خبراء يكشفون دلالات زيارة الرئيس الصيني للمغرب ويؤكدون اقتراب بكين من الاعتراف بمغربية الصحراء    تخليد الذكرى ال 60 لتشييد المسجد الكبير بدكار السنغالية    بعد صدور مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالان.. الرباط مطالبة بإعادة النظر في علاقاتها مع إسرائيل    قلق متزايد بشأن مصير بوعلام صنصال    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم: "فخور للغاية" بدور المغرب في تطور كرة القدم بإفريقيا    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    عندما تتطاول الظلال على الأهرام: عبث تنظيم الصحافة الرياضية        طقس السبت.. بارد في المرتفعات وهبات ريال قوية بالجنوب وسوس    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    الموت يفجع الفنانة المصرية مي عزالدين    وسيط المملكة يستضيف لأول مرة اجتماعات مجلس إدارة المعهد الدولي للأمبودسمان    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    غارات إسرائيلية تخلف 19 قتيلا في غزة    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    موتسيبي يتوقع نجاح "كان السيدات"    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة        الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها        مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    مشروع قانون جديد لحماية التراث في المغرب: تعزيز التشريعات وصون الهوية الثقافية    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع ابن تيمية في رسالته القبرصية ودوره في حماية حرية الوجدان..؟ بقلم // ذ. محمد السوسي
نشر في العلم يوم 28 - 04 - 2017

حديث الجمعة: مع هنري لاووست في كتابه: نظريات شيخ الإسلام ابن تيمية في السياسة والاجتماع 22
يتزامن تحرير هذا الحديث وإعداده والناس في العالم يستعدون ليوم هو يوم الحساب والمساءلة الذي يرى فيه الناس نتيجة ما قاموا به خلال السنة ما ربحوه وكسبوه وما خسروه وما ينتظرون ان يحققوه في السنة المقبلة، وأنا هنا لا أتحدث عن ذلك الحدث العظيم الذي نعيش أجواءه، والذي كان فيه تجديد العهد والارتباط الأبدي بين السماء والأرض، وبين ما يناله الإنسان وهو يكدح في هذه الحياة، والذي كان فيه كشف لفئات متعددة من الناس وما ينتظرهم جزاء ما اقترفوه، وهو يوم كذلك تحدد فيه الارتباط بين وحدة الإنسانية في وحدة توجهها نحو السماء، لقد كان يوما فريدا ويما مشهودا ويوما فاصلا في تاريخ امة وتاريخ حضارة، انه يوم سيبقى نبراسا وفيصلا بين الناس، لقد أكد وحدة الإنسانية وهي تتوجه الوجهة التي تربطها بميثاق الذر إنه اليوم الذي أصل تأصيلا واضحا للوحدة الدينية بين رسالات الأنبياء والرسل انه يوم الإسراء والمعراج يوم تأكيد القبلة الأولى وارتباط المسجدين واستمرار رسالة الإسلام من لدن أول رسول إلى خاتم الأنبياء والرسل، انه ذلك اليوم الذي كان فتنة للشاكيين والمترددين، وكان يوما لتثبيت الإيمان والتصديق بالرسالة للمؤمنين الصديقين.
لقد كان الإسراء والمعراج الذي نعيش أجواء ذكراه اليوم يوما لا يمكن أن ينسى في تاريخ الإسلام وكيف ينسى؟ وهو يعيش في ذكراه الأجيال الراحلة والأجيال الحاضرة واللاحقة وكيف ينسى؟ والمسجد الأقصى أسير وأهله وذووه في ضيق مما يمكرون، وكيف ينسى و الفئة المؤمنة المرابطة تقدم التضحيات كل يوم من أجل الحفاظ على المسجد والحفاظ على هذا الميراث الذي جعلهم الله حماة وحراسا له إلى ان تقوم الساعة وهم على ذلك. انه الرباط القوي بين الناس وبين تاريخهم انه المسجد الأقصى ومسرى الرسول وأولى القبيلتين، هكذا هو وهكذا يقول الناس، ولكن هل بالفعل يسعى الناس ويعمل المسلمون من أجل أن يكون المسجد كما أراد الله وأراد المسلمون الأولون الذين قدموا كل التضحيات في سبيل أن يبقى منار الهدى والتوحيد.
