* بقلم // د. عادل بنحمزة أخبار الموت تأتي دائما باردة ومؤلمة، بحزن بالغ وألم شديد تلقيت خبر وفاة السي امحمد بوستة.. بصوت ثابت ومؤمن بقضاء الله وقدره أكد لي السي خليل بوستة النبأ الحزين، لم أجد الكلمات التي تسعفني لإكمال المكالمة سوى أعظم ما يستقبل به المؤمن قضاء الله وقدره.. "إنا لله و إنا إليه راجعون"، لحظتها شعرت باليتم يعود إلي قاسيا بعد أن عودتنا الحياة على التعايش مع الفقد العظيم للوالدين، وذلك لأن السي امحمد بوستة لم يكن فقط قائدا وسياسيا وأمينا عاما، بل كان فوق ذلك كان أبا و نموذجا وملهما، وهي صفات لا تجتمع دائما في شخص واحد. أنا من الجيل الذي لم يعاصر الزعيم علال الفاسي، وكل ما عرفناه عنه و منه، كان عبر كتبه ومقالاته ومما حكى لنا رفاقه و ممن عاشوا معه مختلف مراحل الحياة، لذلك كان السي امحمد بوستة بالنسبة لجيلي، هو الزعيم الحي.. وكان فعلا نموذجا لفكرة الزعيم القائد، حيث عشنا معه أهم السنوات في تاريخ الصراع والمواجهة من أجل إرساء نظام ديمقراطي، إذ كانت خطاباته وكلماته ومداخلاته في البرلمان دروسا نابضة بالحياة، زرعت فينا أجمل القيم وفي صلبها الثبات على المبدأ والوفاء لخط النضال. كانت الفترة من تاريخ انهيار جدار برلين إلى تشكيل حكومة التناوب التوافقي، فترة حاسمة في تاريخ النضال والكفاح من أجل الديمقراطية في المغرب، وكان السي امحمد بوستة إلى جانب الراحلين الكبيرين السي عبد الرحيم بوعبيد و السي علي يعتة، رفقة السي بنسعيد أيت يدر اطال الله في عمره، يشكلون قادة للفكر والسياسة والقيم، وكان السي بوستة وفيا لما آمن به دائما وما شكل وصية من الزعيم علال، ألا وهو وحدة الصف الوطني، وعندما تأسست "الكتلة الديمقراطية"، كنا نشعر بالسي امحمد في أوج عطائه لأنه حقق واحدا من الأهداف الكبرى التي عاش من أجلها. منتصف سنة 1996 نظمنا المؤتمر 20 للاتحاد العام لطلبة المغرب، وقعت إشكالات و خلاف حول رئاسة الإتحاد داخل المؤتمر، فقررت رفقة الأخوين عبد القادر الكيحل و لحسن فلاح و مجموعة من الطلبة الآخرين الانسحاب من أشغال المجلس الإداري، لكننا فوجئنا انا و الأخ الكيحل بإنتخابنا كأعضاء في اللجنة التنفيذية للاتحاد، ونشرت أسمائنا في جرائد الحزب، بعد ذلك علمنا أن الإخوة في المجلس الإداري تقديرا منهم للجهد و العمل النوعي الذي قمنا به في الإعداد للمؤتمر، فإنهم رفضوا إنسحابنا وقرروا إنتخابنا، لكن حماس الشباب في تلك الفترة دفعنا إلى إخبار قيادة الحزب بأننا سنرفع دعوة قضائية في الموضوع، فعلم السي امحمد بوستة بالخبر، و دعانا إلى لقائه ببيته بالرباط، فكان لقاءا خاصا سيظل في الذاكرة إلى الأبد.. جلسنا أنا و الاخ عبد القادر الكيحل مع السي امحمد بوستة حوالي أربع ساعات متواصلة، تحدثنا فيها حوالي ربع ساعة عن مؤتمر الاتحاد العام للطلبة، والباقي كان حول تاريخ الحزب والكفاح الوطني والمعارك المختلفة من أجل الديمقراطية، تحدث معنا رحمه الله، بروح عالية من المسؤولية، فضاعفت تلك الجلسة من شعورنا بثقل المسؤولية وأقنعنا بصرف النظر عن موضوع الدعوة والتركيز على العمل داخل الحزب والشبيبة والجامعة، وكذلك كان.. وفي نفس السنة، أي سنة 1996، قررت إصدار جريدة "المستقبل الجديد" بالخميسات، فكان السي امحمد بوستة أول داعم لي، حيث تكفل هو شخصيا بطبع العدد الأول. قبل أسبوعين كان لي و الإخوة عبد القادر الكيحل و حسن الشرقاوي وعبد الغني لحلو والأخت مونية غلام، موعد مع الراحل الكبير في بيته بعد مغادرته للمستشفى العسكري، لكن مع كامل الأسف منعني المرض من أن أراه للمرة الأخيرة، وأبلغني الإخوة أنه سأل عني كثيرا و طلب منهم أن يخبروني بأنه مواضب على قراءة هذه الزاوية، وراضي عما يكتب فيها وما تحمله من أفكار ومواقف، وحملهم ما صار اليوم في حكم الوصية، أن أركز دائما على موضوع الديمقراطية والإسلام. رحم الله السي امحمد بوستة وجعل قبره روضة من رياض الجنة، وجزاه الله خير الجزاء عما قام به للوطن وللحزب طيلة مسار حافل. عادل بنحمزة للتواصل مع الكاتب: