توقفت آلات المصنع عن الدوران فعم السكون من جديد كل جنابته إلا من همهمات وهمسات النسوة العاملات اللائي بدأن يلملمن حاجياتهن من أدوات العمل بعد يوم مضن من العمل استعدادا لمعانقة هموم البيت والأبناء كالعادة. دون أن تدري أي منهن ما يخبئه الدهر ولو بعد حين. وفي غيبة لأي طارئ محتمل تتوجه إحدى العاملات لتأخذ رضيعتها من المكان المخصص للرضع حديثي الولادة داخل المعمل ومن تم نحو بيتها، وبينما هي في الطريق وبالضبط عند الجزء المجاور لحي لبيار من شارع الحسن الثاني وبشكل مفاجئ لم تستطع المسكينة صد الخطر الذي داهمها على حين غرة حيث دهستها شاحنة بيضاء محملة بشحنة مهربة من الرمال قادمة من الشواطئ المجاورة للصويرية القديمة بسرعة جهنمية يقودها شخص قد تنصل من كل حواسه الجسدية والإنسانية، لا لشيء سوى لكونه أصبح عبدا لآلة همها الوحيد تحقيق الربح السريع مهما كلف الأمر ولو كان ذلك على حساب أرواح بريئة. هذه الحادثة التي أفضت إلى انقلاب الشاحنة حيث لم يصب سائقها بأي أذى وبمجرد اكتشاف أنه تسبب في قتل رضيعة لم تتجاوز الشهر الثالث من عمرها وأم مرمية وسط الطريق وهي فاقدة للوعي بين الحياة والموت، أطلق رجليه للريح هربا من العقاب الذي ينتظره، لتحضر بعد ذلك سيارة الإسعاف التي تأكد رجالها من مقتل الرضيعة ونقلوا الأم المغمى عنها على وجه السرعة إلى مستشفى محمد الخامس لتودع بقسم العناية المركزة نظرا لما لحقها من رضوض على مستوى الفكين وكسور في عدة جهات من جسمها. وبعد مراجعة للنفس بعيدا عن مسرح الحادثة يعود السائق المتهور ليسلم نفسه لرجال الشرطة. التي ستحيله بدورها إلى المحكمة صاحبة الكلمة الفصل، كي ينال ما ينتظره من عقاب والذي يجب أن يكون في مستوى ما يساعد الآخرين على الاتعاظ. رأفة بمعاناة كل الذين فقدوا أحباءهم بسبب جشع صانعي الموت مهربي الرمال من كل مكان.