* بقلم // أحمد الميداوي تميزت سنة 2016 إعلاميا بتحقيق مبيعات صحافة مشاهير السياسة زيادة تقدر بنحو 140 مليون نسخة إضافية. وسجلت هذه الصحافة انتعاشة كبيرة بعد أن تعرضت لكل صغيرة وكبيرة في حياتهم، وخاصة في حياة الرئيسين نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند المعروفان بشبكة العلاقات القوية التي يقيمانها مع كبار مدراء ومالكي وسائل الإعلام الفرنسية بالإضافة إلى صداقات أخرى متينة تربطهما بمدراء ورؤساء تحرير قنوات القطاع العمومي. ولم تشهد المجلات الفرنسية المختصة في حياة النجوم والمشاهير ارتفاعا ملحوظا فى توزيعها مثل ما شهدته خلال السنوات الثلاث الأخيرة حينما حولت اهتمامها إلى حياة السياسيين، بعد أن اهتدى معظم رؤساء تحرير المجلات الأسبوعية إلى أن الحياة الخاصة للسياسيين هي ضامنة للربح والشهرة معا، وهي أهم بكثير من نشر أخبار نجوم الفن، مما استوجب إعادة ترتيب الأولويات عبر فتح نوافذ إضافية تجلب القراء. وقد فوجئت معظم المجلات التى كانت تعتمد أساسا فى توزيعها على الكشف عن أسرار وفضائح حياة نجوم الفن، بارتفاع توزيعها منذ النصف الثانى من سنة 2013، من 18 مليون نسخة إلى 21 مليون نسخة كل أسبوع، بفضل تحويل اهتمامها إلى الحياة الخاصة للشخصيات السياسية. وحققت تلك المجلات مبيعات كبيرة سنة 2013 عند نشرها صور إباحية لزوجة الرئيس ساركوزى، كارلا بروني. كما شكل إعلان وزيرة العدل السابقة، رشيدة داتى، بأنها حامل وهى فى سن ال42 دون أن تكشف عن اسم والد الجنين، مادة دسمة للصحف والمجلات التي نشرت عشرات من التحقيقات والشائعات والتخمينات، على امتداد سبعة أشهر، عن هوية الرجل الذي أنجبت منه "زهرة" خارج الزواج الشرعي. وفى إطار حرصها على زيادة التوزيع بعد أن لاحظت تزايد اهتمام القارئ بحياة الشخصيات السياسية، أولت المجلات اهتماما خاصا لقصة زواج جان ساركوزى، الابن الثانى لنيكولا ساركوزى، من اليهودية جيسيكا دارتى، وريثة عائلة دارتى، صاحبة سلسلة متاجر "دارتى" المتخصصة عالميا فى بيع الأجهزة الكهربائية الإلكترونية. كما عملت على الترويج لشائعات مفادها احتمال قيام جان ساركوزى باعتناق الديانة اليهودية ليحظى بدعم عائلة زوجته التي تعد من أثرى العائلات الفرنسية، فى إطار سعيه للوصول لرئاسة فرنسا في يوم من الأيام. وحققت سنة 2016 زيادة في مبيعات الصحف والمجلات التي تناولت في غلافها موضوعا متعلقا مباشرة بالرئيس هولاند، وكثير منها حقّق بفضل ذلك أرباحا خيالية. فمجلة "ليكسبرس" حققت أعلى مبيعاتها منذ تأسيسها سنة 1953 بفضل الحوار الذي أجرته مع زوجة الرئيس هولاند، المرشحة السابقة للرئاسة الفرنسية، سيغولين روايال، عن العلاقات المشبوهة للرئيس الفرنسي، والذي وزع بأكثر من 700 ألف نسخة. "ماريان" المجلة القريبة من اليسار باعت أكثر من 600 ألفف نسخة وسجلت إيراداتها ارتفاعا وصل إلى%38.6 حين خصصت موضوع غلافها "للوجه الحقيقي لساركوزي". ارتفاع المبيعات بنسبة %8.1 سجلته مجلة لونوفيل أوبسرفاتور" سنة 2015 بعد أن خصصت غلافها لليالي الحميمية للرئيس السابق، جاك شيراك، فيما باعت مجلة "كلوزر" أزيد من 500 ألف نسخة عند نشرها في صيف 2015 ملفا خاصا عن علاقة غرامية جديدة تجمع الرئيس الفرنسي ففرانسوا هولاند بالممثلة الفرنسية جولي غاييه، معززا بصور تثبت عمق وحميمية هذه العلاقة. وخلافا لصحافة المشاهير، تشهد باقي الصحف الفرنسية وخاصة الجادة منها، تراجعا منذ خمس سنوات، في مجال التوزيع والنشر قد يؤدي إلى ارتماء بعضها في أحضان الدوائر الاقتصادية النافذة كمتنفس مالي ضروري للديمومة والاستقرار. وهذا الخيار الذي ربما لم يكن في الحسبان قبل عشرين سنة ماضية، صار اليوم ممكنا بل وعمليا. فالإجراء الذي اتخذته صحيفة "ليبيراسيون" الفرنسية، بتفضيلها منح إدارة رأسمالها إلى رجل الأعمال إدوارد دي روتشيلد، كان بمثابة الحل الأفضل الذي رأت فيه الصحفية تنفيسا ماليا على الأقل. ومنذ فترة ليست ببعيدة، توجهت مجموعة (سوكبرس) التي تصدر حوالي سبعين صحيفة منها "لو فيغارو" و"ليكسبريس"، وعشرات الصحف المحلية، إلى تاجر الأسلحة، سيرج داسو، فيما أصبح أرنو لاغاردير، وهو أيضا تاجر أسلحة، يملك مؤسسة "هاشيت" الثقافية والإعلامية التي تضم أكثر من 47 مجلة. والواقع أن الصحف الفرنسية، شأنها شأن نظيراتها الغربية، تكافح اليوم للتكيف مع توزيع متراجع، وعائدات إعلانات متقلصة، وتكاليف متصاعدة، ومنافسة قوية من الإنترنت والصحف المجانية، وهي منافسة قد تعصف بمستقبل الصحافة المرجعية إلى حد أن الرئيس هولاند المنتهية ولايته كان قد حذر من "موت" جرائد فرنسا بسبب الصحف المجانية والإنترنيت. ففي فرنسا باتت صحيفتا "ميترو" و"فان مينوت" المجانيتين تحتلان المراتب الأولى من حيث عدد القراء لتصلا إلى ما يزيد عن مليون ونصف المليون قارئ يوميا متقدمة بكثير على صحف عريقة مثل "لوباريزيان" و"لوفيغارو" و"لوموند" وغيرها. ولتمكينها من مواجهة المنافسة القوية للصحافة المجانية والانترنيت، قررت الحكومة الفرنسية سنة 2015، ببناء على مبادرة شخصية من الرئيس هولاند، تخصيص 600 مليون أورو للصحافة المكتوبة (حوالي 65 مليار درهم) كدعم إضافي للدعم الأصلي المحدد في مبلغ 1.5 مليار أورو. ويرى الرئيس هولاند في عمليات الدعم بمختلف أشكالها ضرورة حيوية لضمان التعددية الإعلامية وصون الديمقراطية. "لا يمكن للديمقراطية أن تؤدي وظيفتها بصحافة تقف بشكل دائم على شفا هاوية اقتصادية، ولا يمكن للصحافة أن تقوم برسالتها التنويرية إذا لم تكن في وضع مادي مريح يجنبها الاستنجاد ببعض الدوائر للتنفيس ماليا عن أزمتها".