الرباط : عبدالفتاح الصادقي تؤكد العصبة الوطنية لحماية المستهلك أن السنوات الأخيرة سجلت مجموعة من الأحداث التي كان لها انعكاس سلبي على الحركة الاستهلاكية وعلى المستهلكين في المغرب بشكل عام . وقد استفحلت الأوضاع خلال سنة 2008 ، حيث عرف العالم هزات عنيفة على المستويات المالية الاقتصادية والاجتماعية،برزت تجلياتها الأساس في ارتفاع أسعار أهم المواد الغذائية . وتشير العصبة في مذكرة أصدرتها أخيرا بمناسبة تخليد اليوم العالمي لحماية المستهلك، الذي صادف 15 مارس الماضي ، إلى أن هذا التوجه على الصعيد العالمي المتسم بالظرفية الاقتصادية والاجتماعية الصعبة أثر فعلا على المستهلك المغربي في مختلف مناحي الحياة بدءا بالمواد الغذائية مرورا بالتعليم والصحة والنقل ووصولا إلى السكن والثقافة والترفيه وباقي الخدمات.. وتبرز العصبة أنه بالرغم من المجهود الذي بذلته الدولة من أجل حماية القدرة الشرائية للمواطنين واتخاذ عدد من التدابير للرفع من أجور الموظفين والأجراء وتحسين فضاء الاستثمار ودعم المقاولة ، فإن مظاهر تدهور الأوضاع واصلت ضغطها على الحقوق الأساسية للمستهلك ، ولذلك من المفروض اعتماد مقاربة تعتمد على تلبية المطالب الاستعجالية للمستهلك التي تهم حماية مصالحه الذاتية والمادية والقانونية وفسح المجال أمام تطوير وتقوية دور الحركة الاستهلاكية عبر توفير الآليات الضرورية لتشجيع الجمعيات على القيام بمهامها . وتنبه العصبة إلى أن سلامة المواد الغذائية وجودة الخدمات يجب أن يكتسي طابع الأولوية بالنسبة للمستهلكين والمهنيين والسلطات العمومية على حد سواء ، موضحا أن التدبير الجيد لوضعية الاستهلاك يقتضي تبسيط القوانين المتعلقة بالنزاعات واللجوء الى القضاء وتوفير إطار قانوني عصري يواكب التحولات ويستجيب لانشغالات المستهلكين ، مع ما يقتضي ذلك من الإسراع بإخراج مدونة الاستهلاك إلى الوجود بعد مرورها من المؤسسة التشريعية وجعلها نصا عصريا يحترم المعايير الدولية في هذا المجال و يلبي الحاجيات الضرورية للمستهلكين .. وتلح العصبة على ضرورة اجتهاد المؤسسة التشريعية بخصوص مشروع القانون رقم 31.08 المتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلك عبر اعتماد مقتضيات تمكن فعلا من معالجة مختلف الجوانب المتعلقة بحقوق المستهلكين ووضع الإطار الملائم للنهوض بدور جمعيات حماية المستهلك، مضيفة أن هذا النص الذي من المتوقع التصويت عليه في الدورة البرلمانية المقبلة ، يجب أن يوفر الأسس القانونية لحماية المستهلك ، خصوصا من بعض الممارسات التجارية ومن البنود التعسفية ومن عيوب المواد المنتوجات والخدمات المسوقة ، وفرض استعمال اللغة العربية للتعريف بالمنتوج أو الخدمة في تحرير الفواتير والمخالصات، و تمكين جمعيات الدفاع عن المستهلك من اكتساب صفة المنفعة العامة والدفاع عن المصالح المشتركة للمستهلكين أمام المحاكم .. وتشدد العصبة على ضرورة تحقيق نوع من الإنصاف والعدالة في الاستفادة المواطنين من الغذاء والخدمات، وبالدرجة الأولى المواد الغذائية الأساسية ، التي مازالت أسعار العديد منها تعرف ارتفاعا غير مبرر بعد أن تراجعت على الصعيد الدولي كما هو الشأن بالنسبة للزيوت والحبوب ، مطالبة بالتدخل العاجل للمصالح العمومية قصد محاربة المضاربين والوسطاء ، خصوصا أن بلدنا أصبحت تتوفر على قوانين و آليات تعنى بحماية المستهلك وتنظيم المنافسة وحرية الأسعار ، مع الأخذ بعين الاعتبار مجموعة من الجوانب ، منها أن هذه الزيادات تتعارض مع التوجهات والمبادرات الحكومية الهادفة إلى محاربة الفقر و الإقصاء والتهميش . وتبرز العصبة الوطنية لحماية المستهلك أن وضعية الاستهلاك في بلادنا تتسم بضعف القدرة الشرائية للمواطنين وأيضا بضعف جودة المنتوجات والخدمات المقدمة ، مضيفة أن هذه الوضعية