الفنون التشكيلية وصيانة الهوية الثقافية * العلم الإلكترونية: متابعة في نطاق الورشة التي نظمها الملتقى الدولي السادس للفنون التشكيلية يوم الأحد الماضي (2 أبريل 2017) بمقر الملتقى بمدينة القنيطرة، والتي تحمل عنوان “الثقافة الكونية وحماية المصنفات الفنية في ميادين التشكيل”. فاهم الكاتب محمد أديب السلاوي في هذه الندوة بمداخلة حول النقد التشكيلي العربي وعلاقته بالحركة التشكيلية العربية في الزمن الراهن. ونظرا لتواجد الأستاذ السلاوي راقدا بالمستشفى العسكري بالرباط، من أجل إجراء عملية جراحية على الكلى، أناب عنه الأستاذ محمد بدري في قراءة هذه المداخلة. ***** وفيما يلي نصها الكامل: حضرات السيدات والسادة. اسمحوا لي بداية، أن أحدد معكم موضوع هذه المداخلة. فهي تتعلق بعلاقة النقد / والتلقي بالإبداع التشكيلي في الوطن العربي، وما يرتبط بهما من إشكالات. بالنسبة لي، كمهتم بالمتن التشكيلي العربي، أطرح على هذه التظاهرة القوية، سؤالا مركزيا يتعلق بالنقد التشكيلي العربي وعلاقته بالحركة التشكيلية العربية، ودوره في بلورة قيمها الجمالية والفكرية. ماهي أسس هذا النقد…؟ وهل تتوفر الحركة التشكيلية العربية على نقاد مختصين، يقيمون عطاءاتها الإبداعية والجمالية والفكرية…؟ هل تتوفر على نقاد يجيبون عن أسئلتها الثقافية والفلسفية الملحة التي تطرحها هذه الحركة باستمرار…؟ إن فهم مشكلات فن من الفنون، غالبا ما يعيننا على تجنب سوء الفهم في فن آخر، ذلك لأن الفهم السليم لمكان الإشارة في الشعر، هو ما يوضح لنا بجلاء، مكان تمثل الأشياء في التصوير. كما أن النظرة الساذجة للمسألة الأولى قد تؤدي بنا حتما إلى أخطاء جسيمة في تصور الثانية. وعلى نفس المنوال يمكن القول إن النظرة الضيقة لفن الموسيقى، هو ما يجعلها أكثر ضيقا في الفنون التشكيلية… يعني ذلك أن أول شرط تتطلبه القراءة التشكيلية، هو تحليل وقراءة الفنون البصرية بلغتها، هو المعرفة التامة للغة الألوان، من حيث هي علامات، لكل منها طابع مكاني مميز… هو الإدراك المعرفي لشخصيات هذه الألوان التي تشكل عالم اللوحة/ المنحوتة، وموضوعها، ولا يقل عن ذلك أهمية الآثار الانفعالية أو العضوية التي تختلقها الألوان. اللون عنصر بارز في العمل التشكيلي وفي لغته، وبلاغته، هو الصلة، هو العامل المسيطر على الاستجابة الانفعالية للتصوير، هو الذي يؤكد سلبية أو إيجابية التركيب الموضوعي والفني للعمل التشكيلي. ومما يعطي هذا الشرط أهميته القصوى في نظر النقد العلمي، للإبداع التشكيلي، ذلك الوهم الذي تخلقه اللغة والمرتبط بالاعتقاد أن الجمال صفة في الأشياء، وليس في صفات استجابتنا لهذه الأشياء، وتلك هي العلة الأساسية لصعوبة تذوق اللوحة عند العديد من المتلقين. إذا تركنا هذا الجانب التقني الصرف الذي يفرض نفسه على أي باحث تشكيلي، واتجهنا إلى صلب العمل الفني، سنجد أن العديد من الباحثين غير التقنيين، استطاعوا تحت تأثير الوضع الثقافي الراهن، أن يخلقوا بديلا لهذه التقنية التشكيلية، ويربطوا «قراءاتهم» بحركة الوعي الفكري، للغة البصرية، وهو ما أدى إلى خلط كبير في المفاهيم، وإلى خلط بين الأشكال والمضامين. هكذا، تكون أزمة النقد وأزمة التلقي عندنا في ميدان الفنون التشكيلية، أزمة بنيوية، مرتبطة بمشاكل عامة، لها علاقة وثيقة بتطورها الثقافي والفكري. إننا نلاحظ، أن مفهوم الفن تطور تطورا سريعا في العقود الأخيرة ولم ينقطع ولم يقف هذا التطور عند حد، إذ لم يكن في وسع أي فنان / أي ناقد أن يقدم تعريفا شاملا لماهية الفن ولاتجاهات الفنانين. لقد كان مفهوم الفن في العالم العربي إلى بداية القرن العشرين يقتصر على الفنون التقليدية. ولما انتقلت الحضارة في العصور الحديثة إلى أوربا، تغير مفهومها للفن وأصبح يقتصر على نوع معين منه وهو النوع الذي ابتدعته عبقرية الإغريق في القرن الخامس قبل الميلاد. ومع أن فن عصر النهضة في أوربا يختلف في الواقع اختلافا جوهريا عن واقع ومفهوم الفن عندنا، فإن الوهم الشائع بين مؤرخي الفن ونقاده قد فرض على العالم البحث عن تعريف جديد للفن يتسع لاحتضان كل التراث التشكيلي، باتجاهاته ومدارسه. وقد انصرف الكثير من النقاد العالميين إلى السعي في تعريف الفن من جديد، وإلى البحث عن قيم نوعية لكل طراز/ واتجاه، بل لكل أنواع الفن قديما كان أو حديثا… من هنا يبرز السؤال: كيف يمكن أن يقوم نقد فني موضوعي في مثل هذه الظروف التي تعددت فيها المفاهيم وأصبح خلالها الفنان الأصيل في حيرة من عالمه، ومن إنتاجه، ومن مفاهيمه… الواقع أن مهمة الناقد الحديث لم تعد بالأمر الهين، فقد يكون من اليسير أن يفاضل الناقد بين اتجاهين أو عدة اتجاهات، ولكنه لا يستطيع مطلقا المفاضلة بين الأساليب والمدارس المختلفة والمتطورة والمتجددة… وهذه الصعوبة في المفاضلة والتقييم والحكم ليست جديدة، بل يرجع عهدها إلى عصر النهضة في أوربا، إلا أنها ستكون أكثر خطورة عندنا، خاصة وأن مجمل الباحثين والمؤرخين والنقاد والفنانين لم تمكنهم ظروفهم الثقافية من الوقوف على الآثار الفنية الإنسانية بمدارسها واتجاهاتها، وأساليبها، ليتمكنوا من المقارنة والتقييم والحكم، فالمتلقي فضلا عن وجوب معرفته لعالم الفنون التشكيلية معرفة كاملة وواعية، عليه أن يشترك مع الفنان الحديث في وجدانه المعاصر، وهذا الوجدان لا ينعكس على الفن فقط، ولكنه ينعكس أيضا على الأدب والشعر والفلسفة، ومن ثم أصبح وعيه لكل التراث الثقافي ضرورة حتمية. الملتقى الدولي السادس للفنون التشكيلية: محاضرة الكاتب محمد أديب السلاوي حول الثقافة الكونية وحماية المصنفات الفنية إن الناقد عندنا الذي يعتبر المتلقي الأول للفنون التشكيلية، لم يحترف بعد حرفة النقد، ومن ثم لم يعط لنفسه الفرصة ليطلع على عالم الفنون وعلى ما يزخر به هذا العالم من أشكال، وألوان ومدارس واتجاهات، وهو ما يتطلب منه وقتا كبيرا للهضم والاستيعاب، ومن ثمة فالعديد من «النقاد» عندنا، مازالوا، يحاولون نقل الأشكال المبعثرة إلى كلمات مضببة، غالبا ما تكون بعيدة عن المضامين وعن الأشكال… فإذا استعرضنا (التقييمات) النقدية التي كتبت عن الفن التشكيلي العربي خلال العقود الأخيرة، سنجد خلطا في مفهوم النقد أولا، كما سنجد رؤى مختلفة للمدارس والاتجاهات والأفكار، الشيء الذي يشوه حقيقة النقد الفني، ويضيع حقيقة الحركة التشكيلية في الوطن العربي. * السؤال الذي يطرح نفسه بحدة في هذه الإشكالية الثقافية والمعرفية ؟ هل تتوازى مسارات الحركة التشكيلية العربية مع المواكبة النقدية لها؟ وبصيغة أخرى هل تتساوى القيمة الإبداعية لهذه الحركة وانتقالاتها الفنية نوعا وكما مع ما يكتب عنها وما يتابعها من قراءات نقدية، أكاديمية أو انطباعية، تستكشف أنساقها وتترصد محطاتها باختلاف أساليبها وأدواتها وقواعدها؟ في حقيقة الأمر، إن من يحاول تلمس طريق البحث عن إجابات محددة، يجد نفسه بداية أمام «شبه» فراغ توثيقي يطال جانبي المعادلة، سواء من حيث مكونها الإبداعي أو حدها القرائي، حيث أن تجارب الفنان التشكيلي العربي، غالبا ما تنتهي بانتهاء معارضه وتنقضي بانقضائها، في حين تبقى الحركة ككل بمنأى عن ترصد «تأليفي» يلغي آنيتها ويبني مستقبلها وفق مسار توثيقي يحتفظ بالمكونات ويسجل الانتقالات ويمرر المبضع على المكامن التشريحية فيها من تسليط الضوء على مختلف محطاتها وعناصرها واختلافاتها. في نظر أحد الباحثين المغاربة (1)، تبقى القراءة العامة للتجربة التشكيلية العربية، غارقة في الاستعصاء، محاطة بإبهامات تكيل للمتتبع ضبابية في المرأى ومتاهة في التلمس وغرقا في مفاهيم «تعويمية»، تعيش الشتات هنا وهناك دونما «تجميع» أو تصنيف أو ضبط، كما تبقى الكتابات التي اهتمت بهذا الأمر بعيدة كل البعد عن مرحلة تأسيس «تأليفي» يواكب الحركة ويدون مسارها. وفي باب الكتابة والمتابعة «المناسباتية» هاته، يرى العديد من الباحثين، تدخل عدة اعتبارات وعوامل تجردها من القيمة النقدية الحقيقية ومستوى المتابعة المساهمة بفعالية في الارتقاء بهذا الفن الجميل، حيث نجد الانطباعية هي السمة الطاغية إن لم نقل هي القاسم المشترك بين أغلب ما يصدر بالصفحات الفنية والثقافية بجرائدنا ومجلاتنا من مقالات وتغطيات ومتابعات لمعارض تشكيلية. لذلك تبقى الكتابات المتفرقة عن موضوع التشكيل في بلادنا العربية في رأي العديد من الباحثين، مقالات تقديمية أو انطباعية أو تغطيات صحفية، تقرب التشكيل وتقترب منه ولا تقرأه، كما لا تترصد حركته. والمسألة بموضوعية وتجرد لا تدخل في صميم مهمة الصحفي أو المتتبع الصحفي مادام الاختصاص فيه لا يتضمن الجانب التشكيلي كما لا نجد الفنان التشكيلي نفسه يواكب مختلف التجارب التشكيلية ويداوم الترصد والمتابعة عبر الكتابات النقدية التي يملك هو بداية الأمر موادها الموضوعية ومكوناتها الفنية كما عناصرها الإبداعية. إن الحركة التشكيلية العربية اليوم، وبعد أن اجتازت مرحلة البدايات لم تعد في حاجة إلى القراءات التعريفية والورقات التقديمية والكتابات الانطباعية، بقدر ما هي في حاجة قصوى إلى تأسيس نقدي يواكب تجاربها وتعدد مكوناتها وتنامي رصيدها، سواء من حيث حجمه الكمي- على مستوى المعارض- واللوحات والشخوص- أو من حيث مستواه النوعي، بتعدد المدارس والاشتغالات والنماذج، ثم بخصوصياته التي تميزه وسط باقي الفنون. في سياق المتابعات النقدية المحدودة، التي واكبت الانخراط الإيجابي لهذه الحركة في البوتقة الثقافية العربية، ظهرت في العقود القليلة الماضية، أعمال تنظيرية لعدد من الكتاب والباحثين والمبدعين، حاولوا