* بقلم: شيبة ماء العينين (عضو اللجنة التنفيذية سابقا) إن انطلاق المؤتمرات الإقليمية بعد مصادقة اللجنة التحضيرية على تاريخ المؤتمر العام السابع عشر للحزب، وتحديد الفترة الزمنية التي سيتم خلالها انعقاد هذه المؤتمرات بعدما صرح رئيس اللجنة التحضيرية الأخ عبد الله البقالي: "أن المشاورات التي أجراها حول وجهتي النظر المتعلقتين بهذا الموضوع كشفت له أن درجة الخلاف بين التصورين جد محدودة ولا تشكل عائقا"، الشيء الذي يمكننا اعتباره خطوة إيجابية في إطار سلسلة من الأعمال والإجراءات المسطرية التي يرتبط بعضها ببعض لتوفير الشروط الضرورية لانعقاد المؤتمر العام وضمان نجاحه بما يرضي طموح وتطلع كل المناضلات والمناضلين الاستقلاليين الذين نؤكد على أن ما يجمعهم أكثر من ما يفرقهم. ولقد تأكدت دائما هذه الحقيقة في العديد من المحطات الدقيقة التي عرفها مسار الحزب، وقد تجددت مؤخرا عدة مؤشرات تبعث على الاعتقاد برسوخ هذه الخصوصية في نفوس جميع الاستقلاليين وخاصة من خلال اللقاء التواصلي الذي نظمه العديد من مناضلي ومناضلات مختلف فعاليات تنظيمات الحزب بالرباط بتاريخ 13 يونيو 2017 والذي حضره جمع غفير من مختلف التنظيمات والأطر الحزبية على اختلاف توجهاتها من معظم الأقاليم والجهات، وقد سجل الجميع أن كل المتدخلين أبانوا في عروضهم عن أن ما ينبغي أن نحرص عليه جميعا هو ما يضمن إعادة تعزيز لحمة صفوف المناضلين ويحصن الحزب من كل عوامل الإضعاف، ويمكنه من توسيع دائرة إشعاعه وطنيا ودوليا. ولقد خلف هذا اللقاء ارتياحا لدى عموم الاستقلاليين لا من حيث الحضور ولا طبيعة النقاش وكذا مضمون النداء الذي صدر عنه، والذي أرى مناسبا التذكير هنا ببعض مضامينه نظرا لراهنيتها، بمناسبة انعقاد المؤتمرات الإقليمية في آفاق انعقاد المؤتمر العام في غمرة ما يعرفه المشهد السياسي ببلادنا من اختلالات متعددة الأبعاد والمظاهر، أصبحت تداعياتها تلقى بظلال كثيفة من الريبة في جدوى الانخراط في العمل السياسي، ويشكك في مصداقية الأحزاب السياسية التي في مجملها تعاني من أعطاب متفاوتة لم تعد خافية على أحد، منها ما هو راجع إلى المناخ السياسي العام وبعضها بنيوي عضوي داخلي، تتمثل أساسا في ضعف التنظيم لدى البعض منها وقصور قنوات التواصل والتأطير وكذا تدني الخطاب السياسي لدى البعض الآخر علاوة على الصراعات الشخصية، مما أثر سلبا على امتداد قواعدها الشعبية وكاد يعطل اضطلاعها بدور الوساطة وإدماج المجتمع و مصالحته مع العمل السياسي، الأمر الذي أصبح من جملة المبررات التي يعول عليها خصوم المسار الديمقراطي الذي نحرص على الحفاظ عليه كمبدأ، ونعمل على تطويره وتخليصه من المعوقات التي لا تراعي مبادئ الديمقراطية الحقة ولا تحترم إرادة واختيار المواطنين، حرصا منا على ما يعيد للأحزاب دورها الطلائعي باعتبارها صمام أمان وآلية سياسية اجتماعية دستورية لتأطير المواطنين ورغبة منا في أن تحصن بلادنا ما راكمته من مكتسبات ديمقراطية تبعث على الثقة في المستقبل لتسجل نفسها عضوا كامل العضوية في نادي الديمقراطيات الحديثة التي تحترم كل بنود دفتر التحملات الجاري بها العمل في هذا المجال الأمر الذي سيعزز مكانة بلادنا بين الأمم والشعوب. لا شك أن كل المناضلين الاستقلاليين يتقاسمون القناعة بأن مصلحة الحزب تفرض على كل منا أن لا يظل واقفا عند ما يعتبره خطأ أو خطيئة من طرف مناضل آخر، إما عن قناعة شخصية أو مسايرة لصديق تربطه به علاقة خاصة، فكل واحد منا في هذه الظرفية الدقيقة التي يجتازها حزبنا، مطالب بالتحلي بمزيد من الروح النضالية وتغليب مصلحة الحزب على العلاقات والمصالح الخاصة، والتمعن في واقع حزبنا ومراجعة التفكير بعمق في المشهد السياسي ببلادنا ويطرح على نفسه السؤال المشروع: أية مكانة نريد لحزب الاستقلال ضمن هذا المشهد المليئ بالتدافع إن لم نقل بالصراعات في المستقبل القريب والبعيد، على ضوء الدور الهام الذي أعطاه الدستور الجديد للأحزاب السياسية والضوابط التي حددها قانون الأحزاب؟ إن الجواب على هذا السؤال يدعونا إلى الاجتهاد في استقراء الأحداث وتدبر تداعياتها والإمعان في التحليل وتوخي الدقة في الاستنتاج برؤيا استشرافية واعدة، وأن يمتلك كل واحد منا الشجاعة النضالية والإرادة المطلوبة والقدرة اللازمة ليتزحزح عن المربع الأول ويخطو خطوات إلى الأمام للاقتراب من الطرف الآخر (ولا أقول يقدم تنازلات لأن كل خطوة في اتجاه جمع الشمل وتوحيد الرؤى مهما بلغت كلفتها النفسية الذاتية ينبغي التعبير عنها بصيغة إيجابية) من أجل المصالحة التي شكلت على الدوام أحد الثوابت الراسخة في قناعات مختلف أجيال المدرسة الاستقلالية التي حافظت لهذا الحزب على ديمومته واستمراره. وفي هذا السياق ينبغي أن نتذكر بتقدير وإكبار أن في مقدمة ما ضمن لحزب الاستقلال دوام حضوره الفاعل واستمرار وجوده كقوة سياسية مؤثرة في خضم الصراعات والأحداث التي عرفتها بلادنا منذ تأسيسه هو ترسخ هذه الفضيلة التوافقية التي شكلت بوصلة ضبط مسار وتفاعل مختلف وجهات نظر قياداته وقواعده واتخاذ المواقف اللازمة في مواجهة كل المؤامرات والصراعات البينية الداخلية والخارجية، وكذا حرص الجميع على التمسك بالمبادئ الوطنية التي تأسس للدفاع عنها، والقيم النبيلة التي شكلت المقوم الحيوي لتأطير المناضلين وتوعية مختلف شرائح الشعب في المدن والبوادي، وتجذير الوعي بأهمية ضمان الإجماع الوطني حول التمسك بالدين الإسلامي الحنيف البعيد عن كل أشكال الغلو والتطرف والدفاع عن الوحدة الترابية والوطنية وتحقيق الديمقراطية في إطار الملكية الدستورية وصيانة الإنسية المغربية (الهوية) بكل روافدها، وحرصه الدائم على ربط جسور التواصل، أفقيا وعموديا، وصيانتها مع كل الفاعلين في شتى المجالات وعلى المستويين الداخلي والخارجي، باعتباره حزبا لكل المغاربة حريصا على أن يتمتع كل أفراد الشعب في مختلف الجهات بالحرية والكرامة، يقول الزعيم علال الفاسي في مؤتمر الحزب سنة 1962: "إن حزب الاستقلال قام على أساس تحقيق انسجام بين القوات المغربية، فهو لا يفرق بين عناصر الوطن في أهدافه وغاياته، كما أنه لا يفرق بينها في الدعوة إلى الكفاح والتضحية، وهو يسعى إلى تكتل هذه القوى الحية حول رئيس الدولة الذي هو جلالة الملك لتصل معه إلى إنجاز مطالب الشعب ورغباته". لذا ينبغي لنا أن نعي بعمق أننا مطالبون جميعا بأن تخيم على أفكارنا ونقاشاتنا داخل المؤتمرات الإقليمية هذه الأفكار والمبادئ التي من أجلها أسس الرواد الأوائل، ومن تبعهم بإحسان، دعائم هذا الحزب، ونسمو بتحليلاتنا ومواقفنا عن الحسابات الضيقة للخروج بحزبنا من وضعية أصبحت تشغل، وبقلق، كل الاستقلاليين، ونؤكد أنه لم يعد مقبولا من أي واحد منا أنَّى كان موقعه أو مسؤوليته أن يبقى متفرجا، وأننا جميعا معنيون بالعمل على استشراف المستقبل بروح الترفع والموضوعية، والسعي إلى بلورة رؤيا تبحث عن ما يجمع كل الاستقلاليين والاستقلاليات للوصول إلى تصورات عملية نقف بها على أرضية مشتركة تتحدد على أساسها معالم طريق الخروج من دائرة التجاذبات والتقاطبات التي بلغت أحيانا درجة التخندقات وأضرت بالحزب بشكل غير مسبوق في تاريخه الحافل. إن من ضمن ما يجب أن نتحلى به جميعا أيضا لإنجاح المؤتمرات الإقليمية والمؤتمر العام السابع عشر هو الإيمان بأن ما يجمعنا كاستقلاليين أكبر بكثير من ما يراد به أن يفرقنا، وأن نتسلح بإرادة التوافق والسعي إلى تخطي أسباب الخلافات السابقة، وتغليب روح المصالحة، لأن معركتنا اليوم ليست معركة أشخاص، أو من أجل أشخاص، ولكن معركتنا الأساسية من أجل حزب الاستقلال في مجموعه وصيانة تاريخه، وإنقاذ حاضره وتحصين مستقبله وتعزيز مكانته وتفعيل