ان الناس في دنيا الإسلام يلقون الخطب ويعقدون الندوات والملتقيات من أجل التذكير بحدث الإسراء والمعراج، ولكن كل ذلك لا ينعكس على مواقفهم في نجدة هذا المسجد ونصرته وحمايته، ان الحكومات الإسلامية وشعوب هذه الحكومات إنما يتحدثون حديثا عابرا دون أن يكون لحديثهم أثر فيما يهدد المسجد وتاريخه ودوره ورمزيته. هذه الرمزية التي يرتبط بها الكثير من الأحداث، انه الأرض التي بارك الله حولها والأرض التي تجشم الخليفة عمر رضي الله عنه المشاق من اجل الصلح ومصالحة أهلها انه الحدث الذي يؤرخ كذلك لذلك النوع من المعاملة والتسامح بين أهل الديانات السماوية الأخرى والإسلام، انه الحدث الكبير في السيرة النبوية والحدث الأبرز في مسيرة الدعوة الإسلامية، ومن هنا آن الأوان ليكون الحدث المرتقب والذي يسجل من جديد انتصار الحق وإزهاق الباطل، انه اليوم المنتظر والقريب ان شاء الله يوم عودة المسجد إلى سالف عهده منارة للهداية والأخوة والتعاون والتعايش بين المؤمنين بالله ربا واحدا وبرسالة الإسلام الذي جاء به الأنبياء والرسل كما يوضح ذلك ما جاء في كلام ابن تيمية في صلب الحديث وكما هو مؤصل في كتاب الله وسنة رسوله.
ولا يمكن أن أضع القلم قبل أن توجه في مدخل هذا الحديث إلى ما أشرت إليه أعلاه إلى أولئك الذين يرابطون في المسجد الأقصى بالتحية والتقدير والإعجاب الذي ينتزعونه من كل الناس بإيمانهم وصمودهم وتضحياتهم.
وكما يصادف هذا الحديث هذا الحدث يصادف كذلك ما أو مأت إليه في السطور الأولى من هذا المدخل، عيد العمل والعاملين بعد يومين عيد يتذكر فيه العمال ما يذلوه من جهد، ويصرخون فيه بما يجب ان يتحقق لصالحهم وصالح المجتمع كله، انه يوم الإنتاج والتنمية انه يوم التعبير عن الرضى وعن السخط في الآن، الرضى عن الجهد المبذول من طرفهم، والسخط عن الظلم والجفاء الذي يلقاه عطاؤهم، والاستغلال الذي يحاول البعض ممارسته وفرضه في حقهم. فتحية للعمل والعاملين.
استمرار الجدل
اسال موقف الدولة الإسلامية ومختلف الأطراف فيها من علماء وغيرهم تجاه المواطنين غير المسلمين في هذه الأقطار الإسلامية، على اختلاف الأماكن التي تقوم فيها هذه الحكومات الكثير من الحبر ولا أقول أشار الكثير من الجدال والصراع.
ومما لاشك فيه أن هذه المواقف لم تكن كلها تتجه في اتجاه واحد، وإنما تختلف باختلاف الأشخاص المسؤولين، وتختلف باختلاف الزمان والمكان، كما يكون للواقع الذي تعيشه الأمة في ظرف من الظروف التاريخية تأثيره على هذه المواقف سلبا وإيجابا، وهذا شيء أكدنا في هذه الأحاديث باستمرار.
