* العلم الإلكترونية: وكالات تسببت التوجيهات التي أصدرتها وزارة الشؤون الدينية والأوقاف لأئمة المساجد، لحث المواطنين على المشاركة في الانتخابات البرلمانية في ردود فعل متباينة بالشارع الجزائري، الذي انقسم بين التنديد بما يراه البعض "خرقا للدستور والقانون المنظم للانتخابات"، وآراء أخرى اعتبرت أن الدعوة تأتي في سياق عام لتعبئة المواطنين دون الانحياز إلى طرف بعينه. وشددت التعليمات التي أصدرتها وزارة الشؤون الدينية للأئمة على الدعوة إلى "الوقوف ضد الأطراف المشبوهة التي تهدف إلى تعطيل المسار الانتخابي" وحث الشعب الجزائري على "المشاركة الإيجابية" والتذكير "بخطر الفتنة والوقاية منها". واتهم معارضون سياسيون وزارة الشؤون الدينية بخرق قانون الانتخابات، معتبرين أن العملية تمثل إقحاما مباشرا لدور العبادة والمؤسسة الدينية في الصراع السياسي. وتنص المادة 184 من قانون الانتخابات الجزائري على أنه "يمنع استعمال أماكن العبادة والمؤسسات والإدارات العمومية ومؤسسات التربية والتعليم مهما كان نوعها وانتماؤها، لأغراض الدعاية الانتخابية، بأي شكل من الأشكال". والتهبت شبكات التواصل الاجتماعي في الجزائر منذ الجمعة الماضي بالمواقف والتعليقات المتباينة تجاه الأمر، فيما قام آخرون بنقل ما تضمنته خطبة الجمعة من مساجد أحيائهم . وبثت مختلف وسائل الإعلام الجزائرية من إذاعات وقنوات تلفزيونية، خطب الجمعة عن ضرورة التصويت في الاقتراع التشريعي، كما نقلت القنوات الخاصة الخطبة من مساجد متفرقة بالعاصمة الجزائر. وقال جلول حجيمي الأمين العام للنقابة الوطنية للأئمة وموظفي الشؤون الدينية والأوقاف "إن المسجد لا بد أن يقوم بجميع الأدوار الكبرى التي تمس مصلحة الأمة". وذكر حجيمي الذي يرأس نقابة الأئمة التابعة للاتحاد العام للعمال الجزائريين، أن النقابة قارنت بين المصلحة والمفسدة في هذه المسألة، وقررت أن تكون في صالح دعوة الناس إلى التصويت. وقال "من حقنا كنقابة ذات تمثيل وطني أن نقول للمجتمع... رجاء توجهوا إلى الانتخابات واختاروا من تريدون وهذا ما قلته أنا للمصلين في خطبة الجمعة". وأكد حجيمي أن الأئمة لم يتحدثوا عن قائمة أو حزب أو تشكيلة سياسية معينة، بل وجهوا دعوة إلى المواطنين للتصويت فقط. وبحسب الأمين العام لنقابة الأئمة فإن خطبة الجمعة أيضا لم تستعمل لا لصالح السلطة ولا لصالح المعارضة، بل لصالح الوطن وللمواطن والمشاركة في التصويت. وشدد حجيمي على أن دور المسجد في خطبة الجمعة اقتصر على البعد التحسيسي، نظرا إلى العدد الكبير من المصلين الذين يرتادون المساجد خلال صلاة الجمعة، حيث يتراوح عددهم ما بين 17 إلى 23 مليون مصلّ أسبوعيا. ولفت حجيمي ردا على الانتقادات المتعلقة بتعارض مضمون الخطبة مع قانون الانتخابات إلى أن القانون يحجر استعمال المساجد للحملات الانتخابية لصالح حزب أو تشكيلة ما، أما الأئمة فقد دعوا المواطنين إلى المشاركة والتصويت فقط. من جهته، قال رئيس المجلس الوطني المستقل للأئمة جمال غول أن هذا الأمر يعتبر خرقا للقانون الجزائري في نظر النقابة. وأوضح جمال غول أن المسجد يعتبر مكان عبادة من الجانب الشرعي، ويقصده المواطنون لأداء شعائرهم الدينية، ومن بين هؤلاء من هو مع المشاركة ومنهم من هو مع المقاطعة وهذا شأنهم الذاتي. وبين غول أن إقحام الأئمة في هذا السجال السياسي يخرجهم عن الحياد الذي تفترضه وظيفتهم الدينية، قائلا "نحن لسنا ضد المشاركة ولا مع المقاطعة ولا ضدها". وأشار رئيس مجلس الأئمة المستقل إلى أنه "عندما يطلب من الأئمة تناول هذا الموضوع في إطار حث المواطنين على المشاركة، فذلك معناه تغليب طرف على آخر، وبالتالي الإمام سيقع في مشكلة قد تؤدي إلى فتنة في المسجد وتفرقة خلافا لما يجب أن تكون عليه هذه المؤسسة" . ويعتبر جمال غول أن خوض الإمام في المسائل السياسية يخضع لحسابات النظام ومعايير مزدوجة، وذلك في المناسبات فقط وبما يخدم مصالح السلطة. وشدد غول على أن الدعوة إلى المشاركة في الانتخابات هي نوع من الدعاية الانتخابية، ولذلك اعتبرت النقابة ما ورد في التعليمة بأنه خرق لمادة من الدستور الجزائري. ورد وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري محمد عيسى على الاتهامات التي وجهت إليه، بإصدار تعليمات حول مضامين خطبة الجمعة لحث المواطنين على المشاركة في الانتخابات، مؤكدا أن الأمر كان "مبادرة صادقة" من الأئمة والخطباء.
وقال عيسى في تصريحات صحافية إن "أئمة المساجد في جزائرنا المجيدة صنّاع رأي عام، فقد هبوا هبة صادقة الجمعة الماضي ليطبقوا سنة الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم في بذل النصيحة للمجتمع من السنة التي رواها الإمامان البخاري ومسلم". ويرى المحلل وأستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر عبدالعالي رزاقي أن ما قامت به وزارة الشؤون الدينية والأوقاف يتناقض تماما مع نص قانون الانتخابات . وأوضح عبدالعالي رزاقي "أن هذه الخطوة تعتبر دعما للحكومة وهذا يتناقض مع حرية التعبير وهو بمثابة تغليب طرف على آخر". وقدر المتحدث أن ما قامت به الوزارة يمكن أن يعيد البلاد إلى سنوات الأزمة من خلال تكفير أو تجريم مقاطعي الانتخابات وبالتالي خلق تيار معاد للوزارة، أي أن الوزارة كأنها تشجع الخطاب الديني على الخوض في السياسة وهذا يتناقض مع الواقع والقوانين. وتتزامن هذه الدعوات على منابر الجمعة مع مبادرة أطلقها عدد من شيوخ الزوايا والجمعيات الصوفية الجزائرية، لحث المواطنين على عدم مقاطعة الانتخابات، تخوفا مما اعتبره نص المبادرة "استغلالا من بعض الجهات لدعوات المقاطعة إلى الدخول بالبلاد في مرحلة انتقالية" ومشيرا إلى كون "البلاد تمر بمرحلة حرجة، ومستهدفة أكثر من ذي وقت مضى من قوى فتتت شعوبا عربية".