رغم الظروف المزرية التي قدم فيها فيلم «وليلي« بالمسرح الوطني محمد الخامس «صوتا وصورة« في أول عرض له بالمغرب في افتتاح مهرجان الرباط الدولي لسينما المؤلف في دورته الثانية والعشرين «22 سنة من عمر المهرجان راكم من الخبرة والتجربة ما يكفي لا حسرة « ومازالت المشاكل هي نفسها في كل دورة) عدم توفر شروط العرض الجيدة – سوء التنظيم – عدم احترام توقيت عروض الأفلام، إلا أن فوزي بنسعيدي استطاع أن يدهشنا دائما كما في أعماله السابقة « ألف شهر، يا له من عالم رائع، موت للبيع، في جديده «وليلي« استطاع أن يدخلنا إلى عوالمه الشاعرية الزخمة، و ويفتح نافذة على واقعنا الاجتماعي الأكثر بؤسا وفظاعة وبالكثير من الحيادية، لنطل منها على مجتمع تنخره الفوارق الطبقية وتزداد الهوة شساعة بين الطبقات الفقيرة والغنية فداحة. فيلم «وليلي« يرصد بمكبر مجهري ظروف عيش عائلتين، واحدة فقيرة تتكون من الشاب «عبد القادر« الحديث الزواج يعمل حارس أمن في شركة خاصة بمركز تجاري، يعيش رفقة إخوته الصغار بين أم تحاول تدبير أمور البيت رغم قلة اليد و أب سكير في حي شعبي «قصديري«، ورغم زواجه وعمله الصعب لم يستطع تأمين منزل خاص به يلتئم مع زوجته « مليكة « التي تشتغل هي الأخرى خادمة في البيوت لعائلة برجوازية. رغم الحياة الصعبة للشابين وحرمانهما من اللحظات الخاصة، حيث ينامان في غرفة واحدة عند أهل الزوج غير قادرين على ممارسة العلاقة الحميمة بسبب وجود الإخوة الصغار في الغرفة ذاتها، وتارة تنام هي بمفردها عند والدتها، إلا أنهما يحاولان تقاسم الحب بأشياء بسيطة وغاية في الرومانسية، خلقت لحظات لذيذة ومدهشة في أماكن عامة كالمقهى أو في الحديقة. تتطور أحداث الفيلم عندما يحاول «عبد القادر« تنظيم الصف الطويل من الناس في المركز التجاري، فتحاول امرأة « منى فتو « من عائلة ثرية تجاوز الصف بقوة وبعنجهية مبالغ فيها، ولأن عبد القادر محب لعملة ويقدس مهنته والزي الذي يلبسه، منع السيدة من المرور بنفس القوة، واستطاع أن يدحرها ويخرجها، فما كان منها إلا أن استعانت بزوجها « فوزي بنسعيدي « الذي أمر حراسه باختطافه وتعذيبه وتصويره وهو يصفع بشكل هستيري. تنقلب حياة «عبد القادر« رأسا على عقب بعدما تم طرده من عمله والدوس على كرامته، فلم يعد الحب أكثر من عقبة أخرى في طريقه، تتبدل نظرته إلى زوجته بانتقاد ملابسها وطريقة تعاملها، بل يتحول إلى شخص عدواني ينتقم من الأثرياء رفقة صديقه. يزداد عذاب « عبد القادر « عندما يرى أمه تتسول في الحافلة، وتخلي عنه زوجته من تصرفاته التي لم تعرف أسبابها، فيلجأ إلى مراقبة زوج المرأة الثرية ويتبعه إلى بيته الزجاجي الفخم، لنتعرف على هذه العائلة الغنية و الفاحشة الثراء، تتعامل مع أصحاب النفوذ ذوي السلطة والسطوة في ظل عولمة رأس المال المتوحش، وإبراز مدى العلاقات الغير السوية مع أصحاب المال والجاه، الفيلم لا يتوقف بالتعريف بالفوارق الطبقية، لكنه يربطها برغبات التملك لدى الطرفين، والتشبث بالسلطة أو التمسح بأذيالها. صدفة ترى زوجة «عبد القادر « في حفل بالبيت الذي تشتغل فيه ، بمناسبة طلاق صاحبة البيت «رحيل « ورأس السنة ، فيديو فيه زوجها وهو يصفع ، وضيوف الحفل يتناوبون على مشاهدة الفيديو ، و يضحكون بشكل سادي على العنف الممارس عليه و يطالبون بمحوه من الوجود لأنه تجرأ على سيدته ، وكأن مخرج الفيلم يقول « هذه الجماعة التي تتحكم في كل شيء وتنتهك القانون مستبدة وسادية « . تلتقي « مليكة « بزوجها عبد القادر وتطالبه بمسامحتها والرحيل « لأن الوطن لا يتسع للجميع « ، وطن فقط لأصحاب المال والنفوذ رغم تهميشهم من طرف الكاميرا والابتعاد عنهم بمسافة كبيرة « مراقبة الفيلا من بعيد، عدم الاقتراب كثيرا من الزوجة «منى فتو « أو المرأة المطلقة «رحيل« أو الجمع في الحفل، بينما تلتصق بالشخوص الكادحة ونلمس زفراتهم وعرقهم وألمهم، تقترب منهم للمواساة أحيانا و للتضامن أحيانا أخرى. رغم الفشل أمام مواجهة ديناصورات المال والسلطة، لم يستطع «عبد القادر« الهروب بهذه السهولة، أراد شيئا يشفي غليله ويستعيد به كرامته و يهدئ من ألمه الدفين، ليتسلل إلى الفيلا الزجاجية وسرقة المال قبل الرحيل تزامنا مع احتفال أصحاب البيت برأس السنة، تنطلق الشهب في السماء احتفالا واحتفاء بالتوازن النفسي لعبد القادر الذي عبث بأشياء المنزل، تنطلق الشهب مرة أخرى ممزوجة برصاص حراس الأمن، تخترق جسده وتسيل الدماء، فتتعثر الخطوات نحو الأمام في الطريق الطويل والمظلم، وكأن المواجهة لم تبدأ بعد، وأن الحقد الطبقي لانهاية له.