مجلس الحكومة يستعد لتدارس بروتوكول تعديل اتفاقية تهم الجرائم المرتكبة على متن الطائرات    بنكيران يقول في رسالة مفتوحة إلى الرئيس الفرنسي: "حماس" حركة تحرر تقاتل ضد البربرية الإسرائيلية    ريال بيتيس يمدد عقد عبد الصمد الزلزولي حتى عام 2029    51 قتيلا بفيضانات في منطقة فالنسيا الإسبانية    تزوير أوراق نقدية يُودِع متورطيْن خلف القضبان بطنجة        عمال منجم "بوزار" لإنتاج الكوبالت يضربون احتجاجا على حرمانهم من أجورهم    مباراة فالنسيا ضد ريال مدريد مُهددة بالتأجيل بسبب عاصفة "دانا"    أسعار الذهب ترتفع لأعلى مستوى في ظل مخاوف تتعلق بالانتخابات الأمريكية    خلال أكتوبر الجاري.. مقتل 80 إسرائيليا بينهم 64 من الجيش والشرطة    مغاربة يحتجون تنديدا بموقف ماكرون من المقاومة ويجددون استنكارهم للمجازر الصهيونية    دراسة: اكتشاف جينات جديدة ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان    فرنسا تعزز الحضور القنصلي بالصحراء    أشرف حكيمي يحضر لمأدبة عشاء أقامها الملك محمد السادس بالرباط على شرف الرئيس الفرنسي ماكرون    في رسالة للسيد فوزي لقجع : طلب التدخل العاجل لتصحيح وضع الإعلام الرياضي …    الصين تعارض قرار الاتحاد الأوروبي فرض رسوم جمركية إضافية على مركباتها الكهربائية    الصين تطلق مهمة فضائية جديدة تضم رائدة فضاء ضمن الفريق    عاصفة دانا تقتل 51 شخصا في فالنسيا الإسبانية (صور)    27 قتيلا و2752 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    تساقطات ثلجية كثيفة تتسبب في وفاة عشريني بإقليم بني ملال    هزة أرضية خفيفة تضرب نواحي تارجيست    مقترح بهدنة "لأقل من شهر" في غزة    وفاة الفنان المصري مصطفى فهمي    المحامية بالجديدة سامية مرخوص تنال شهادة الدكتوراه في القانون باللغة الفرنسية بميزة مشرف جدا        ثمانية ملايين مصاب بالسل في أعلى عدد منذ بدء الرصد العالمي    الافلاس يهدد 40 الف شركة صغيرة ومتويطة بحلول نهاية 2024        سمعة المغرب في العالم سنة 2024: فجوة 16 نقطة بين السمعة الداخلية والسمعة الخارجية    وزير التجهيز والماء يعلن إطلاق الشطر الأول من مشاريع توسعة ميناء العيون    ماكرون: "الاستثمارات العمومية الفرنسية ستستمر بالمغرب بما يشمل الصحراء"    جلالة الملك يقيم مأدبة عشاء رسمية على شرف الرئيس الفرنسي وحرمه    كأس ألمانيا.. ليفركوزن يتأهل لثمن النهاية        وفد برلماني أسترالي يشيد بالدينامية التنموية بجهة العيون-الساقية الحمراء    اليماني يدعو الحكومة إلى اتخاذ خطوات فعالة لحماية القدرة الشرائية للمواطنين    الأمم المتحدة: الحرب الأهلية في السودان تؤدي إلى "مستويات مهولة" من العنف الجنسي    المسرح الملكي في الرباط.. نقطة انطلاق جديدة للثقافة والفنون المغربية    أزيد من 50 قتيلاً وعشرات العالقين على إثر فياضانات اجتاحت إسبانيا    فصيل "ألتراس" أولمبيك أسفي "شارك" يُنظم وقفة احتجاجية ويُحمّل رئيس النادي الحيداوي مسؤولية النتائج السلبية    طقس الأربعاء: نزول أمطار قوية وثلوج مع استمرار الأجواء الباردة    وفاة الفنان مصطفى فهمي عن عمر يناهز 82 عامًا بعد صراع مع المرض    الإعلان عن تنظيم جائزة طنجة الكبرى للشعراء الشباب ضمن فعاليات الدورة ال12 لمهرجان طنجة الدولي للشعر    فرنسا والمغرب يعملان من أجل شراكة اقتصادية جديدة مع التصدي لتغير المناخ (وزيرة فرنسية)    المغرب-فرنسا.. التوقيع على بروتوكول اتفاق يتعلق بإحداث شراكة