفط نعمة؟ أو نقمة؟ وبعيدا عن السجع اللغوي فإن مراجعة ما حدث حتى الآن بعد ظهور النفط بصورة كبيرة في دولنا العربية هو أمر يفرضه واقع الأوضاع الراهنة في العالم العربي خاصة فيما يسمي الأقطار العربية المنتجة والمصدرة للنفط، كذلك التطلع إلى المستقبل القريب والذي بدأت ملامحه تظهر لمن يراقب أو بمعنى آخر لمن يريد أن يراقب ويستطلع. الأقطار العربية المنتجة للنفط تقوم بإنتاج حوالي 22 مليون برميل يوميا من النفط أو ما يعادل 27 بالمئة من الإنتاج العالمي، ولكن تأثيرها أكبر في التجارة الدولية للنفط إذ تصل إلى حوالي 40 بالمئة، كذلك فإن الاحتياطيات النفطية في تلك الأقطار تقدر بحوالي 65 بالمئة من إجمالي الاحتياطيات النفطية في العالم. إن غالبية تلك الأقطار تنتج وتصدر النفط لفترات تقارب من نصف قرن، فهل نستطيع القول إن تلك الدول أصبحت الآن من الأقطار المتقدمة- أو كما تسمى دول العالم الأول؟ الوضع غريب ومتناقض إلى حد بعيد، فإذا ما تمعنا في الأرقام التي تدل على معدل دخل الفرد- أو نصيبه من الدخل القومي أو الناتج القومي- في تلك الأقطار فإنما نلاحظ أنه يتصف بالارتفاع والذي يتساوى أو يتجاوز بعض الدول المتقدمة، ولكن إذا ما تم فحص ودراسة البنية الاقتصادية لتلك الدول بما فيها من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية للتقدم فإنها تبقى في مجموعة الدول المتخلفة، إذ أن غالبيتها تعاني ضعف البنية الأساسية، انخفاض الإنتاجية في القطاعات غير النفطية، تردي الخدمات التعليمية خاصة من الناحية النوعية، الاعتماد على الاستيراد للحاجات الاستهلاكية والرأسمالية، إلى آخر أمراض الدول المتخلفة. السؤال المطروح إذن، ماذا فعلنا بالنفط؟ أو بمعنى آخر ماذا فعل النفط بنا؟؟ ولن نحاول أن نرسم صورة زاهية للترويج أو الترويح على النفس، كذلك لن نقدم صورة كلها قاتمة على سبيل التشفي وجلد الذات، ولعل التطرق إلى الموضوع يحتاج إلى مشاركات عديدة من الذين يحملون هموم هذه المنطقة؛ ولا نقول من المهتمين والمتخصصين، ولعلنا جميعا في أمس الحاجة إلى الموضوعية حتى نصل إلى التشخيص السليم ومن ثم إلى اختيار العلاج الملائم