أكد جلالة الملك في الخطاب الذي وجهه إلى القمة العربية الحادية والعشرين، على ضرورة اعتماد استراتيجية قومية تضامنية قائمة على مصالحة عربية جادة، موضحا أن تجاوز أوضاع التردي لا يتم بمجرد التلويح بالشعارات الرنانة ، ولايمكن اختزاله في مجاملات ودّية أو مشاهد عابرة، مشيرا الى أن المغرب مافتئ يحرص على بناء مصالحة جادة، على أسس متينة من الاحترام المتبادل للثوابت الوطنية للدول العربية ولسيادتها ووحدتها الترابية، وعلى تضافر الجهود للدفاع عن قضايانا العادلة، وصيانة هويتنا وأمننا القومي بعيدا عن نزعات التقاطب، وتحصين بلداننا من التدخلات المبيتة. وتعبِّر هذه الرؤية الشاملة عن الواقع العربي وعن متطلبات أمنه القومي، وعن إرادة قوية في إعادة ترتيب البيت العربي على أسس سليمة ومتينة، من الوفاق والتعاون والتضامن، من منطلق الحرص على المصالح العليا للأمم العربية، والسعي من أجل ضمان حقوقها المشروعة في النماء والبناء والتقدم والارتقاء، وفي اكتساب شروط القوة والمناعة ضد العوامل الخارجية التي تضعف الكيان العربي، وتمزق نسيج التضامن الذي هو القاعدة الصلبة للعمل العربي المشترك في المجالات كافة. لقد كان المغرب بقيادة جلالة الملك، يقف دائما في مقدمة الصفوف العربية لخدمة القضايا العربية المصيرية، ولرد الهجوم الذي يستهدف الأمة وصد العدوان عنها. ولذلك فإن دعوة جلالة الملك الى اعتماد استراتيجية قومية تضامنية، في هذه المرحلة القلقة التي يجتازها العالم العربي، تستجيب لمتطلبات المصالحة العربية الجامعة لجميع الأطراف والمانعة من استمرار النزيف في الجسم العربي. وكما قال جلالة الملك فإن هذه الاستراتيجية هي المدخل الصحيح لمصالحة حقيقية عمادها تسوية كل النزاعات العالقة في منطقتنا العربية شرقا وغربا. ومن أجل ذلك كان تجاوب المغرب الكامل مع المبادرة الوجيهة للمصالحة الصادقة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وتنويه جلالة الملك بأثرها الإيجابي في تبديد أسباب الفرقة والخلاف. وقد أوضح الخطاب الملكي الموجه إلى القمة العربية بما لامزيد عليه من وضوح، أن انخراط المغرب في جهود المصالحة العربية، مثل التزامه بعملية السلام، يجسدان خياره الاستراتيجي الراسخ في التعامل مع القضايا المصيرية لأمتنا، وفي طليعتها القضية الفلسطينية، بروح الحوار والتوافق والتضامن، وفي إطار الحق والشرعية. ولأن الاقتصاد هو عصب الحياة، فإن رؤية جلالة الملك الى تقوية التعاون والتكامل والتنسيق في المجالات الاقتصادية بين الدول العربية، تكشف عن أبعاد المنهج القويم الذي يسير عليه المغرب ويؤكد على ضرورة انتهاجه من طرف المجموعة العربية. وقد تجلت هذه الرؤية السياسية الحصيفة في خطاب جلالة الملك الى القمة العربية الذي جاء فيه: «إننا نعتبر أن انعقاد أول قمة اقتصادية عربية في دولة الكويت الشقيقة، بمثابة انبثاق وعي جديد بأن مناعة الأمة تكمن في مدى قدرتها على التعاون التنموي، في فضاء اقتصادي عربي، حر ومتفتح، قائم على شراكات حقيقية، واندماجات إقليمية». إن التركيز على البعد الاقتصادي للعمل العربي المشترك، والربط بينه وبين المصالحة العربية الشاملة في إطار استراتيجية قومية تضامنية، يؤكد وجود إرادة حازمة وقوية لتحقيق نقلة نوعية في العمل العربي المشترك في إطار جامعة الدول العربية وانطلاقا من ميثاقها. وهذا منهج جديد، وفكر عربي مستنير، ومشروع وحدوي قومي واقعي، ينطلق من الفهم الموضوعي السليم للمتغيرات الإقليمية والدولية. وهو الأمر الذي أكد عليه خطاب جلالة الملك في الدوحة، تأكيدا قويا لفت أنظار المراقبين، وكان مؤشرا إلى أن المغرب وفيٌّ لاختياراته العربية ومؤمن بمبادئ التضامن العربي، و يسير في الاتجاه الصحيح بوعي مستنير يقود خطواته على طريق التضامن العربي لنصرة قضايا الأمة العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.