«الخيط الأبيض» يأتي اليوم كوعي جماعي بضرورة الاحتكام إلى سلطة العقل والضمير، بدءاً بمحاورة الذات ومراجعة النفس لتصحيح سلوكاتنا وتحسين علاقاتنا الإنسانية بمراعاة شرط الحوار مع الآخرين وبنوايا ومقاصد حسنة ولا تقبل التجريح أو التغليط وما ذلك بغريب على صميم روح أصالتنا الأخلاقية وعمق مبادئنا السلوكية. فحين تقف نسيمة الحر معدة البرنامج «الخيط الأبيض» بين طرفين في نزاع أو سوء تفاهم فبحياد ونزاهة ودون تحيز لطرف ما استماعا إلى الرأي والرأي الآخر ثم عقد الحوار بينهما كخطوة أولى لرفع جدار وحاجز المسكوت عنه حتى يتسنى لكل فرد إدراك أبعاد وحدود حقوقه وواجباته في ظل علاقة مضبوطة ومعينة. ******************* ماهي انطباعاتك الأولى حول تجربة هذا البرنامج الجديد؟ «الخيط البيض» فكرة جديدة هدفا تناولا شكلا ومضمونا وإن بدا للبعض أن البرنامج بادرة مستوحاة أو مقتبسة من برامج تطرحها قنوات أجنبية أوربية أو أمريكية وأخرى عربية. ففي الوقت الذي تتمتع فيه هذه القنوات بمجال واسع لحرية التعبير أو تعمد أحيانا إلى اللجوء إلى ممثلين لتشخيص أدوار الأطراف المتنازعة نحن بلد له خصائصه الدينية العقائدية والثقافية والاجتماعية والسياسية، بحيث الكثير من مشاغلنا وأوجاعنا العلاقاتية النفسية والاجتماعية ظلت لزمن بعيد طي الكتمان وفي عداد الطابوهات، وبذلك وفي ظل التطورات الحاصلة ببلادنا بما فيها الإصلاحات القانونية نحن اليوم مطالبون بالانفتاح الواعي والمسؤول على الجديد والمستجد فيما يرد علينا إحتكاكا بثقافات أخرى بما يحترم عمق كياننا المغربي ويخدم نماء الفكر مع دعم وتثبيت الأصل في أسسنا الأخلاقية. هل هناك إقبال للجمهور للاتصال بالبرنامج قصد عرض قضاياه للنقاش والبحث عن حل؟ من شأن الصمت والتكتم على الجروح البسيطة أن يسهم ويزيد من استفحال وتعفن الأمراض العلاقاتية وفي الأمر مضيعة وإهدار للوقت، للجهد وللمال. بالخيط الأبيض لا نجرؤ الادعاء أننا زعماء للإصلاح الاجتماعي ولا نحن بأناس يمتطون صهوة جروح آلام المواطنين لتحقيق نسب المشاهدة. فعملنا الإعلامي لا يأتي مولودا شرعيا للتطور في مسار سلسلة برامجنا الاجتماعية منذ انطلاقة القناة الثانية وحسب؛ بل هو حلقة متواضعة في سياق سياسة إرادية حكيمة ورائدة يسلكها بلدنا وكلها تدعو إلى إعادة الاعتبار لقيمنا ومبادئنا في تحكيم سلطة الحوار والتشاور والمصالحة مع الذات ومع الآخرين في مغرب جديد تواق إلى إرساء دعائم دولة الحق والقانون واحترام مواثيق حقوق الإنسان بالمواطنة الكريمة والحرية الواعية الرزينة والمسؤولة. بعد بث الحلقات الأولى هل بدأت تتضح معالم برنامج الخيط الأبيض؟ من الصعب وقد يعتبر تسرعا أن نحكم على برنامج «الخيط الأبيض» بوضع تقييم نهائي له بعد أقل من ظرف شهر فقط على بثه الأول طاقم البرنامج الذي لا ينحصر في شخص معدته ومقدمته والذي يضم صحافيين وتقنيين وفنيين وموظفين إداريين ومتعاونين في تنسيق دائم متواصل مع إدارة القناة، هذا الطاقم قبل الانطلاقة وخاصة بعدما يتوصل بسيل متدفق غامر من الاتصالات الراغبة في المشاركة من المدن والقرى والمداشر المغربية وكذا من مغاربة يقطنون مختلف الدول بالخارج أو على الضفتين... واستجابة ردود الفعل عند مواطنينا المغاربة أتت قوية منذ البداية سواء عبر الهاتف في البيوتات أو في الشارع ونحن ننجز على امتداد الأسبوع روبرتاجات «الخيط الأبيض» هل لمست ردة فعل المشاهد بعد متابعته للأعداد الأولى من البرنامج؟ كل جديد وصريح جريء أو خارج عن المعتاد، هو مفاجئ وقد يكون صادما لكنه يظل محمودا ما دام يراعي حفظ كرامة أطراف الحوار ويتم معهم عن طواعية وبمحض إرادتهم، بحضورهم عن قناعة ورضى وتراضي، وفي إطار طرح شفاف يحمي أطراف الحوار أنفسهم من الاندفاع أو التهور في مفاد تصريحاتهم بل ويسمو بتجاربهم الحية المعاشة إلى درجة الاستفادة العامة بعد التحرر والتخلص من عقدة الصمت في مدارات الخطأ أو الخوف من البوح والمواجهة، والذي لا يزيد العلاقات إلا تأزما واتساعا للهوة.. إذ نستطيع القول أن أغلب محاورينا بعد المكاشفة يبرحون بلاتو «الخيط الأبيض» بقناعة أن صراعاتهم في أغلب الأحيان مفتعلة يغذيها التشدد للرأي أو التعنت بالخجل من التصريح بارتكاب الخطأ.