العلاقة بين الإسلاموفوبيا والإرهاب من منظور دولي بقلم // عبد القادر الإدريسي التصريحات التي أدلى بها أنطونيو غوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة في الرياض (الأحد 12 فبراير) حول الأسباب التي تؤدي إلى الإرهاب، تستحق التوقف عندها، لأنها غير مسبوقة من أي مسؤول دولي، ومثيرة لكثير من الأسئلة التي يتوجب الإجابة عنها. فقد طالب السيد غوتيريس بوجوب محاربة الخطاب التحريضي الذي يربط الإرهاب بالإسلام، لافتاً إلى أن مثل هذه الأفعال تمثل الدعم الأفضل الذي تستخدمه داعش للدعاية لنفسه. وبهذه التصريحات يكون الأمين العام للأمم المتحدة يردّ، وإنْ بشكل غير مباشر، على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي صرح في خطاب التنصيب، كما في حملته الانتخابية من قبل، بأنه سيحارب (الإرهاب الإسلامي) المتطرف لمحوه من الأرض، وهو الأمر الذي يعدُّ بكل المقاييس السياسية، تحريضاً على الإرهاب الذي يمارسه بعضٌ من الجماعات الإسلامية المتشددة التي تزعم أنها وحدها تؤمن بالإسلام فهي على حق، أن غيرها أبعد ما يكونون عن الإسلام وهم على باطل، بقدرما في ذلك التحريض من تأجيج لنيران الكراهية والتمييز الديني الذي هو أشدّ خطورة من التمييز العرقي. فالرئيس الأمريكي يعلن، بتصريحاته غير الموزونة والمخالفة للدستور الأمريكي، الحملة ضد ما أسماه (الإسلام الراديكالي) الذي يزعم أنه وراء العمليات الإرهابية التي تقع في مناطق شتى من العالم، ويزعم كذلك أن بلاده تواجه تهديداتً من أكبر التهديدات التي واجهتها في القرن العشرين من جراء هجرة المسلمين إليها، وأن (إيديولوجيا الإسلام لا يجب أن تنتشر داخل مجتمعنا). والحالة أن الإرهاب جريمة لا دين له، وأن الإسلام لا علاقة له بالإرهاب من قريب أو من بعيد، سواء أكان الإسلام (متشدداً) أم (معتدلاً)؛ لأن التشدد من عدمه يعود إلى الأفراد والجماعات لا إلى الإسلام الذي هو الإسلام وكفى. وقد أحاط الرئيس ترامب نفسه بمستشارين أمنيين واستراتيجيين لا يخفون عداءهم للإسلام وللمسلمين جملة وتفصلاً. يقول المستشار الأمني للرئيس الأمريكي الجنرال المتقاعد مايكل فلين : (الخوف من المسلمين أمر عقلاني) ويقول أيضاً : (إن الإسلام ليس ديناً، إنما هو نظام سياسي وراءه عقيدة دينية). أما المستشار الاستراتيجي للرئيس الأمريكي ستيفن بانون فقد كان يدير موقعاً إلكترونياً (بريتبارت نيوز) يستقطب تعليقات الكتاب والمعلقين والساسة المعادين للإسلام. ويقول : (إن هناك حرباً بين الإسلام والمسيحية/اليهودية في الغرب). وقبل انتقاله إلى البيت الأبيض، كان بانون يحرّض ضد الإسلام الأوروبي، ويقول : (المسيحية تموت في أوروبا، فيما الإسلام يصعد، ينتشر) غسان إمام في مقاله "جهود ومساع لتعريب سياسة ترامب" : الشرق الأوسط : 7/2/2017 . فالإدارة الأمريكيةالجديدة معبأة إذن، وبالكامل من أجل محاربة ما تسميه (الإسلام الراديكالي) الذي هو عندها (الإرهاب الإسلامي المتطرف)، بما يعني أن هناك (الإرهاب الإسلامي المعتدل)، أي أن الإسلام في النهاية هو إرهاب في إرهاب. وهكذا يكون الرئيس الأمريكي الجديد بهذه الأقوال غير المسؤولة، يشهر الحرب ضد الإسلام من حيث هو دين الله الحق. وفي هذا الفعل منتهى الخطورة، لا على العالم الإسلامي فحسب، بل على الولاياتالمتحدةالأمريكية في المقام الأول، وعلى العالم أجمع في نهاية المطاف. وهذا ما يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، أن الإدارة الأمريكيةالجديدة تلعب بالنار. وهو لعب خطير للغاية، سيورط الولاياتالمتحدةالأمريكية في أزمات لا يمكن معرفة إلى أين ستنتهي. الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس كان دقيقاً في ربطه بين ظاهرة الإرهاب وظاهرة الإسلاموفوبيا، وهي تغذية الخوف من الإسلام، مما يولد الكراهية والتحريض على العنف والتطرف. وظاهرة الإسلاموفوبيا ليست مقصورة على الغرب محصورة فيه فحسب، بل هي من العوامل المؤثرة التي تؤدي إلى التطرف والعنف داخل العالم الإسلامي، أي أن تغذية الخوف من الإسلام تنبع من الداخل وليس من الخارج فقط كما قد يظن، لأن تفشي التطرف اللاديني يؤدي بالضرورة إلى التطرف الديني. وإن كنت لا أقبل هذا التعبير، لأن الدين لا تطرف فيه، وإنما الأفراد والجماعات هم الذين يتطرفون أو يعتدلون. ويمكن أن نقول بناء على ذلك إن (الإسلاموفوبيا العربية) إن جاز التركيب لا تقل خطراً على الأمن والسلم الدوليين، من (الإسلاموفبيا الغربية). هذا لتحليل الموضوعي لظاهرة الإرهاب التي تزعزع استقرار العالم من الأمين العام للأمم المتحدة، وإن كان ليس جديداً مبتكراً، فإنه سابقة في السياسة الدولية تدل على أن الأممالمتحدة قد دخلت مرحلة جديدة من الوعي الرشيد العميق بالرسالة الحضارية الإنسانية السامية التي تنهض بها. فالأمين العام الجديد يعرف ماذا يقول، ويدرك جيداً خطورة ربط الإرهاب بالإسلام، بخلاف بعض القادة السياسيين والنخب الفكرية والثقافية في عالمنا العربي الإسلامي، الذين يحكمون إحكاماً شديداً الربط بين الإرهاب والإسلام، وبذلك ينطبق عليهم القول (يهرفون بما لا يعرفون)، لأن هذا الربط باطل بكل المعايير. إن هذا التخويف من الإسلام بشتى الطرق وبجميع الأساليب، ومن الغرب والشرق معاً، هو ظاهرة خطيرة للغاية، لأنه جزء من الظاهرة الكبرى التي يعرفها العالم اليوم، وهي إشهار الحرب ضد الإسلام، من خلال تنظيم داعش الذي تأسس في ظرف دقيق، ليوجّه ضرباته إلى الإسلام وإلى المسلمين في المقام الأول. فهذا التنظيم الذي يوصف عن جهل بأنه تنظيم إسلامي، والإسلام منه بريء، أنشئ لهدف تلطيخ صورة الإسلام، وبالتالي تشويه كل ما له صلة بالإسلام، حتى يؤدي الأمر إلى تعديل الدساتير في دول منظمة التعاون الإسلامي، بما يتوافق مع هذا الهدف الاستراتيجي، بحيث تشطب الصفة الإسلامية للدول الأعضاء. وإن كان هذا أمراً بعيد الاحتمال ومن رابع المستحيلات. السيد أنطونيو غوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة، اختار أن يدلي بهذه التصريحات القوية التي بددت كثيراً من الشك وأزالت قدراً كبيراً من الغموض، من الرياض، حتى تكون وافية بالقصد وقوية الدلالة. وسواء أكان هذا الاختيار للمكان وللزمان مقصوداً لذاته، أم جاء مصادفة ومن المستبعد أن يأتي اعتباطاً ودون تدبير ، فإن الأمين العام للأمم المتحدة قد بلغ الرسالة إلى العالم أجمع، وبصفة خاصة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وإلى إدارته الجديدة التي لا تتردد في أن تظهر كراهيتها للإسلام وتعبر عن عدائها لكل ما (ومن) له صلة بهذا الدين الحنيف. وبقي على المجتمع الدولي أن يتفهم تلك الرسالة من الأمين العام للأمم المتحدة، وأن يميّز بين الإرهاب الذي هو جريمة بكل المقاييس، وبين الإسلام دين السلام والعدل والمساواة بين البشر.