مساء الجمعة السادس من يوليوز، بين جنبات الشجر و في أحضان أغراس الورد،التف جمع من عشاق الكلمة و المحترقين بجمر الثقافة و الإبداع،حيث استضاف بهو دار الطالبة بسوق أربعاء الغرب حفل تخليد الذكرى الحادية عشرة لرحيل الكاتب المغربي الكبير محمد زفزاف. ارتأت جمعية زفزاف للتنمية والثقافة والإبداع أن تدع الشعر يصدح في سماء المدينة عبر أمسية شعرية بالموازاة مع حفل توقيع ديوان "لوحات بلون الحرف" للشاعر والتشكيلي الصموت الرقيق "نور الدين برحمة" الذي مازج في متونه بين لوحات التشكيل بفن الكلمات و صور الشعر القلق الحائر الثائر في طياته وثناياه. في البدء مدت الجمعية يد الافتتاح إلى جمهورها الكريم بكلمة ترحيبية نوه من خلالها الكاتب العام" بوسلهام الفراع" بكل الداعمين و المساندين الدين كان لهم فضل تحقيق هدا الاحتفال، الذي حرك صمت الشأن الثقافي بالمدينة وعرف المثقفين إلى الشاعر وديوان لوحاته، معرجا على تثمين وإبراز قيمة تخليد هده الذكرى التي من شأنها ترسخ القيمة الأدبية للراحل" محمد زفزاف" عبر قادم الأجيال. وحتى يتواصل و يتجاوب مع جمهوره أكثر، كانت الفرصة للشاعر المحتفى به في تقديم و عرض أهم خصائص الكتابة الشعرية التي يشتغل و ينكب عليها في مرسمه ومختبر إبداعه، مصمما على تكسير قواعد و أنماط الكتابة الغارقة في عبادة الموروث، هو الشاعر الباحث، المثابر على سبر الفلسفة و الغوص في صوفية الواقع ليعيش بين ميمنة القلق و ميسرة التحدي في معركة الإبداع. "عبد الحميد الراتي" ، القاص و الشاعر الأربعائي تناول الكلمة واضعا كاشف الإبداع والملاحظة ليجس به نبض الديوان ويستجلي مكنوناته الخبيئة بين تلافيف اللغة العميقة الغائرة جرحا في الخواء الواقعي، هدا الخواء الذي استعصى التعبيرُ عنه و فرت الكلمات من بذاءته ورداءته. و الشمس تتوارى يأخذ مكانها القمر متسللا عبر حفيف الشجر من وراء أطلا الكاتدرائية الكولونيالية، بدأت منزلة الشعر تتجلى و صار الجمع في حضرة القصيد ينسكب من الذوات الملتاعة المسكونة بجنون الأشعار. في البدء كان" برحمة" عريس الليلة عبر قصيدته و افتتاحية ديوان لوحاته : "رقصة الألم"، التي دق عبرها ناقوس الأسئلة الوجودية التي تحدد مصائر الإنسان. "يونس المرنيسي" الشاعر الشاب عاشق الأندلس تغنى بالحبيبة، في صريمتها وقطيعتها، ليعبر بدلك إلى بكاء الوطن في ضيعته وبكاء الأسلاف، ليختم مشاركته بالوقوف إكراما واحتراما للسيدة الأم في مقامها العالي النائي. و من مدينة القنيطرة جاءت الشاعرة الكبيرة المقتدرة" خدوج الساكت" ،التي أثثت فضاء الأمسية بلغتها القرشية القحة، الساكت بكت "حلالة" التي قصوا جناح حلمها والبسوها الضياع، غير غافلة استحضار الوطن تيمة رئيسة في متن إبداعها. وبدوره" يوسف بالعادل" جاء من الحوافات، شد رحله تلبية لنداء الشعر. هدا الشاعر الذي جرد الوطن من ثوب المواراة والمواربة، واضعا إياه أمام مرآة الحقيقة الجارحة الواضحة. ولأنه الشاعر الرومانسي الوديع فقد عاتب الحبيبة وانتظر طويلا إيابها وقد طواها الهجر والذهاب. قادما من طنجة عروس الشمال. أطلق الشاعر الواعد" محمد برهون" قصيدته " الرصاصة" في سماء الوطن المغتال. رصاصة صوبها في العلن غضبا زؤاما وثورة ضد من جعلوا الناس يصفقون كرها بعد أن حددوا لهم حجم الحلم، وأطلقوهم سكارى في هدا الخراب. التشكيلي والشاعر "فؤاد العنيز" وقع مشاركته من خلال قصيدة كتبها احتفالا بصديقه المحتفى به في هده الأمسية، فاختارها إهداء و تذكارا لصديقه في محنة الألوان.ولأنه مسكون بلوعة اشتعال الشعر و مجتاح بلعنته فقد ارتقى المنبر الشاعر "عبد الحميد الراتي"، الذي أرهف له الحضور السمعَ و أعلن له طاعة الإصغاء. كانت الكلمة الأخيرة للشاعر المحتفى به ليرسم بدلك آخر لوحة من معرض أشعاره وقصائده الملونة بالحرف. وقد تزين فضاء بهو دار الطالبة بمعرض تشكيلي ضم لوحات لشباب نادي الفرشاة الذهبية وكذلك لبعض رواد الفن التشكيلي : إدريس ماطو، فؤاد العنيز،وعريس ليلته نور الدين برحمة و الفنانة القنيطرية المتميزة" سميرة بوحميدة". وفي مختتم هده الاحتفالية توجت الجمعية كل المشاركين بشواهد تقديرية اعترافا بجميلهم وإسهامهم في رسم هده اللوحة الجمالية الجمعية. بهده الألوان الزاهية تكون مدينة سوق أربعاء الغرب قد توشحت برداء الإبداع وغنت لبهاء الفن والثقافة في ليل الرماد الطويل.