استراتيجية في مجال تحلية مياه البحر    بوصوف: الذاكرة المشتركة تمنح أرضية صلبة للعلاقات المغربية الفرنسية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    بأمر من الملك.. الأميرة للالة حسناء وزوجة ماكرون تدشنان المسرح الملكي بالرباط    اقتناص رودري للكرة الذهبية من فنيسيوس يثير ضوضاء في الوسط الكروي وزيدان يشكك في مصداقية الجائزة    الركراكي يكشف مصير زياش مع الأسود    وفاة الفنان المصري حسن يوسف    ماذا سيحدث لجسمك إذا مارست تمرين القرفصاء 100 مرة يومياً؟    إطلاق حملة لاستدراك تلقيح الأطفال    الكوليرا تودي بحياة أكثر من 100 شخص في تنزانيا خلال 10 أشهر    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدوحة ومسؤولة الأزمة.. أكاديميون وباحثون: المشكلة ليست مع قطر إنما هي في قطر
نشر في العلم يوم 29 - 09 - 2017

لم تكن ورشة العمل بعنوان "السياسات المنفردة: تقييم المخاطر السياسية للطموحات القطرية"، التي نظمها مركز الإمارات للسياسات حدثا روتينيا عاديا من ضمن أجندات المركز وفعالياته. ضمّت المناسبة يوم الاثنين الماضي في أبوظبي مجموعة من النخب الخليجية والعربية والأجنبية في مجالات البحث والسياسة والصحافة، إضافة إلى حضور سفراء عرب وأجانب كانوا تواقين للاطلاع على مضامين جدل استعر وبات متصاعدا منذ أن أعلنت السعودية ومصر والإمارات والبحرين في 5 يونيو الماضي عن الإجراءات التي اتخذتها لمقاطعة قطر.
ولئن توقع المراقب نقاشا يشبه ذلك الذي تقدمه فضائيات الدول المقاطعة، طالما أن الورشة تعقد في أبوظبي، بشأن الأسباب الموجبة لقرار المقاطعة وعرض السلوكيات المعادية التي ارتكبتها الدوحة بحق هذه الدول، فإن المفاجأة ظهرت في قدرة المركز المنظّم للحدث، تحت إدارة د. ابتسام الكتبي، على تجاوز الخطاب الرسمي وسقوفه وسبر أغوار نقاش حقيقي يهدف إلى طرح تساؤلات حول إدارة هذه الأزمة من قبل الدول المقاطعة كما التفكير معا في استشراف المآلات المتوقعة لأكبر أزمة يشهدها مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه.
تراكم أزمات
إذا كان هناك إجماع كامل على تحميل قطر مسؤولية الأزمة الحالية وما يمكن أن يتداعى على مستقبل البيت الخليجي، وإذا كان هناك إجماع على دور قطر المتراكم خلال أكثر من عقدين في نشر الضرر ضد كافة دول مجلس التعاون الخليجي، فإن تباينات واضحة هي أشبه بتفكير بصوت عال، ظهرت في شأن الكيفية التي قاربت بها دول المقاطعة الأمر والتي ستكمل من خلالها سياق المواجهة اليومية مع الدوحة.
"المشكلة ليست مع قطر، المشكلة في قطر"، هكذا لخّصت ابتسام الكتبي فلسفة الأزمة. ترى رئيسة مركز الإمارات للسياسات أن الدوحة "أقامت دورها على كل ما يخالف مبادئ مجلس التعاون الخليجي"، وأن رؤية الإمارات للأزمة هي أنها ليست وليدة الحاضر وليست نتيجة لقمم الرياض مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بل هي نتيجة تراكم لم تعد المنطقة تستطيع السكوت عنه. والمسألة في رأيها هي معادلة واضحة "الإمارات تدعم الاعتدال والحداثة والدوحة تدعم التطرف والانغلاق".
وعرض الكاتب والصحافي السعودي عبدالرحمن الراشد للمنهجية القطرية التي اعتمدت لإلحاق الضرر بالمملكة العربية السعودية. ويقول الراشد إن قطر سلكت سياسات مختلفة متعارضة دائما مع الإجماع الخليجي وأن الدوحة في تعاملها مع حزب الله أو جماعات الإسلام السياسي أو إيران أو حتى مع نظام بشار الأسد قبل عام 2011، كان هدفها دائما الإضرار بمصالح السعودية.
