إنتخاب رئيس مجلس النواب أول أمس لم يكن حدثا عاديا، بل كان لحظة سياسية مكثفة إختصرت مجموع الأحداث التي عرفتها البلاد منذ اعلان نتائج الانتخابات التشريعية ليوم 7 أكتوبر 2016، و التي أصبحت اليوم جزء من مسار لإعادة عقارب ساعة الديمقراطية إلى الخلف، وتحولت 100 يوم الأخيرة إلى مرحلة تختصر حجم المعانات التي تواجهها الديمقراطية ببلادنا. أول أمس كانت هناك ثلاث وضعيات سياسية لها دلالات خاصة منها: الأولى: تمثلت في موقف الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية والذي قرر مقاطعة جلسة إنتخاب رئيس مجلس النواب وعبر بوضوح عن الخلفية التي تؤطر هذا الموقف، حيث جاء في بلاغ الفريق، أن » انعقاد جلسة اليوم في ظروف تعكس ظرفية سياسية دقيقة تتميز بصفة أساسية بالتحديات التي تواجهها الديمقراطية ببلادنا، مع تعذر الشروط العادية التي تؤطر عادة إنتخاب رئيس مجلس النواب بما يمثله ذلك من وضوح في المشهد السياسي والحزبي الوطني وعلى أساس ذلك، رفض الفريق الاستقلالي المساهمة في عملية الخلط والغموض أمام إنتظارات واضحة من الرأي العام تتوقع من النخبة البرلمانية والسياسية أن تساهم بجدية في الوضوح التام للعملية السياسية وخاصة التحالفات الحزبية وهو ما تعذر تحقيقه منذ الاعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية ل 7 أكتوبر 2016..وفعلا غادر الفريق ب 46 ناىبة ونائب قاعة الجلسات بعد كلمة قصيرة لرئيسه. الثانية: هي وضعية رئيس الحكومة المكلف بتشكيل الحكومة المقبلة وعبره العدالة والتنمية و التقدم والاشتراكية، حيث قررا معا التصويت بورقة بيضاء و الإمتناع عن تقديم مرشح لمنافسة السيد لحبيب المالكي عن الاتحاد الاشتراكي، هذا الاختيار يوضح أن السيد بنكيران لازال يمد يده للأطراف الأخرى في الأغلبية المفترضة، و أنه يقدم على ذلك القرار مرغما لكنه في تقدير يريد أن يشهد الجميع و إلى آخر لحظة، أن رغبته صادقة وجدية في تشكيل الحكومة، و أنه لا يتحمل مسؤولية سياسية في العرقلة الممتدة لتشكيلها (الحكومة)، و أن الطرف الآخر لا يمل من تقديم الشروط وعند الإستجابة لبعضها، يتم رفع السقف مجددا، ولعل العبارات والجمل التي إستعملها رئيس الاحرار في تجمع أكادير، توضح أن الشهية لازالت مفتوحة لإملاء مزيد من الشروط، وبذلك يكون إختيار رئيس الحكومة التصويت بالورقة البيضاء أشبه بالورقة الحمراء التي تحدث عنها أخنوش بعد بلاغ إنتهى الكلام. الثالة: وهي وضعية كل من الأحرار و الحركة الشعبية و الاصالة والمعاصرة والاتحاد الدستوري و الاتحاد الاشتراكي و حركة عرشان، حيث لا يجب أن يحجب فوز السيد لحبيب المالكي برئاسة مجلس النواب، تفاصيل هذا الفوز الذي ساهمت فيه ستة أحزاب حيث لم تستطع الحصول سوى نصف صوت عن الأغلبية المطلقة، فعدد الأصوات التي حصل عليها السيد المالكي هي 198 صوتا بينما نصف أعضاء المجلس هو 197،5، بينما الطرف الآخر وفقا للتوزيع السياسي الحالي والذي يضم العدالة والاستقلال والتقدم والاشتراكية حافضت على أصواتها أي 183، بينما فقد التحالف المقابل حوالي 5 أصوات على الأقل… الوضعية الثالثة توضح أن السيد أخنوش الذي يقود منذ شهور التعقيدات المصطنعة لتشكيل الحكومة المقبلة، لم يستطع أن يؤمن لحلفائه رغم غياب مرشح منافس سوى نصف صوت، هنا تسكن تفاصيل كثيرة سيكون لها ما بعدها أيا كان شكل الحكومة المقبلة.