شيخ الأزهر يدعو إلى التصدّي للحملة الدولية على الأديان * بقلم // عبد القادر الإدريسي أطلق الشيخ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، صرخة مدوية في مؤتمر (الحرية والمواطنة : التنوع والتكامل)، لم تتردد أصداؤها لا في الإعلام المصري، ولا في الإعلام العربي، وبالأحري في الإعلام الدولي، خصوصاً وأن المؤتمر حضره ممثلو الأديان السماوية الثلاثة، وحشد من كبار المفكرين والأكاديميين والمثقفين والإعلاميين. فقد جاء في الكلمة الضافية الجامعة التي افتتح بها الإمام الأكبر الشيخ الدكتور أحمد الطيب المؤتمر، ما يقطع الشك باليقين، ويؤكد أن المخاطر المترتبة على تفشي ظاهرة الإسلاموفوبيا لن تطال المسلمين فحسب، بل ستصل إلى أتباع الأديان كافة، وتهدد العقائد الدينية في الصميم. فقد قال في عبارات واضحة لا لبس فيها : « إن المتأمل المنصف في ظاهرة الإسلاموفوبيا لا تخطئ عيناه هذه التفرقة اللامنطقية، أو هذا الكيلَ بمكيالين بين المحاكمة العالمية للإسلام من جانب، وللمسيحية واليهودية من جانب آخر، رُغم اشتراك الكل في عريضة اتهام واحدة، وقضية واحدة هي قضية العنف والإرهاب الديني، فبينما مرَّ التطرُّف المسيحي واليهودي بردًا وسلامًا على الغرب دون أن تُدنَّس صورة هذين الدينين الإلهيين؛ إذا بشقيقهما الثالث يُحبَسُ وحده في قفص الاتهام، وتجري إدانتُه وتشويه صورتهِ». وتلك حقيقة مؤكدة لا يرقى إليها الشك، ذلك أن الحرب المشهرة اليوم على الإسلام، سواء في الخارج أو في الداخلو، هي في الواقع موجهة إلى الأديان جميعاً، هدفُها القضاء على التديّن وقطع صلة الإنسان بالعقيدة الدينية، لينفسح المجال للدعوات الإلحادية، والنزعات الحيوانية، والفوضى العالمية الشاملة. ولقد زاد الدكتور أحمد الطيب هذه الحقيقة المرة إيضاحاً، فقال : « إن الإسلاموفوبيا إذا لم تعمل المؤسسات الدينية في الشرق والغرب معًا للتصدي لها، فإنها سوف تطلق أشرعتها نحو المسيحية واليهودية إن عاجلاً أو آجلاً، ويومها لا تنفع الحكمة التي تقول: «أُكِلْتُ يومَ أُكِلَ الثَّورُ الأَبيَض»، فالمتربصون بالأديان من الملحدين والمعلنين موت الإله والمروجين للفلسفات المادية والآتين من أقبية النازية والشيوعية، والداعين لإباحة المخدرات، وتدمير الأسرة، وإحلال نظام «الجنس الاجتماعي»، وقتل الأجنة في بطون أمهاتها، والتشجيع على الإجهاض وحق التحول إلى ذكر وأنثى حسبما يريد المتحول ومتى يشاء، والعاملين على إحلال العولمة محل القوميات، والداعين للعولمة، وإزالة الفوارق بين الشعوب، بعد القضاء على ثقافاتها، والقفزِ على خصائصها الحضارية والدينية والتاريخية، وهو نداء ينمو اليوم ويتطور مطالبًا بأن يكون ذلك من سلطات الاتحاد الأوروبي. كل هذه الدعوات وغيرها كثير، قادمة بقوة، وسوف تكتسح في طريقها أول ما تكتسح الأديان الإلهية، لأنها في نظرهم مصدر الحروب، فالمسيحية ولَّدت الحروب الصليبية، والإسلام ينشر الإرهاب والدماء، ولا حل إلاَّ إزالة الدين من على وجه الأرض.. وهؤلاء يصمتون صمت القبور عن قتلى الحروب المدنية التي أشعلها الملحدون وغلاة العلمانيين، في مطلع القرن الماضي ومنتصفه، ولم يكن للدين فيها ناقة ولا جمل، مع أن أي تلميذ في مراحل التعليم الأولى لا يعييه أن يستعرض قتلى المذاهب الاجتماعية الحديثة ليتأكد من «أن التاريخ لم يَحْصر من ضحايا الأديان منذ أيام الجهالة إلى العصر الحاضر عُشر معشار الضحايا الذي ضاعوا بالملايين قتلًا ونفيًا وتعذيبًا في سبيل نبوءات كاذبة لم تثبت منها نبوءة واحدة، بل ثبت بما لا يقبل الشك أنها مستحيلة على التطبيق». هذا المؤتمر الذي نظمه الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين، الذي يرأسه شيخ الأزهر، خلال الفترة من 28 فبراير إلى 1 مارس الجاري، أصدر (إعلان الأزهر للمواطنة والعيش المشترك)، لم أقع على خبر عنه في الصحافة العربية التي أتابعها، وكأن حضور أكثر من مائتي شخصية من ستين دولة من النخب الدينية والمدنية والثقافية والسياسية الإسلامية والمسيحية في العالم العربي وفي العالم، وشارك فيه كثير من رجال السياسة والفكر والثقافة والإعلام، كأن ذلك كله لا أهمية له، وكأن هذا المؤتمر لم ينعقد قط فوق الأرض المصرية. لقد عبر هذا الإعلان الذي جاء واضحاً صريحاً وقوياً ومتماسكاً، عن رؤية شمولية