الإجابة عن بعض الأسئلة الثقافية والفلسفية، المرتبطة بالحركة التشكيلية العربية، واستقراء بصريات الأجيال التشكيلية عامة، والشابة على الخصوص. ورغم ما يسجل على هذه القراءات من ملاحظات وانتقادات منهجية. فإنها أجمعت على أن هذه الحركة ناهضت بوعي أو دونه قيم الإستغراب، من أجل تنمية الحساسية الجمالية ورفع مستوى الوعي وهدم الجمود والاستسلام، وعملت على إشباع رغبات الطبقة المتوسطة الصاعدة، في الإبداع والخلق، وهو ما أدى إلى تحررها من الأساليب التقليدية، واكتشافها أساليب وأشكال جديدة، غيرت الكثير من المفاهيم الجمالية، مما جعلها مجالا لممارسة الذاتية والتعبير عن حنينها الميتافيزيقي. ولاشك أن غنى وتنوع النص التشكيلي لدى الأجيال التشكيلية، المتعاقبة واكتظاظه بالسمات الجمالية وانفتاحه في ذات الوقت- على ثقافة وأحاسيس ولغة هذه الأجيال… نقل «النص التشكيلي» إلى درجة فاعل أساس على الساحات الثقافية العربية، من وجهة نظر الكتابات التنظيرية لأولئك الكتاب والنقاد والمبدعين. عندما نضع السؤال حول الخلاصة الإجمالية التي يمكن أن يستخلصها الراصد للحركة التشكيلية في العالم العربي اليوم، نجد أن هذه الحركة تمر في الزمن الثقافي الراهن، بفترة حرجة، وباهرة في نفس الآن، ولكنها تشخص في النهاية معركة واحدة لا تتجزأ، تتجه بكل أدواتها المعرفية، وبكل رصيدها الفني، نحو تأسيس وإعادة تأسيس أرضية إبداعية ماهرة ومتميزة ، تحاول جهدها فحص الخطاب الفني، ونقل هذا الخطاب ليكون في قلب العملية الفنية من خلال نقد الذات ومراجعتها وتعبئتها قصد وضعها على مستوى المرتكزات النظرية والمنهجية، وربط فاعليتها بالفاعلية التاريخية، واتخاذها أداة لتعرية كل الأفكار السالبة في العمل التشكيلي العربي، وجعلها عجلة نشيطة في قاطرة الثقافة العربية الحديثة. لذلك نجد في المقابل ما يشكل قاسما مشتركا بينها وبين المتابعات النقدية، هو وعيها «الحداثي» بضرورة إعادة تأويل مظاهر التراث الماضي، والتراث الحاضر. وهو وعي يفصح من جهة عن مدى تعقد الإنتاج الفني، وتداخل مستوياته، ومن جهة أخرى، يفصح عن الأهمية التي يوليها النقد التشكيلي على ندرته وقلته إلى إخراج «الفن التشكيلي العربي»، من مرحلة العفوية واصطناع البراءة والسذاجة إلى مرحلة توضيح المواقف والإشكالات. ومن ثمة استطاعت بعض التنظيرات النقدية، رغم ابتعاد العديد منها عن شروط الأكاديمية، أن تتجاوز ما أنجز من إبداعات، وهي في نظر العديد من المتتبعين، ظاهرة صحية، تمهد لتقليب التربة. وتجاوز الإلتباسات والخطابات التقليدية المتراكمة على الساحة الفنية العربية. بقي سؤال في نهاية هذه المداخلة: أين الإعلام العربي من كل هذا؟ إن التظاهرات الكبرى التي تشكل محطات أساسية للحركة التشكيلية العربية خلال هذه الفترة من التاريخ، قامت على استغلال التراث الحروفي والهندسي والبيئي، في مشرق الوطن العربي ومغربه وإعطائه موقعه في تشكيل ذوق جديد/ وحداثي. ومن خلال تلك التظاهرات، كان الفنان العربي جادا في البحث عن اللغة التشكيلية الجديدة المتميزة بالعودة إلى منابع تراثه واختيار الإشكال والرموز والقضايا والألوان المتجلية في الطبيعة