تأتي أخبار حزينة من لبنان بخصوص مستقبل الصحافة و خاصة الورقية منها، فقد شيع القراء رسميا قبل نهاية السنة جريدة "السفير" بعد 42 سنة من العطاء والحضور في ساحة إعلامية كانت دائما نموذجا في العالم العربي، و لأن الكوارث لا تأتي منفردة، فإن الأخبار القادمة من بيروت تكشف أن مدرسة أخرى ربما قد تعرف نفس مصير "السفير"، حيث تواجه جريدة "النهار" صعوبات حقيقية، فبعد العجز عن عدم صرف أجور المحررين لازيد من سنة، هاهي إدارة "النهار" تقرر تسريح 70 محررا من مختلف الأقسام. بلا شك يعيش عالم الصحف الورقية على وقع رحيل صحف ومجلات ورقية بعد سنوات من العطاء، قبل أربع سنوات أقفلت مجلة نيويورك تايمز وتحولت إلى النت، وقبل أشهر أقفلت الأندبندنت وتحولت أيضا إلى النت، وكذلك فعلت السفير اللبنانية، نفس المصير ينتظر منابر إعلامية أخرى… وفي المغرب تحولت صحيفة "التجديد" من يومية إلى أسبوعية؛ وكل الصحف لها نسخ إلكترونية.. بصفة عامة هناك أزمة حقيقية تعرفها الصحافة الورقية. الأكيد أن الأزمة ستتواصل وهذا ما يؤكده الصحفي الفرنسي "برنار بوليه" في كتابه "نهاية الصحف ومستقبل الإعلام"، تنبأ فيه بتغييرات جوهرية ستهم الصحف الورقية نتيجة تراجع موارد الإشهار التي تبحث عن وسائط أخرى أكثر قربا من المستهلكين، حيث اعتبر "بوليه" أن الأمر لا يتعلق بأزمة ظرفية وعابرة، بل الأمر يتجاوز ذلك إلى أزمة بنيوية تكشف عن نهاية مرحلة من صناعة النشر والإعلام والحاجة إلى بدائل جديدة. قد لا تكون هذه النهاية قدرا حتميا، فالنقاش حول صراع الوجود بين وسائل الإعلام تكررت عبر التاريخ المعاصر، حيث أن ظهور الإذاعات لم يستطع أن ينهي عهد الصحف، وظهور التلفزة لم يستطع أن ينهي حضور الإذاعات، كما أن ظهور الكتب الإلكترونية لم يستطع أن ينهي عهد الكتاب المطبوع، وكذلك الأمر بين المواقع الإلكترونية والصحف الورقية..فالتطور والإستمرارية إرتبطت بتوظيف المستجدات التكنلوجية بشكل أكثر مردودية، هذه المستجدات المتسارعة تجعل من الصعوبة بمكان توقع المستقبل، حيث الصفة الغالبة اليوم هي سرعة تغير الوسائط والأشكال. لكن الاقتصادي الأمريكي "جريمي ريفكن"، يؤكد أن للأمر طابع بنيوي، فالاقتصاد يسير إلى ما يسميه ريفكن "بالتكلفة الصفرية"، وهو ما يتحقق اليوم عبر الإعلام الإلكتروني المجاني أو شبه المجاني، حيث يعتبر أن الصناعة الإعلامية، هي أول القطاعات التي دخلت عصر التكلفة الصفرية، وأن هذا الواقع سيمتد إلى صناعات أخرى مع التطور الهائل الذي تعرفه التكنلوجيا، والذي سيغير بصفة كلية طبيعة العلاقات الإنسانية. الحديث أيضا عن الصحافة الورقية، مرتبط بأجيال معينة لها تقاليد في القراءة، حيث تظهر هنا أيضا الجوانب النفسية لتعلق الناس بقراءة كل ما هو ورقي، في مقابل أجيال أخرى، خاصة التي تزامن ميلادها مع ظهور اللوحات الالكترونية والهواتف الذكية، والتي لا تملك تقاليد ما هو ورقي، وهو ما يعني أن عملية التحول من المكتوب إلى الإلكتروني، لا ترتبط بالضرورة بالتحولات المرتبطة بالمعلنين، وضعف الموارد المالية للصحف الورقية، ولكن بشكل أساسي بدخول أجيال جديدة..برؤية جديدة وإنتظارات جديدة بحاجة طبيعية لإعلام جديد. قد يكون أمل الصحف الورقية مستقبلا هو في الأجيال التي لازالت لها إرتباطات عاطفية بماهو ورقي، لكنها أجيال على كل حال تسير في إتجاه الانخفاض ولولا تحسن أمد الحياة في عدد كبير من بقاع العالم لكانت النهاية قريبة. في المغرب يثار قبل سنوات مستقبل الصحافة الحزبية، علما أن المخاطر التي تتهدد الاعلام الورقي تتجاوز ما هو حزبي وتهم أيضا صحافة القطاع الخاص، وحجم المبيعات المعلن عنها، توضح أن "صمود" عدد من وسائل الاعلام الورقية التابعة للقطاع الخاص، وبالنظر إلى تكاليف نشرها، مقارنة مع مداخيلها..لا تعود لإقبال القراء عليها، ولكن في مصادر تمويلها التي تحوم حولها أسرار كثيرة..قد لا تساعد في فهم جيد لمستقبل الصحف الورقية ببلادنا… ولعل الأرقام الأخيرة حول إنتشار الصحف، تكفي لتقديم الدليل على أن تراجع مبيعات الصحف في المغرب يشكل حالة عامة.