لو أن لأحد شجرة فاكهة لذيذة ، وأراد أن يقطف فواكهها ، ويستظل بظلا لها الوارفة ، لتطلب منه ذلك أن يرعاها بالسقي والتقليم والتهذيب و الدواء المناسب وأن يعرضها لأشعة الشمس وضوئها ... الإسلا م شجرة معنوية جذورها العقائد الصحيحة ، و جدعها الشريعة السمحة ، وأغصانها وثمارها الأخلا ق الحميدة ، والعلوم والمعارف اللطيفة ، والمعاملا ت القلبية الرقيقة . فقد بني الإسلا م على خمس قواعد أو خمسة أركان هي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلا ة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا . وهذه القواعد أو الأركان تنقسم إلى ما يشكل جذور الشجرة وهي العقائد الصحيحة التي اشتملت عليها كلمتا الشهاد تين ، من توحيد وإيمان بالرسالة وبالجنة والنار ، وأمور الآخرة ، وإلى ما يشكل جدع الشجرة وهي أحكام الشريعة الإسلا مية في فرائض الدين الخمس . وفي حديث جبريل عليه السلا م أن الدين الذي علمه للصحابة رضي الله عنهم تضمن ثلا ث مراتب هي الإسلا م والإيمان والإحسان . فإذا كان الإسلا م قد اشتمل على جانب عقدي وآخر عملي تشريعي ، فإن الإيمان بدوره اشتمل على الجانبين بدليل قول سيدنا جبريل مبينا أركان هذا الإيمان « أن تؤمن بالله وملا ذكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره » [ أخرجه مسلم ] . وقول الرسول صلى الله عليه وسلم « الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلا ها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان » ، فدل الحديث الأول على الجانب العقدي من الإيمان ، بينما دل الحديث الثاني على الجانب العملي منه مع اشتماله على جانب العقيدة كذلك . وأما الإحسان فهو تتويج للمرتبتين السابقتين الإسلا م والإيمان ، بكونه مقاما روحيا تثمره العقيدة الصحيحة والأعمال الصالحة ، ويذوق خلا له صاحبه لذة المشاهدات الروحية ، المشتملة على العلوم والمعارف ، والمعاملا ت والمنازلات القلبية التي هي بمثابة الثمار من الشجرة . وذلك ما أشار إليه حديث جبريل عليه السلا م عندما وصف هذا المقام بقوله « أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك » . وتتطلب الرؤية القلبية للتجليات الإحسانية - بعد فضل الله تعالى - تصفية القلب من الأكدار والشواغل الحسية والمعنوية ، والإخلا ص في العبادة مع المحافظة على أحكام الشريعة والإكثار من الذكر ، وتحري الحلا ل في المطعم والملبس وكل الشؤون ، والتبري من الحول والقوة ، والا عتراف بتقصير النفس مع مشاهدة المنن الإلهية . ولذلك انطوى مقام الإحسان على رقائق الأخلا ق القلبية ، واندرجت فيه خلا صة الشرائع ، ولباب العقيدة ، وزبدة الآداب الباطنية والظاهرية ، فأثمر بالتالي لذيذ الفواكه الدواني ، وشيق المحاسن الراقية . فلم يكن تقسيم الدين الإسلا مي إلى ثلا ث مراتب متصاعدة متكا ملة إلا من أجل بيان المراحل الرئيسية للطريق إلى الله تعالى ، { وأن إلى ربك المنتهى } . فمن رزقه الله من التقوى والا ستقامة على طريق الإسلا م والإيمان حظا وافرا ، فاز -بفضله تعالى- بثمار الشجرة المعنوية ، وفرح بنعمة ربه ، مثلما يفوز ويفرح الفلاح أو البستا ني بفواكه شجرته وظلا ها الوارفة . { والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه ، والذي خبث لا يخرج إلا نكدا ، كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون } [ سورة الأعراف ، الآية السابعة والخمسون ] .