تباين الأحكام
ولا غرابة والوضع على هذا النحو الذي يخضع لعوامل زمانية ومكانية وتاريخية ويختلف باختلاف أمزجة المفتين والفقهاء الذين يتصدون للكتابة وإبداء رأيهم وفهمهم للنصوص المتعلقة بهذه القضية أو تلك أو بهذه الجماعة أو تلك، نعم لا غرابة ان نجد تباينا في الأحكام، وتباينا في الفتوى والرؤى، ومن هنا أصبح لزاما الرجوع إلى الأصول التي تحكم هذه العلاقة، وكيف تنظر هذه الأصول أو إن شئت قلت المصادر إلى هذه العلاقة وكيف تنظمها وما هي الحلول والعلاج الذي قدمته ليقتدي به الناس ويتخذونه نبراسا لهم وهم يعالجون هذه القضايا في كل عصر ومصر.
الارتباط
ولا يمكن عزل هذه العلاقة عن السياق العام الذي يتم فيه سن الأحكام السلطانية أو السياسية التي يعبر عنها بالسياسة الشرعية، وقد سبق لنا في هذه الأحاديث أن اشرنا إلى ذلك في كثير من المواطن التي وقفنا فيها عند وجهة نظر ابن تيمية أو فتوى من فتاويه، فهذه الأمور يرتبط بعضها ببعض.
المطية
وإذا رجعنا إلى ما يجري اليوم على امتداد العام الإسلامي وجدنا ان فكر ابن تيمية في هذه القضية موجود ومطروح نجده لدى الذين يريدون أن يكون الشيخ ضحية فهمهم الخاص كما كان ضحية فهم آخرين معاصرين له، فهو في كل الأحوال يستعمل مطية لتمرير مواقف وسياسات ما كان ليتركها تمر لو كان على قيد الحياة، وكما كان في عصره من فهمه فهما جيدا وناصره أو أشار إليه بتعديل موقف أو تصحيح وجهة نظر ولكن من باب النصيحة وليس من باب التجريح أو النقد الهدام كما يقال.
حقوق متساوية
ولاشك ان العلاقة اليوم بين المواطنين في المجتمعات الإسلامية ومنذ زمن خرجت كما أكدنا ذلك في الحديث ما قيل هنا من طور التمييز على أساس الانتماء العقدي إلى طور التعاون على أساس المواطنة فالأساس الذي يتعايش الناس عليه اليوم ليس هو القبيلة أو العشيرة أو الطائفية أو المذهب، وإنما الانتماء إلى وطن معين يعيشون فيه جميعا في ظل حقوق محددة للجميع وواجبات للجميع معروفة ومضبوطة وهي في هذا السياق ترجع إلى المبدأ العام الذي أرسى الإسلام قواعده الأولى عندما نزل القرآن وأكد ان الناس جميعا خلقوا من نفس واحدة" .
المبدأ العام
وان الناس جميعا أمة واحدة وان الله خلقهم من أجل التعارف والتعايش وليس من أجل التنابز والاقتتال «يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم» هذا هو المبدأ العام الذي يحقق للناس المواطنة المتساوية وان ما طرأ من الأوصاف التي تخص الناس أو الإعراض لا تخدش هذا الأصل الذي يحقق المساواة في الأصل والمنشأ والمرجع والمصير.
مصدر الأحكام
وإذا كنا نؤكد على هذا الأصل فليس معنى ذلك إننا نقطع النظر عن تأثير الإيمان والاستجابة لدعوة الإسلام أو عدم الاستجابة، ومن هنا قلنا بالرجوع إلى المصادر الأساس للدعوة ومعاملة الرسول عليه السلام لغير المسلمين، والمصدر الأول هو القرآن الكريم لم تمل بالتمييز ولم يفرض شيئا على أهل الكتاب غير الجزية وبعد الجزية فالأساس هو لهم مالنا وعليهم ما علينا وما عدا ذلك من الشروط الأخرى وغيرها مما ابتكره الناس وابتدعه الحكام أو فرضته ظروف سياسية معينة فإنه يقدر بظروف والأوضاع التي فرضته.