إلى الحملة الدولية ضد الأديان السماوية الثلاثة، وجاء فيه : « نظرًا لما استشرى في العقود الأخيرة من ظواهر التطرف والعنف والإرهاب التي يَتمسَّحُ القائمون بها بالدين، وما يتعرض له أبناء الديانات والثقافات الأخرى في مجتمعاتنا من ضغوطٍ وتخويف وتهجير وملاحقات واختطاف، فإن المجتمعين من المسيحيين والمسلمين في مؤتمر الأزهر يُعلِنون أن الأديان كلها بَراءٌ من الإرهاب بشتى صوره، وهم يدينونه أشد الإدانة ويستنكرونه أشد الاستنكار. ويطالب المجتمعون من يربطون الإسلام وغيره من الأديان بالإرهاب، بالتوقف فورًا عن هذا الاتِّهام الذي استقرَّ في أذهان الكثيرين بسبب هذه الأخطاء والدَّعاوى المقصودة وغير المقصودة. ويرى المجتمعون أنَّ محاكمة الإسلام بسبب التصرُّفاتِ الإجرامية لبعض المنتسبين إليه يفتحُ الباب على مصراعيه لوصف الأديان كُلِّها بصفة الإرهاب؛ مما يُبرِّرُ لغُلاةِ الحداثيين مقولتهم في ضرورة التخلُّصِ من الأديان بذَرِيعةِ استقرار المجتمعات». وكان الزميل الأستاذ حازم عبده، هو الكاتب الصحافي الذي لفت نظري إلى مؤتمر الأزهر حول (الحرية والمواطنة : التنوع والتكامل)، حين نشر مقالاً له في جريدة (اللواء الإسلامي)، الصادرة عن مؤسسة (أخبار اليوم) في القاهرة، تحت عنوان (الأديانوفوبيا)، وجاء فيه : « جاءت الكلمة الرصينة الدقيقة العميقة التي ألقاها فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الأسبوع الماضي في افتتاح أعمال مؤتمر "الحرية والمواطنة.. التنوع والتكامل" بحضور ممثلي الأديان السماوية الثلاث، بمثابة جرس إنذار لأتباع الأديان السماوية بعدما اطمأن بعض أتباع كل من المسيحية واليهودية، وربما بعض المنتسبين زوراً وبهتاناً للإسلام، لما عرف بظاهرة الإسلاموفوبيا التي حصرت كراهية الأديان في كراهية الإسلام، وجعلت الخوف من الإسلام وحده والمسلمين وحدهم ظاهرة كونية». فحفزني هذا المقال الجيّد للبحث عن (إعلان الأزهر للمواطنة والعيش المشترك)، من أجل الاطلاع عليه، فوجدته وثيقة تستحق التأمل والدراسة والتعليق عليها. ولكن إهمال الإعلام المصري والعربي لهذا الإعلان أثار انتباهي بشدة. غير أنني بعد تريث، أدركت أن هذا الإهمال لا يُستغرب من الإعلام المصري الذي يشن حرباً على الأزهر الشريف، وعلى الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، ويسعى لمحو تأثير الأزهر في حياة المواطن المصري. وهي خطة شريرة تهدف إلى الإضرار بالمصالح الوطنية العليا لهذا البلد الشقيق. لقد جاء في إعلان الأزهر : « إنّ طموح الأزهر ومجلس حكماء المسلمين من وراء هذا المؤتمر هو التأسيس لشراكةٍ متجددة أو عقدٍ مستأنَفٍ بين المواطنين العرب كافَّةً، مسلمين ومسيحيين وغيرهم من ذوي الانتماءات الأُخرى، يقوم على التفاهم والاعتراف المتبادَل والمواطنة والحريَّة، وما نذهبُ إليه في هذا الشأن ليس خِيارًا حَسَنًا فقط؛ بل هو ضرورةُ حياةٍ وتطورٌ لمجتمعاتِنا ودُوَلِنا وإنسانِنا وأجيالِنا». لقد كان الزميل حازم عبده بارعاً وموفقاً في نحته المبتكر لهذا المصطلح (الأديانوفوبيا) ليكون مكملاً للمصطلح الرائج اليوم (الإسلاموفوبيا)، فالحرب المعلنة على الإسلام هي حرب على الأديان السماوية الثلاثة. وهذا ما ورد في الكلمة البليغة الصريحة والمؤثرة للشيخ الدكتور أحمد الطيب. فهذا المصطلح يعني التخويف من الأديان جملةً وتفصيلاً، وهو الأمر الذي يتوجب على الفاتيكان خصوصاً أن يعيه، لأن الفاتيكان لم يصدر عنه إلى اليوم، أي ردّ فعل تجاه انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا، وكأن المسيحية هي في منأى عن المخاطر التي تهدد العقائد الدينية بصورة إجمالية، لا فرق بين الإسلام والمسيحية واليهودية. إنني أكبر في فضيلة الإمام الأكبر قيامه بالواجب في التصدّي للحملة الدولية التي تستهدف الأديان، وليس الدين الإسلامي فحسب. فهو خير من ينهض بهذه المسؤولية على أحسن الوجوه، لأن للأزهر في قلوب المسلمين مكانة محفوظة، ولأن الدعوة التي تخرج من الأزهر تلقى قبولاً وتجاوباً من علماء الإسلام في كل مكان. ولذلك فإن التحذير الذي ورد في كلمة شيخ الأزهر في مؤتمر (الحرية والمواطنة : التنوع والتكامل) يجب أن يكون موضع اهتمام بالغ، باعتباره نداء لإنقاذ السلام العالمي من تهديدات الإسلاموفوبيا ومخاطر الأديانوفوبيا.