اهتم الإسلام بإصلاح الإنسان والمجتمع فوضع جملة من القواعد تتجلى في الحق والعدل والمساواة والتعاون. وسنتناول ذلك في مبحثين: المبحث الأول: يوجب احترام نفس المسلم وعرضه وماله المبحث الثاني: الأسس التي تبني الروابط والتكافل بين أفراد المجتمع. المبحث الأول: احترام نفس المسلم وعرضه وماله.. إن أي مجتمع متحضر لايمكن أن يقوم إلا إذا حفظ أرواح الناس أعراضهم وأموالهم وإلا لحلت الفوضى بدل النظام والرعب والخوف بدل الأمان والسلام واهتز بنيان هذا المجتمع، وتهاوى صرحه واقترب من الحيوانية ونأى عن الإنسانية. ولذلك فإن الإسلام حرم على كل مسلم أن ينال من نفس أخيه وعرضه وماله شيئا يخدش شرفه، فقال صلى اللّه عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه). حفظ النفس كما حدد كتاب اللّه، وسنة رسوله صلى اللّه عليه وسلم العقوبة التي تقع على كل من يقترف شيئا من ذلك وفصل العلماء جزاء كل مخل ومتعد على هذه الحرمات. إن النفس هي البنيان الذي شيده اللّه تعالى وجعله خليفة في الأرض، فقد شرع اللّه لها ما يحافظ عليها، فحرم قتلها، ووضع عقوبة رادعة لكل من تسول له نفسه أن يعتدي عليها، حتى ولو كان الإنسان معتديا على نفسه، قال صلى اللّه عليه وسلم: «من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تحسى سما فقتل نفسه، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا» (2) لقد: جعل اللّه سبحانه وتعالى للقاتل عقوبتين هما: * الأولى: أخروية وهي تخليده في النار فضلا عن غضب اللّه عليه ولعنته، يقول جل شأنه: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها، وغضب اللّه عليه ولعنه (3) وأعد اللّه له عذابا عظيما). (4). *والثانية: دنيوية، وهي القصاص يقول جل شأنه : (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى) (5)، أي القاتل يقتل قصاصا، فإن كان الاعتداء على مادون النفس كان القصاص أيضا فيما دون النفس، قال تعالى: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس، والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأدن والسن بالسن والجروح قصاص) (6). وقد شرع اللّه القصاص ليكون جزاءا رادعا للقاتل، وزجر اللآخرين وإبعادا لهم عن هذه الجريمة حتى تكتب الحياة الهانئة الوادعة لباقي أفراد الأمة وفي هذا يقول جل شأنه: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون) (7) عقوبة قتل النفس: وكما حرم الله قتل الغير حرم أن يقتل الإنسان نفسه، لأن هذا البنيان الرباني الذي أوجده اللّه لايسمح لغيره أن يهدمه فيقول عليه الصلاة والسلام مبينا عقوبة قاتل نفسه: «من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تحسى سما فقتل نفسه، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا» حفظ العرض اهتم الإسلام اهتماما كبيرا بالأسرة وتكوينها لأن الأسرة الصالحة هي نواة الأمة الصالحة، فإذا صلحت النواة صلح جميع الجسم... وصلاح الأسرة يكون بقوة الرابطة بين أفرادها والتعاطف فيما بينهم، والشعور بشرف الانتماء إليها.. ولذلك فقد وضعت الشريعة الإسلامية حدودا وعقوبات لكل من يحاول أن يدنس الأسرة ويلوث سمعتها ويعرض بنيانها للانهيار، ردعا له وزجر الآخرين حتى يعم الوئام، وتنشر المحبة ويجد كل مسلم في أخيه حصنا منيعا يحميه، وسندا قويا يعتمد عليه، وتقوى الروابط وتتدعم الصلات، وقد اختلفت العقوبات اختلاف الجرم الذي ارتكب. حد الزنا فالزنا: عقوبته للمحصن الرجم حتى الموت، يقول الرسول صلى اللّه عليه وسلم: «لايحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث: «زنا بعد إحصان، وارتداد بعد إسلام، وقتل بغير حق»، وقد رجم الرسول صلى اللّه عليه وسلم من ارتكب هذا الفعل كما عز