زادت صعوبة بالزيادات المتتالية في أسعار المواد الغذائية الأساسية والخدمات ، بدءا بمادتي الماء والكهرباء مرورا بالحليب، وصولا إلى الخضر التي تشكل غذاء الفقراء، حيث أصبح سعر الكيلوغرام الواحد من البصل و البطاطس وهي أرخص وجبة غذائية للأطفال وأقدرها على ملء البطون، لا يقل عن ثمانية دراهم في أحسن الأحوال بسبب الارتفاع المستمر في أثمنتها وكثرة الوسطاء والمضاربين .. وتشير مذكرة العصبة الوطنية لحماية المستهلك إلى بروز العديد من الظواهر الطارئة التي تلحق أضرارا فادحة بالمستهلك ، مثل ظاهرة السخانات القاتلة التي تفجرت في شتاء 2005 وخلفت 160 حالة اختناق في ذلك الوقت منها 49 حالة وفاة واستمرت خلال سنتي 2006 و2007 ولكن بدرجة أقل ، و كذا استمرار ظاهرة التسمم بمواد ووسائل مختلفة ، حيث تصل الحالات المسجلة سنويا لدى مصالح وزارة الصحة إلى حوالي ستة آلاف حالة ، تهم بالدرجة الأولى المراهقين والشباب ، وكذالك استمرار إلحاق الضرر بالمستهلك المغربي في قطاع النقل العمومي سواء على مستوى الخدمات المتردية في المحطات والحافلات وسيارات الأجرة أو على مستوى ارتفاع أسعار التذاكر غير القانوني في بعض المناسبات كعيد الأضحى ، واستمرار ظاهرة الذبيحة السرية وتسويق اللحوم الحمراء غير الخاضعة للمراقبة البيطرية ، وهو الأمر الذي يهدد صحة المستهلكين ويتسبب في خسائر مادية فادحة للدولة . وترى العصبة أن الاستهلاك يشكل الهاجس اليومي لكل مغربي، باعتباره مرتبطا بالخدمات والمنتوجات، وهو ما يفترض من الدولة توفير وسائل حمايته ، لمواكبة آثار العولمة والانفتاح ، بالموازاة مع تأهيل الاقتصاد الوطني، بالنظر إلى الظرفية التي تعرفها مجموعة من الأنشطة والقطاعات، و بروز وتنامي ظواهر مختلفة كالرشوة والغش والتسمم الغذائي وحوادث السير والتلوث البيئي ، وضعف مستوى الخدمات وتنامي ظاهرة اللامبالاة، وتبذير المال العام ، والنصب الاحتيال ، خصوصا في مجال منح القروض الاستهلاكية والهاتف وكذا شبكة الإنترنيت وغيرها من المجالات ، التي رغم تطور خدماتها مازالت تعتبر الأغلى في العالم مقارنة مع المستوى المعيشي للمغاربة . و تفيد الإحصائيات المتوفرة لدى العصبة الوطنية لحماية المستهلك أن معدل الاستهلاك بجميع أشكاله: التغذية، السكن، الصحة والنظافة، التعليم والثقافة، الملبس، النقل والاتصال، الكهرباء والمحروقات، التأمين . . . لا يتعدى 68 درهما، بينما في الوسط القروي لا يتعدى 35 درهما، ، كما أن معدل المصاريف السنوية للفرد بالمدار الحضري يضاعف مثيله بالمدار القروي، إذ أن الأول يصل إلى 15.003 درهم والثاني يقدر ب 11.400 درهم، مما يتأكد معه أن المواطن المغربي لا ينعم بمعيشة وتغذية جيدتين، وأن الاختلالات المجالية مستمرة في مختلف الميادين . و تدعو العصبة إلى ضرورة الاعتراف بحقوق المستهلك من خلال الاستجابة لثلاثة مطالب أساسية تهم حماية مصالحه الذاتية والمادية والقانونية وفسح المجال أمام تطوير وتقوية دور الحركة الاستهلاكية عبر تشجيع الجمعيات ، مشددة على أهمية اعتماد مقاربة جديدة لمواجهة الأخطار المرتبطة بالتقدم التكنولوجي، حيث يجب الأخذ بعين الاعتبار مطالب المستهلك عند تطوير أي قانون في هذا المجال، و تمكين الجمعيات من و ضع أنظمة لمراجعة ومقارنة السلع ، وإشراكها في وضع المعاير والآليات المتعلقة بالوقاية . وتضيف العصبة أن تطور الاستهلاك أفرز ظهور عقود محررة مسبقا لا تترك للمشتري أي مجال للنقاش، حيث يقبل مرغما بمضمونها حتى وإن كان يتعارض مع مصالحه . وهذا الوضع يجب تصحيحه من خلال تحقيق التوازن القانوني من الناحية التعاقدية، كما يجب أن تكون النصوص التي تنظم الجودة وسلامة المواد الاستهلاكية ومختلف الخدمات، واضحة ومفهومة ومعروفة لدى المستهلكين ، وهو ما يمكن تضمينه في مدونة الاستهلاك .