بنعيسى بوحمالة نزل مؤخرا إلى السوق الثقافية، في تزامن مع الدورة الخامسة عشرة لمعرض الدارالبيضاء الدولي للنشر و الكتاب، كتاب نقدي هامّ من تأليف الناقد و المترجم بنعيسى بوحمالة، يحمل عنوان (أيتام سومر في شعرية حسب الشيخ جعفر) يتناول على نحو معمّق و مستفيض، مستسعفا أدوات مستحدثة في تحليل الخطاب الشعري و تأويله، التجربة المميّزة للشاعر العراقي حسب الشيخ جعفر، أحد أبرز الأصوات الشعرية في جيل الستينيات العراقي. يقع الكتاب في جزء ين (الجزء الأول في 224 صفحة و الثاني في 431 صفحة) و هو من منشورات دار توبقال المغربية، و فيما يلي الكلمة التعريفيّة بهذا المشروع النقدي و التي يأويها ظهر الغلاف: (أيتام سومر.. لربّما هو النّعت الأوفى تشخيصا لهوية جيل الستينيات في الشعر العراقي المعاصر. و لعلّه يتم مركّب في حالة شعرائه: يتمهم في سومر.. مسقط رأسهم الحضاري العريق.. سومر تلك الالتماعة الحضارية الراقية في سديم العالم القديم، و يتمهم في بدر شاكر السياب.. أبيهم الشعري الرمزي و رأس الحربة في شعرية الرّيادة.. هم الذين لم يتورّعوا عن الفتك بمنجزه، و ضمنيا بكامل تراث الرّيادة، و إزاحته، بالتالي، من طريقهم الشّاقة نحو الحرية.. صوب القصيدة.. جيل شعري قدير، نابه، و طليعي سوف ينفرز عنه عراق ستينات القرن الماضي فكان أن اعتنق مبدأ التجريب و صمّم على إعمال قطيعة جذرية مع السائد الشعري مجترحا، من داخل يتمه المركّب هذا، جملة من الإبدالات الكتابية المتقدمة و المنتجة التي ستكون لها مفاعيلها الملموسة في القصيدة العربية المعاصرة.. جيل يذكّرنا، بناء على سيرته و نشاطيّته، بأبرز الأجيال الشعرية التي تمخّضت عنها الحداثة الغربية: جيل التعبيريين الألمان، جيل المستقبليين الروس، جيل 27 الإسباني، جيل البيت الأمريكي.. إذ هو يتمتّع بنفس جدارتها الإبداعية و الثقافية و يقاسمها، و ياللمطابقة، مآلها المأساوي الذريع أو، بالأحرى، لعنتها.. إن الكتاب ليضعنا في صورة هذه السيرة و تلك النشاطيّة من خلال التجربة الشعرية لحسب الشيخ جعفر، أحد ألمع شعراء الجيل و أكثرهم عمقا و حيويّة.. شاعر أمدّ الشعرية العربية المعاصرة، و منذ وقت مبكّر، بجماليات فارقة في البناء الشعري، كالتدوير الإيقاعي و تقنية الحكي الشعري و الإيهام الحلمي..؛ و كذا أسطرة الوقائع و التوضّعات، و الصدور عن رؤيا أورفية للعالم.. الرؤيا الأدقّ تعبيرا عن جوهر الكتابة الشعرية و الأبلغ ترميزا لمفارقيّتها المحيّرة و الجاذبة في آن معا.. لكن و فرضيات الكتاب تنبني، في المقام الأول، على أعمال و دراسات الباحث الأمريكي مايكل ريفاتير المتمحورة حول الدّالية، كمفهوم يعنى بتوصيف و نمذجة السيرورة التكوينيّة المتنامية التي تمرّ بها القصائد المفردة أو المتون الشعرية العريضة و هي تنضج، على أكثر من صعيد، نواتها الصلبة الأصلية.. فإن هذا الاختيار المنهجي لسوف يخفره نوع من الانفتاح إزاء مظانّ مرجعية أخرى عديدة، لسانية و سيميائية و أسلوبية.. رديفة، مسعفة، ما في ذلك شك، على استغوار هذه التجربة و استكشاف إوالياتها البنائية و دينامياتها التخيّلية علاوة على محفّزها الرؤياوي.. و أيضا بإزاء ذخيرة من الكتابات و الوثائق التاريخية و الأدبية و الأسطورية و الفنية و الفلسفية و الأنثروبولوجية و التحلينفسية.. المؤهلة لإدنائنا من تمظهراتها النصّية العيانية و من لاوعيها الشعري المضمر سواء بسواء.. و إذن فهو، أي الكتاب، يسعى، إن شئنا، إلى قراءة تجربة حسب الشيخ جعفر، كممثّل لجيل شعري مائز، قراءة فاحصة، مسائلة، و فاعلة.. علميّة، بالأولى، غير أن هذا لا يمنعها من التحلّي بأخلاقيات الإنصات، المحبّة، و التفاعل لأنها، أي القراءة، تبقى معنية، و عن الآخر، بانتواءات هذه التجربة و رهاناتها القصيّة..).