ويرى الراشد أن "الأزمة لا تعبر عن خلاف سياسي أو اختلاف في وجهات النظر بل هي مسألة وجود". هكذا باتت دول المقاطعة تقارب الأمر، وهي تبدو في ذلك ماضية إلى أقصى الحدود للانتهاء من الظاهرة النافرة للسلوك القطري. ويستغرب الراشد الجهود التي بذلتها الدوحة لاستمالة وتمويل معارضين سعوديين ورعاية أي معارضين فيما لم تسلك دول الخليج سلوكا مشابها ضد الدوحة.
ويلتقط الباحث السعودي سالم اليامي مسألة التناقض المنهجي بين الرياض والدوحة ليذكر بثوابت السعودية من حيث "عدم المساس بالأشقاء" والاستناد إلى سياسة عمادها "الهدوء والرصانة والجدية". ويضيف اليامي أن المجالات الثلاثة، الوطني ثم الخليجي ثم العربي، هي عناصر أساسية لصناعة السياسة، وأن قطر بالمقابل عملت خلال العقدين الأخيرين على انتهاج سياسات مهددة للأمن الاستراتيجي العام، لافتا إلى أن "تهديد أمن الخليج بات، بسبب الدوحة، من داخل الدائرة الخليجية".
وأسهب الباحث البحريني يوسف البنخليل في عرض الضرر الذي بدأته الدوحة ضد دول الخليج منذ انقلاب عام 1995 وبات واضحا منذ تأسيس قناة الجزيرة عام 1996، مستهجنا ومؤكدا أنه "لا يجب أن تتحول الدول الصغرى إلى قوى إقليمية كبرى". وأشار البنخليل إلى أن الأجندة القطرية في البحرين "كان مسكوتا عنها، ولطالما كان كثيرون يطالبون العاهل البحريني بكشف دور الدوحة" ضد بلاده.
وتروي الباحثة المصرية د. إيمان حسن السلوك المنهجي الذي اعتمدته الدوحة ضد القاهرة منذ عهد الرئيس حسني مبارك إلى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي. وتسرد الباحثة المصرية بصراحة وشفافية مجموعة المحددات الاقتصادية والداخلية والإقليمية والدولية التي عرقلت وتعرقل ممارسة ضغوط مصرية صارمة على قطر.
وأضافت في مداخلتها، أن الموقف الأمريكي في عهد الرئيس السابق باراك أوباما عمل على حماية نظام الدوحة من الغضب المصري وأن مؤسسات أميركية عملت على تبرئة قطر، خصوصا في ظل مناخ سابق أراد رعاية الإسلام السياسي في المنطقة، وأن هذه المؤسسات ما زالت فاعلة حتى الآن لإرباك موقف موحد لإدارة الرئيس دونالد ترامب من إستراتيجية التعامل مع الحالة القطرية. ولفتت إيمان حسن إلى إستراتيجية تستخدمها قطر تسعى من خلالها إلى تحييد الموقف السعودي وتمييزه عن موقف الإمارات من الأزمة الراهنة مع قطر، وهي إستراتيجية لم تؤت أكلها، حسب مراقبين، بما أعاد تصويب الهجمات القطرية ضد الرياض.
الوساطة الكويتية
كان لا بد للنقاش أن يتناول مسألة الدور الكويتي. داخل ورشة العمل خرجت أصوات كويتية تفند أي ملاحظات يُشتقّ منها لوم للموقف الكويتي المحايد من الأزمة. كتبت بعض الأقلام الخليجية حول الأمر وهو ما أثار جدلا من داخل الكويت وخارجها، يدور حول ما إذا كان الحياد الكويتي مطلوبا من أجل إنجاح الوساطة أو أن الحياد نفسه يغري قطر بالتعنت وتعتبره انحيازا مبطنا لموقفها.
تحدث أمير الكويت أثناء زيارته الأخيرة إلى واشنطن عن الأذى الذي سبببته قطر للكويت والذي انتهى بالحوار. فالكويت متمسكة بمبادرات الصلح التي يعتبرها الباحث الكويتي د. ظافر العجمي "جزءا من تاريخ الكويت"، وأن الكويت دائما في المنتصف "لأن الجميع خليجيا ودوليا يثق بها". ويرى أن الكويت في هذه الأزمة تتحمل "المنغصات لأنها قررت الحياد"، وأن تمسك أطراف النزاع الحالي بمواقفهم وآرائهم هو ما يقيد الوساطة الكويتية. مقابل وسطية العجمي يذهب الباحث الكويتي مشعل النامي إلى أن "المشكلة ليست في السياسات المنفردة" (كما هو عنوان ورشة العمل)، مشيرا إلى حالتي عمان والكويت اللتين تنتهجان سياسات مختلفة، معتبرا أن "المشكلة هي في السياسة العدائية لقطر"، متهما الدوحة بالتواصل مع الإسلام السياسي، لا سيما الإخوان المسلمين، منذ عهد بيل كلينتون في البيت الأبيض.