أوضاع مختلفة
ولذلك نجد أهل الكتاب يعيشون في أغلب الفترات في البلاد الإسلامية وهم يتمتعون بحقوقهم في المواطنة مثلهم مثل غيرهم يؤدون الجزية نعم، ولكن المسلمين يؤدون الزكاة وغيرها من التكاليف التي يمكن للحاكم ان يفرضها طبقا لقواعد شرعية وطبقا لما ورد في الأثر «ان في المال حقا غير الزكاة». وهكذا دواليك وإذا كانت هناك أشياء تخالف ذلك فلا تحسب على الإسلام وشريعته.
الإبداع الحضاري
ولاشك أن هذا ما لاحظه واختبره الكثير من الناس قديما وحديثا من المنصفين في كتاباتهم التاريخية حيث تحدثوا عن التسامح في المجتمعات الإسلامية وما كان يتمتع به أهل الكتاب أو أهل الذمة ضمن هذه الحياة الاجتماعية الخصبة التي عاشها الناس وهم يبدعون الحضارة بكل أبعادها ومضامينها الأدبية والعلمية والعمرانية، ويؤصلون لذلك بما جاء في القرآن الكريم من أصول وقواعد هذه الحياة من التعايش والتعاون وما سنه المسلمون الأولون في هذا الشأن والذي لا يخرج عن السياق العام المؤكد للكرامة الإنسانية بالنسبة للناس جميعا.
التزامات متبادلة
وإذا رجعنا إلى ما سبق لنا تقديمه في هذا السياق في الحديث الأخير وما قبله وموقف ابن تيمية في كل ذلك فإننا نعود اليوم لإتمام ما أورده «هنري لاووست» والذي اعتبره والتزامات المسلمين تجاه أهل الكتاب وينبغي هنا التأكيد على هذا العنوان الذي تجنب فيه الباحث استعمال كلمة أهل الذمة واختار الاسم الذي ورد في القرآن وذلك التزاما بأن هناك من الناس من ابتدع بعض التصرفات فهما منه لنص وتأويله تأويلا غير سليم، وهو ما سعى ابن القيم في كتابه «أحكام أهل الذمة» إلى نفيه وهو يتحدث عن عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه إنها التزامات متبادلة.
الخلاصة
ان "لاووست" عقدا فصلا مهما يمكن اعتباره خلاصة للقضية كلها من خلال نظرة الإسلام إلى معاملة أهل الكتاب، بشكل عام، ولكن يستخلص كذلك من نظريات ابن تيمية وفتاويه شيئا يؤكده ابن تيمية دائما يؤكده تلميذه ابن قيم الجوزية" وهو ما لتبدل الأحوال على الفتوى واجتهاد المجتهد والخلاصة هي الآتية:
التزامات المسلمين تجاه أهل الكتاب
كان ميثاق عمر في نظر ابن تيمية عقدا صحيحا أورده ضمن عقود البيع والزواج والهبة، وكان يفرض التزامات محددة على الأطراف المتعاقدة. ولقد أوصى الحديث المسلمين دائما بمعاملة أهل الكتاب بالعدل والبر «من آذى ذميا فقد آذاني» ويقول النبي في حديث آخر أنه سيكون يوم القيامة حجيج من ظلم معاهدا أو انتقصه حقه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس وهناك حديث آخر يحرم على المسلمين دخول بيوت النصارى بدون إذن أو ضربهم أو أكل ثمارهم طالما أنهم يوفون بالتزاماتهم. على المسلمين إذن أن يراعوا العدل الكامل في معاملة أهل الكتاب. ولكن العدل شيء نسبي تتفاوت درجاته بحسب الحال. ولقد صاغ عمر الملاحظة الصحيحة في قوله: «ذلوهم ولكن لا تظلموهم».
