* العلم لم يجد الرأي العام الوطني صعوبة تذكر في فهم قرار انسحاب الفريق الاستقلالي للوحدة و التعادلية بمجلس النواب خلال الجلسة العامة التي خصصها المجلس لانتخاب رئيس جديد لهذه المؤسسة التشريعية الهامة ، ولم يبذل جهدا ما لوضع هذا القرار في سياقه السياسي العام والخاص. أولا، إن المشاركة في عملية انتخابية ما بغض النظر عن طبيعة ومضمون هذه المشاركة تعتبر تزكية صريحة ومباركة واضحة لها، هنا تحديدا يلتصق الشكل بالجوهر، لذلك لن يكون مقنعا القول بأن التصويت بالورقة الفارغة هو نأي بالنفس و الذات عن تزكية ما لا يمكن أن يزكى، فالأمر هنا سيان بين الورقة البيضاء أو الحمراء أو الصفراء. إن الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية قال في بلاغ عممه على وسائل الإعلام « إنه لن يزكي الغموض » وهذه جملة تلخص كل المعاني والدلالات في أربع كلمات ليس أكثر. ولكن ما معنى الغموض، وأين يتجلى هذا الغموض؟ الغموض في المشهد السياسي يتلخص في التأكيد الآن على أنه و بحكم المعطيات المتوفرة و الحقائق السائدة لا أحد يعرف بالتدقيق إلى أين يسير الوضع السياسي العام في البلاد . و هذه حقيقة خطيرة لا بد من التركيز عليها في أي تحليل أو قراءة. فنتائج صناديق الاقتراع التي عادة ما تكون عاملا حاسما في تحديد مسار العملية السياسية برمتها، لم تنجح هذه المرة في أن ترتب النتائج التي كان من الطبيعي أن تترتب عنها، وتأكد وجود عوامل حاسمة أخرى أقوى من صناديق الاقتراع، وبالتالي دخل الوضع السياسي العام في البلاد في غموض ما بعده غموض، والمثير أن الغموض يزداد تكثيفا مع توالي الأحداث والتطورات، لذلك من الخطإ الاعتقاد الآن بأن عملية انتخاب رئيس مجلس النواب ستساعد في تجلي ولو جزء بسيط من هذا الغموض. لذلك كان من الصعب على حزب وطني ديمقراطي واضح في اختياراته وصادق فيها أن يقبل التآمر على اللحظة السياسية، ولذلك قال فريقه في مجلس النواب، لا لما من شأنه أن يكرس الغموض القاتم. كل الأطراف ساهمت في قيام سحب الغموض، كل حسب جهده و قدرته. نتفق على أن الالتفاف على الشرعية الانتخابية مظهر مهم من المظاهر التي أنتجت الغموض الحالي. وأن جهة ما لعبت كل الأوراق منأجل أن تربح بالسياسة ما خسرته في الإنتخابات. وكان لحزب الاستقلال دور مهم في تعرية هذه العملية وكشفها للرأي العام. وهذه هي تهمته الرئيسية اليوم التي يعاقب عليها. ولا يضيره ذلك في شيء، لأن الأمر هنا يتعلق بحزب سياسي خبر عبر تاريخه النضالي الطويل مختلف مظاهر التحايل والنصب على الممارسة السياسية السليمة والمعافاة. لكن الرأي العام الوطني كان ينتظر من فاعلين آخرين الحرص كل الحرص على عدم الإقتراب من منطقة الغموض هذه، وهذا ما لم يتحقق مع كامل الأسف، بل إن ممارسات صادرة من هنا وهناك زادت في تكثيف منطقة الغموض على خلفية تحقيق مكاسب آنية ليست حاسمة بدورها، وهنا مربط الفرس . لذلك حرص الفريق الاستقلالي من خلال إعلان قرار النأي بحزب الاستقلال عن منطقة الغموض على توجيه رسائل واضحة ومقروءة لمن يهمه الأمر، وما أكثرهم في زمن الغموض هذا.