العربية. وتجربة العودة إلى التراث التي ميزت هذه الفترة الهامة من تاريخ فننا التشكيلي اعتمدت على الربط بين الفن والهندسة، بين الفن والآلة (استعمال تقنيات جديدة آلية لإنتاج اللوحة)، بين الفن كإبداع، والآلة كصناعة،وركزت أبحاثها على تراث البيئة العربية، لاستغلاله ونقله انطلاقا من بنيته الخاصة،وما فعلته طليعة البصريين في المغرب والمشرق، يلتقي بصفة غير مباشرة مع الحركة الإنسانية في الإبداع التشكيلي، والموسيقي، واللغوي. والفرق الموجود بينهما هو نوعية الخاصية الخطية الأسلوبية بين الحركتين، وهذا راجع لنوع الميراث التشكيلي المميز لكل من الحضارتين، وهي في الأخير حركة لها اتصال بمستوى جديد من التجربة التشكيلية على الصعيد العالمي، وخاصة في الغرب، أي التجربة التي يطلق عليها الآن «الفن البصري»، ويعود تاريخها في أوروبا الغربية، إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية، وتتمثل في مدرسة الباوهاوس الألمانية، وحركة الهاردج في الولاياتالمتحدةالأمريكية ثم عند فازرلي حاليا، وقد لعبت السوق الشرائية الاستغلالية العالمية دورا أساسيا في نشرها وتدعيمها واعتبارها المقياس الصحيح لمفهوم الفن المستقبلي. لاشك أن المدرسة البصرية العربية حققت منذ البداية خطوة إيجابية، جسدت الوعي تجاه التحديث الثقافي حتى وإن كانت بعض اتجاهاتها محدودة الأفق، لكونها عادت إلى التراث بمفهوم جامد، غير متفاعل، وبالتالي أصبحت حركة تسير جنبا إلى جنب مع الدعوة المتصاعدة لصالح الرجوع إلى الأصالة، ولكونها ثانيا تصب في حركة عالمية استغلالية، وتستغلها لمصالحها الاقتصادية، المعتمدة على تجميل الإنتاج، وإدخال أشكال جديدة لإرضاء المستهلك، والتخفيف من الأزمة الاقتصادية القائمة. وخارج هذه الملاحظة، صادفت المدرسة البصرية العربية، الكثير من النجاح على المستوى الفني والجماهيري. إن الأصداء التي تركتها التظاهرات التشكيلية العربية، خلال القرن الماضي، في المغرب ومصر والعراق وسوريا والعربية السعودية وغيرها، لأكبر دليل على نجاح التجربة الفنية، إلا أن تطويرها بقي رهينا بالرواد الأول الذين مازالوا غارقين في البحث عن دواتهم الوطنية، وعن قدراتهم الفنية، واستيعابهم لهذه الوفرة من ألوان التراث الوطني. وفي هذا الإطار لابد من التأكيد، على أن الاهتمام بالتراث، لا يعني عدم الأخذ بالأساليب الحديثة المتطورة والمتجددة، أو عدم استعمال الخامات الفنية التي تستهدفها الصناعة كل يوم، بل إن أي إنتاج فني حديث مهما تنوعت مذاهبه أو اختلفت، يحتاج إلى لمحة من التراث، ليؤكد أصالة الفنان وصدق إحساسه وانتمائه إلى هويته الأصلية، وليبعده عن التقليد لمدارس فنية أو اتجاهات مستوردة، وللأهمية الكبيرة للدور الحضاري والإعلامي الذي تقوم به حاليا مختلف أنواع الفنون التشكيلية، فإن الاهتمام بالتراث واستلهامه في العمل الفني، أضحى ضرورة حضارية وفنية لا محيد عنها. (1) – الحركة التشكيلية المغربية بين الإبداع والنقد/ جريدة بيان اليوم (مغربية) 3 أبريل 1999 ص: 16 الملتقى الدولي السادس للفنون التشكيلية: محاضرة الكاتب محمد أديب السلاوي حول الثقافة الكونية وحماية المصنفات الفنية