اجتهاد طرفي
ولكنه اجتهد في العمل على الحد منه في عدة فتاوى ترجع إلى تاريخ إقامته بمصر. فقرر أنه طبقا لروح الشريعة لا يصرح للمسلمين الزواج بالكتابيات إلى لضرورة، وعليهم أن يعتبروا اتخاذ الإماء من غير المسلمات مكروها، بل عليهم أن يمتنعوا عن مشاركة النصارى في أي نوع من المعاملات التجارية، ولا يرجع ذلك إلى أن الاتجار مع النصارى محرم في حد ذاته –إذ يباح شرعا استخدام الأموال المكتسبة بالطرق المشروعة حسب شرائع الأقليات- وإنما يقصد قبل كل شيء إقصاء أهل الكتاب عن آية حياة جماعية. وعلى المسلمين أيضا أن يمتنعوا عن المشاركة في أعياد النصارى. وأخيرا عليهم معارضة الديانتين المسيحية واليهودية معارضة دائمة ومنهجية ومقصودة وذلك تأكيدا لذاتيتهم الدينية».
والنص أعلاه يؤكد:
1 – معاملة أهل الكتاب بالعدل بناء على نصوص حديثة قرآنية
2 – يستدل بمقولة منسوبة لعمر وهي تحمل تناقضا بينا «ذلوهم ولا تظلموهم» والإذلال هو الظلم بعينه، والإذلال مناف للكرامة الإنسانية المتبوت للآدميين بنص القرآن.
3 – اجتهاد ابن تيمية خاضع للزمان والأحوال.
4 – ان ابن تيمية فيما خرج به الكاتب من نوع المعاملة بين المسلمين وأهل الكتاب لا يخرج عن سياق ما كان سائدا من صراع بين المسلمين ومن يهاجمهم من صليبيين وتتار وغيرهم مما يفرض حماية المجتمع الإسلامي.
وإذا كان الموضوع له أهميته القصوى حاليا كما قدمنا فإننا سننتقل في هذا الحديث خلاصة لرسالة مهمة في الموضوع يشار إليها في رأي ابن تيمية في المعاملة بين المسلمين وأهل الكتاب وهي ما يعرف في تراث ابن تيمية بالرسالة القبرصية وهي رسالة طويلة ولكن سنورد هنا ما نراه مناسبا للإشارة إليه وإن كانت الرسالة كلها مهمة وقد وردت في المجلد الثامن والعشرين من فتاواه نشر المكتب التعليمي السعودي بالمغرب و تشغل من صفحة 600 إلى 630.
يقول في مقدمة الرسالة التي بعث بها إلى ملك قبرص حينها:
بسم الله الرحمن الرحيم
من أحمد بن تيمية إلى سرجوان عظيم أهل ملته، ومن تحوط به عنايته من رؤساء الدين، وعظماء القسيسين، والرهبان، والأمراء، والكتاب، وأتباعهم، سلام على من اتبع الهدى.
أما بعد فأنا نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو إله إبراهيم وآل عمران، ونسأله أن يصلي على عباده المصطفين وأنبيائه المرسلين، ويخص بصلاته وسلامه أولى العزم الذين هم سادة الخلق، وقادة الأمم الذين خصوا بأخذ الميثاق، وهم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد. كما سماهم الله تعالى في كتابه فقال عز وجل: (شرع لكم من الذين ما وصى به نوحا، والذي أوحينا إليك، وما وصينا به إبراهيم، وموسى، وعيسى: أن أقيموا الذين، ولا تتفرقوا فيه، كبر على المشركين ما تدعوهم إليه، الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب) وقال تعالى: (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم، ومنك ومن نوح، وإبراهيم، وموسى وعيسى بن مريم، وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ليسأل الصادقين عن صدقهم، وأعد للكافرين عذابا أليما).
وبعد أن يقوم رحمه الله بجولة في تاريخ الرسل والأنبياء وما جاءوا به من عقيدة التوحيد الخالص وفق ما اختاره ابن تيمية «عقيدة السلف» ويتحدث عن المسيح والانحراف الذي طرأ على عقيدة التوحيد من بعده.