ورفض النامي ما أشير إليه من أن قطر تزعم التراجع عن مواقفها كما فعلت عامي 2013 و2014 لامتصاص غضب الغاضبين، مؤكدا "أن قطر لا تتراجع، بل تخطو خطوة وتتحمل الضغوط حتى تصبح أمرا واقعا ثم تخطو الخطوة التالية". ويكشف النامي أن الكويت تدرك أنه "لا يمكن لقطر أن تنتقل إلى خط عدم استعداء الدول الأخرى لأنها ربّت شعبها على خط الإضرار بالدول الأخرى وإعلاء شأن شخصيات كالقرضاوي والخطاب العدائي لقناة الجزيرة".
ويلفت الباحث اللبناني د. محمد قواص إلى أن الأزمة الراهنة مع قطر تختلف من حيث أنها ليست بين الحكومات فقط بل إن المجتمعات الخليجية منخرطة فيها "ما يجعل الأزمة السياسية أزمة مجتمعية". ويعتبر قواص ذلك "أمرا جيدا لأن تحولات ما بعد الأزمة ستكون متواكبة مع حضور ومتابعة الخليجيين أنفسهم". وأشار قواص إلى عجز العواصم الكبرى عن فرض رؤيتها على المنطقة وعجزها عن إيجاد تسوية تتجاوز البيت الخليجي. وأكد قواص أن المنظومة الخليجية لم تولد "إلا من أجل الأمن الإستراتيجي وأن الأزمة الحالية هي أزمة أمن إستراتيجي، وما كان خطرا خارجيا برر إنشاء مجلس التعاون الخليجي بات داخليا يضع علامات استفهام على نجاعة المجلس ومنظومته الراهنة".
أمر كهذا يوافق عليه الباحث الموريتاني د. عبدالله ولد أباه مقترحا العمل على إنشاء "منظومة خليجية جديدة تستند على الشراكة السعودية الإماراتية"، معتبرا أنها ستكون ردا على منظومة خليجية تقودها إيران. ويضيف أن على المنظومة الجديدة أن تنفتح على سوريا والعراق لتنهل من عمق أكثر اتساعا. لكن الباحث الإماراتي د. عبدالخالق عبدالله رفض التشكيك في المنظومة الخليجية معتبرا أنها "وجدت لتبقى"، وأن ما تتعرض له من أزمات هو طبيعي وبالإمكان تجاوزه. واعتبر عبدالله أن "المشكلة هي مع صاحب القرار في الدوحة وأنها ستستمر طالما بقي صاحب القرار نفسه موجودا".
على أن ما تناوله المشاركون تعرض لنقاش واسع على مدار الجلسات التي استغرقت يوما كاملا. تساءل البعض عن المواقف المتحفظة للدول العربية والإسلامية والآسيوية والعواصم الكبرى من إظهار دعم ناجز واضح لموقف دول المقاطعة ما يستدعي إعادة قراءة للمشهد الدولي العام. سيناريوهات كثيرة طرحت وتراوحت بين التسوية القريبة والتصعيد المحتمل. لكن الأجواء العامة كانت توحي بأن الأزمة طويلة الأمد فهي "صراع إرادات"، فيما تساءل البعض عما إذا كانت دول المقاطعة تواجه قطر أم نظاما عالميا سمح ببروز الظاهرة القطرية وربما رعاها.
وقد يجوز تأمل الخلاصات والاستنتاجات التي قدمتها الكتبي في نهاية ورشة العمل لإدراك مدى تعقّد الصراع الحالي في قِدَمِه وحيثياته ومقدماته ومدى تشابك العوامل المحلية والدولية التي تجعل من استشراف النهايات أمرا تعوزه معطيات تتعرض للتحديث كل يوم لتجعل مهام أصحاب القرار أكثر صعوبة وأشد عزما على الخلاص من حكاية قطرية ملتبسة ضاق بها أهل الخليج ذرعا بعد أن تعايشوا مع فصولها مدة 22 عاما.
(عن العرب اللندنية_بتصرف)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.