* العلم أكدت التطورات المتسارعة المتعلقة بتشكيل الحكومة المرتقبة أن ما تطرحه بعض الجهات من شروط للإنضمام إلى ركب الحكومة ليس في الحقيقة غير شروط ظرفية و آنية في بعض الأوقات ، لها صلاحية مؤقتة ،و أنه ما أن يتحقق شرط أو شروط، حتى تشهر شروطا جديدة ليستمر بذلك مسلسل التجاذب بين طرفين يعرف كل واحد منهما الآخر ، ولكن كل واحد منهما يتحاشى جهد المستطاع الجهر بما في داخله والكشف عن الحقائق الكاملة بما يضع الرأي العام في الصورة الكاملة و الحقيقية للوضع . الآن ، لم يعد حزب الاسقلال عائقا ، بل إن المجلس الوطني لحزب الاستقلال المجتمع قبل عشرة أيام سحب البساط من تحت أقدام المناورين بأن أبطل مفعول سلاح وهمي ، و عرى وجوه البعض . وتأكد اليوم أن ورقة حزب الاستقلال كانت ظرفية ، وأنه حان الوقت لمطالب و شروط أخرى هي بدورها ظرفية وإن تحققت أتاحت الفرصة للكشف عن مطالب جديدة و هكذا دواليك إلى ما لا نهاية إلى أن يتحقق المطلب الحقيقي الذي يعلمه الفاعلون جيدا . واليوم حينما يرفع رئيس الحكومة المعين الأستاذ عبد الإلاه بنكيران الورقة الحمراء في وجه بعض الفاعلين المنشطين الرئيسيين في لعبة المطالب والشروط، فإنه بذلك يكشف للرأي العام الوطني والدولي عن إدراكه لحقيقة لعبة المطالب و الشروط . لم تعرف التجربة السياسية على مر العصور و في جميع بقاع الدنيا ما تعيشه اللحظة السياسية المغربية في مسلسل مشاورات غريب و متفرد لتشكيل حكومة ، حيث تجتمع أحزاب سياسية معينة ( و الرأي العام يدرك و يعلم كيف تتحرك هذه الأحزاب و كيف تتخذ قراراتها ) في محاولة لفرض شروطها على رئيس حكومة معين طبقا للدستور ، و بدا و كأن أحد رؤساء هذه الأحزاب الذي تولى منصب القيادة بعد انتخابات السابع من أكتوبر الماضي هو رئيس الحكومة المعين ، و هو الذي يحدد و يختار من يشارك في الحكومة و من لا يشارك ،و لم يبق له غير أن يطلب من رئيس الحكومة عدم إشراك حزب رئيس الحكومة في الحكومة المرتقبة . و الحقيقة أن مجمل المبادرات التي أقدمت عليها هذه الأحزاب فيما بينها من اجتماعات ثنائية و تمجيد متبادل حتى بين من لا يمكن أن يقبله العقل، و تكوين فريق نيابي واحد بين حزبين أحدهما كان في المعارضة و الآخر كان في الحكومة ، و عقد اجتماعات ثنائية و ثلاثية هنا و هناك، كل ذلك كان مؤشرا واضحا على ما حدث بعد ذلك من طرائف و غرائب في مسار فرجة افتقد إلى أبسط شروط و مواصفات الفرجة المفيدة و النافعة . نفهم اليوم أن رئيس الحكومة الحقيقي المعين و المكلف أخرج لاعبين إثنين من الملعب ( على الأقل لفترة وجيزة كما يحدث في كرة اليد ) و أعاد المسلسل برمته إلى نقطة الصفر ، ودخل مسار المشاورات إلى منغلق حقيقي هذه المرة ، لأن الأغلبية لم تتحقق للأسباب التي أضحت اليوم معلومة و معروفة ، ولأن الدستور لا ينص صراحة على المخارج الدستورية وعلى البدائل في مثل هذه الحالات ، والإشكال الكبير أن العنان سيطلق للتأويلات الدستورية، وتحميل الدستور ما لا يطاق من اجتهادات سيخرج كثير منها إلى العلن تحت الطلب ، أو على الأقل لترجيح قراءة معينة تخدم جهة سياسية دون أخرى . و كل هذه المعطيات ستزيد في تعقيد مهمة المواطن ومن خلاله الرأي العام الوطني في فهم واستيعاب ما يجري و يقع في بلده، وسينمي المخاوف في القادم من الأيام. إن مجمل هذه التطورات التي كانت متوقعة و التي تدل على أن الخلاف الحقيقي بين الفرقاء السياسيين يتجاوز سقف تشكيل حكومة كما تشكلت حكومة 2012 بكل يسر و وضوح، بل إن الخلاف الحقيقي الذي يبذل كل طرف ما استطاع من جهد للتعتيم عليه يكمن في خلاف حول الشرعية، وما هذه التجاذبات إلا شظايا متطايرة من نيران خلاف الشرعية. و على هذا المستوى فإن ما يحدث له جوانب إيجابية جدا لأنه سيساهم لا محالة في تربية جميع الفرقاء على الديمقراطية وعلى احترام الدستور، على شرط أن تكون للجميع القابلية على الاستفادة من الدروس .