أعياد باطلة
ويتحدث عن الأعياد والمواسم التي أحدثت في النصرانية ولم تكن منها ويقول:
وبالحملة فعامة أنواع العبادات والأعياد التي لم ينزل بها الله كتابا ولا بعث بها رسولا: لكن فيهم رأفة ورحمة وهذا من دين بخلاف الأولين: فإن فيهم نشوة ومقتا وهذا مما حرمه الله تعالى» ويستعرض كذلك ما عرفته الديانة النصرانية من تحول بعض أهل الكتاب قديما وحديثا حسب تعبيره من الإيمان بدين الإسلام.
دعوة التوحيد
وان الإسلام جاء بدعوة التوحيد ويستعرض مقاصد العبادة في الإسلام ويؤكد على أن الديانة لله ولا يملك أحد أن يغير من دين الله شيئا، ويؤكد على وسطية الإسلام ويشرح معنى الوسطية في كل شيء.
وينتقل بعد ذلك لمخاطبة ملك قبرص ويتمنى له ان يهديه الله لكل خير ومين بعد ذلك في ذكر ما عاشه المسلمون والنصارى من غزو المغول لبلاد المسلمين ويذكر بحدث تاريخي مهم في هذا الصدد لاسيما وهو يكتب للملك من أجل فك أسرى المسلمين عنده يقول:
النصارى يعرفون
«وقد عرف النصارى كلهم أني لما خاطبت التتار في إطلاق الأسرى وأطلقهم غازان، وقطلوشاه وخاطبت مولاي فيهم فسمح بإطلاق المسلمين قال لي لكن معنا نصارى أخذناهم من القدس فهؤلاء لا يطلقون فقلت له بل جميع من معك من اليهود والنصارى الذين هم أهل ذمتنا فانا نفتكهم لا ندع أسيرا لا من أهل الملة ولا من أهل الذمة وأطلقنا من النصارى ما شاء الله فهذا عملنا وإحساننا والجزاء على الله».
ويشرع بعد ذلك في الحديث عن التتار وانخراطهم في الملة فيقول رحمه الله:
إسلام التتار
«ومع خضوع التتار لهذه الملة، وانتسابهم إلى هذه الملة، فلم نخادعهم، ولم ننافقهم بل بينا لهم ما هم عليه من الفساد والخروج عن الإسلام الموجب لجهادهم، وان جنود الله المؤيدة، وعساكره المنصورة المستقرة بالديار الشامية والمصرية: ما زالت منصورة على من ناواها. مظفرة على من عاداها. وفي هذه المدة لما شاع عند العامة ان التتار مسلمون، أمسك العسكر عن قتالهم، فقتل منهم بضعة عشر ألفا، ولم يقتل من المسلمين مائتان. فلما انصرف العسكر إلى مصر، وبلغه ما عليه هذه الطائفة الملعونة من الفساد، وعدم الدين: خرجت جنود الله وللأرض منها وئيد، قد ملأت السهل والجبل، في كثرة، وقوة، وعدة، وإيمان، وصدق، قد بهرت العقول والألباب. محفوفة بملائكة الله التي ما زال يمد بها الأمة الحنيفية، المخلصة لبارئها: فانهزم العدوبين أيديها، ولم يقف لمقابلتها. ثم أقبل العدو ثانيا، فأرسل عليه من العذاب ما أهلك النفوس والخيل، وانصرف خاسئا وهو حسير، وصدق الله وعده، ونصر عبده. وهو الآن في البلاء الشديد والتعكيس العظيم، والبلاء الذي أحاط به. والإسلام في عز مزايد، وخير مترافد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: «أن لله يبعث لهذه الأمة في رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها». وهذا الدين في إقبال وتجديد. وأنا ناصح للملك وأصحاب –والله الذي لا إله إلا هو الذي انزل التوراة والإنجيل والفرقان.
مع ابن تيمية في رسالته القبرصية ودوره في حماية حرية الوجدان..؟ بقلم // ذ. محمد السوسي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.