والغامدية.. وإن كان غير محصن فعقوبته الجلد.. لقوله تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة، ولا تأخذكم بهما رأفة في دين اللّه إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر، وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) (10) وإن قذف غيره بجريمة الزنا فإما أن يثبته فتنفذ العقوبة السابقة أو يعجز فيجلد ثمانين جلدة إن كان المقذوف محصنا أي حرا عاقلا بالغا مسلما عفيفا عن الزنا لقوله تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ) (11)، ولايقبل غير هذا ويجوز أن يضم إلى ذلك الحبس إن الحاكم رأى ذلك. وحتى لو قذف الزوج زوجته وكانا من أهل الشهادة والمرأة ممن يحد قاذفها فإنه مطالب بالإثبات فإن لم يستطع تم اللعان بينهما، واللعان هو شهادات مؤكدات بالأيمان مقرونة باللعن قائمة مقام حد القذف في حق الزوج، وإذا تم اللعان فرق بينهما بتطليقة بائنة، وقال أبو يوسف من علماء الحنفية تحرم عليه حرمة مؤبدة لقوله صلى اللّه عليه وسلم: «المتلاعنان لا يجتمعان»، وقد أوضح كتاب الله تعالى كيفية اللعان فقال: (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين) (12) وبهذا تجد أن التشريع الإسلامي يعمل على تنقية المجتمع من الأدران والخبائث التي تقوض الروابط بين أفراده ، وتفرق بين أبناء الأمة، فمما لا شك فيه أن شيئا من هذا لو حدث لأدى الى تقاطع وتباغض لايعلم مداه إلا الله بين من مسهم هذا الجرم من قريب أو بعيد، وهذا ما لايرضاه الإسلام. حفظ المال لما كان العمل والإنتاج هما دعامة الاقتصاد، ومناط قوته وضعفه، إن كان قويا رسخ اقتصاد الدولة وتنأى عنها عوامل الضغط الدولي وتنحسر عنها أطماع الدول، وتغلق دونها نوافذ الاستعمار الظاهر والخفي، وحيث يضعف اقتصاد الدولة، تتجمع من حولها أطماع الطامعين وتتجمع عليها ذئاب البشر المتوحشة..لذلك اهتم الإسلام اهتماما تاما بالعمل وما ينتج عنه من أموال، حيث أمر به كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون...(13) وقال جل شأنه: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله)، ويقول صلى الله عليه وسلم في الحث على العمل: «ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه الصلاة والسلام كان يأكل من عمل يده»(15) الهوامش: 1) اخرج الحديث: الإمام مسلم في صحيحه كتاب البر والصلة، ب 10 رقم 32 والإمام أحمد في المسند 277/2، 260 والإمام البيهقي في السنن الكبرى 250/8.92/6 والإمام أبو داود في السنن رقم 4882 والإمام الهيثمي في إتحاف السادة المتقين 214/6، 532/216.7 ن والإمام الترمذي في السنن رقم 1927، والإمام ابن ماجة في السنن رقم 3933، والإمام ابن كثير في تفسيره 360/7، والإمام القرطبي في تفسيره 187.322/10 2) اخرج الحديث الإمام ابن حجر فتح الباري بشرح صحيح البخاري والترمذي 247/10.1817 ، والإمام مسلم في صحيحه كتاب الإيمان رقم 175، والإمام النسائي في السنن 67/4، والإمام الترمذي في السنن 302/5، والإمام أحمد في المسند 254/2 488، والإمام الدارمي في صحيحه 192/2 والإمام البيهقي قي السن الكبرى 24/8 ، 350/9، والإمام التبريزي في مشكاة المصابيح رقم 3453 ، وأبو عوانة في مصنف 43/2.. 3) اللعن: هو الطرد من رحمة اللّه. 4) سورة النساء 93/4. 5) سورة البقرة 187/2 6) سورة المائدة 45/5. 7) سورة البقرة 178/2. 8) أخرجه الإمام المنذري في: الترغيب والترهيب سبق ذكره.. 9) كتاب الهداية للمرغينائي 72/1 ط صبيح. 10) سورة النور 4/24. 11) سورة النور 4/24 (12) سور النور : 24/ 6 9 (13) سورة التوبة: 105/9 (14) سورة الجمعة: 62/10 (15) الترغيب والترهيب للمنذري 125 وما بعدها في الأحاديث التي تحث على العمل وتنفر من البطالة.