أدواره، واحترام مؤسساته، وقوانينه، من خلال عمل مبني على نقد ذاتي هادئ دون إفراط في جلد الذات ولا تفريط بتبخيس المكتسبات والمنجزات، من أجل تحمل مسؤوليتنا كاملة للحفاظ على الأسس التي بني عليها حزبنا، بما يصون عمقه الوطني وامتداده الشعبي، ونُعمل أفكارنا أفرادا وجماعات بشكل موضوعي ومجرد وهادف لتلمس أنجع السبل لتعبئة طاقات كل المناضلين والمناضلات، للإسهام في جعل الحزب يستعيد قدرته على احتواء الصدمات والتغلب على كل المعثرات، وتجاوز المطبات العارضة ليستعيد رصَّ صفوفه وإحكام لُحمته، ويتمكن من مواصلة مساره نحو إنجاز الاستحقاقات التنظيمية المقبلة بكل ما يتطلبه ذلك من نكران للذات وحرص على مصلحة الحزب، واستحضار مرجعياته والعمل على الارتقاء بمستوى النقاش للإسهام في إثراء مضامين برنامجه ليطرح البدائل الجادة على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. إن دور هذه المؤتمرات الإقليمية يكتسي أهمية بالغة لأنها ستنتخب المؤتمرين وأعضاء المجلس الوطني الذي يعتبر برلمان الحزب الموكولة له مسؤولية انتخاب المؤسسات القيادية والهيئات المركزية المسيرة للحزب، الشيء الذي يدعو الإخوة أعضاء هذه المؤتمرات إلى أن يستشعروا أهمية الأمانة الحزبية الملقاة على عواتقهم، وليدركوا أن كل الاستقلاليين ينظرون إلى ما ستسفر عنه أشغالهم التي نرجو أن تكون في مستوى الرهانات الحالية لربح التحديات المستقبلية، علما بأن الرأي العام الوطني ينظر إلى مؤتمرنا السابع عشر بكثير من الترقب، كل ذلك يدعو المناضلين والمناضلات إلى استحضار ماضي هذا الحزب العتيد وتثمين ما راكمه من إنجازات واستخلاص الدروس من ما اكتنف مساره الطويل من هنات وتعثرات ليظل مسايرا بالسرعة المناسبة لما يشهده العالم من حولنا من تحولات ويتجاوب برؤيا واضحة مع ما يتطلع إليه مجتمعنا الذي مازالت شرائح عريضة منه، حتى من غير المتعاطفين والمناصرين، تعلق عليه آمالا صادقة عبرت عنها في أكثر من مناسبة وخاصة من خلال عدد الأصوات التي منحها الناخبون له على الدوام في كل الاستحقاقات المحلية والوطنية الني أحلته على الدوام مكانة متقدمة ما بين الرتبة الأولى والثانية والثالثة برغم ما لنا من ملاحظات على بعض الممارسات التي واكبت جل هذه الاستحقاقات. لا شك أن كل المناضلات والمناضلين الاستقلاليين عموما والمؤتمرون في الأقاليم خصوصا سيقدرون مسؤولياتهم ولن يدخروا جهدا ممكنا من أجل أن يشكل هذا المؤتمر السابع عشر نقلة نوعية تعيد للحزب تماسك صفوفه وتعبئة جهود مناضليه لتتوجه إراداتهم الصادقة جميعا يدا في يد إلى تعزيز مكانة الحزب، داخل المشهد السياسي ببلادنا، لأنه كان وسيظل مؤهلا للاطلاع بدور ريادي، في خدمة هذا الوطن الحبيب الموحد من طنجة إلى الكويرة، اعتبارا لما تزخر به هياكله وروابطه ومنظماته من أطر وكفاءات وطنية متمرسة، وكذا ما يتميز به مشروعه المجتمعي من نهج تعادلي نابع من الخصوصية المغربية ومتفتح على إبداعات الفكر الإنساني سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بتفاعل إيجابي بعيدا عن كل تبعية أو استلاب ومتشبع بكامل الوعي بضرورة وحتمية مواكبة أجيال الإصلاحات الجديدة وما يفرضه الدور الجديد الذي تتطلع إليه بلادنا على المستويين القاري والدولي والذي يتطلب في جميع الأحوال تقوية صفوف حزبنا ليفرض نفسه بإرادة مناضليه ومناصريه في مقدمة الأحزاب الجادة التي يعول عليها لاستكمال المسلسل الديمقراطي الذي ناضل من أجله حزب الاستقلال ، ويتمكن من الاسهام الفاعل في تحقيق الإقلاع التنموي الشامل المتعدد الأبعاد، بما يكفل لمغربنا في عهده الحديث الارتقاء إلى مصاف الدول الصاعدة، ويضمن لكافة شرائح الشعب في مختلف الأقاليم والجهات الكرامة والاستفادة من خيرات الوطن ليعيش الجميع كما قال الزعيم علال الفاسي " مواطنون أحرار في وطن حر".