قاربت السينما المغربية الأدب المغربي والعالمي واقتبست منهما بعض الروايات والقصص ومن بين هذه الأعمال السينمائية، أفلام "عرس الدم" (1977) لسهيل بن بركة" عن مسرحية للوركا ، و"حلاق درب الفقراء " (1982) لمحمد الركاب عن مسرحية بنفس الإسم ليوسف فاضل ، و"صلاة الغائب" (1991) لحميد بناني عن رواية للطاهر بن جلون بنفس الإسم، و"جارات أبي موسى" عن رواية بنفس الإسم لأحمد التوفيق، و"خوانيتا بنت طنجة" (2005) لفريدة بليزيد عن رواية للكاتب الإسباني أنخيل فاسكيس، و"الرجل الذي باع العالم" (2009) لسهيل وعماد نوري عن قصة "قلب ضعيف" لدوستويفسكي، و"درب مولاي الشريف،الغرفة السوداء" (2003) لحسن بن جلون عن رواية"الغرفة السوداء" لجواد مديدش ، و"خيل الله"(2012) لنبيل عيوش عن رواية "نجوم سيدي مومن" لماحي بنبين... الملاحظتان اللتان تفرضان نفسهما هنا هي أن تعامل السينما مع الأدب المغربي كانت محتشمة وأن أغلب الإقتباسات كانت لأعمال أدبية عالمية. وثانيهما والتي سنتناولها بالتحليل في هذا المقال ،أن هناك تشابها بين بعض الأفلام المغربية الحديثة وبعض الأعمال الأدبية المغربية دون أن نجد إشارة في "جنيريكها" كونها مأخوذة من هذه الأعمال، وذلك من خلال قراءة مقارنة بين فيلم "براق" لمحمد مفتكر ورواية "طفل الرمال" للطاهر بن جلون . إذ قد يكون محمد مفتكر إستوحى أهم خطوط شخصيته الرئيسية النفسية والدرامية في فيلمه "براق" (2010) من الشخصية الرئيسة لرواية "طفل الرمال" للطاهر بن جلون ، نظرا لتواجد عدة ملامح مشتركة بين الشخصيتين وتعدد أوجه الشبه بينهما بل إننا نجد أحداثا بعينها موجودة في الرواية وتتكرر في الفيلم كإصرار الأب على تربية ابنته كطفل ذكر واعتبارها كذلك بعد أن رزق ببنات قبلها، ثم بعد بلوغها سن المراهقة وبروز ثدييها الصغيرين تحاول أمها ربطهما حتى لا يظهرا للعيان... إضافة إلى أفكار موجودة بالرواية تمت صياغتها في الفيلم بشكل مختلف ، يتماشى مع الخطاب الفيلمي الذي يرتكز على الصورة أكثر من تداعي الأفكار الذي إلتجأ إليه الطاهر بن جلون في روايته ، وذلك لتناول فكرة الفصام أو ازدواجية شخصية البطلة، ففي حين إلتجأ بن جلون إلى الحوار الداخلي وتداعي الأفكار والرسائل، تناول مفتكر نفس الفكرة بخلقه لفضاء غرائبي غير موجود بالرواية عبارة عن مستشفى للأمراض النفسية والعقلية، "إكتشفت" فيه البطلة نفسها كشخصية أخرى (طبيبة نفسية) مقابل شخصيتها الأساسية المريضة، بحيث تتحاور الشخصيتان وتتصارعان وتتناوبان في الظهور والإختفاء... وهذه بعض مقاطع من رواية "طفل الرمال" موجودة كما هي في فيلم "براق"، وكأننا بمقاطع من سيناريو الفيلم : - "كان يحمل بين كتفيه وعلى وجهه كل فحولة العالم وقد أحس بنفسه وهو الكهل الخمسيني خفيفا مثل أحد الشبان. نسي -أو ربما تظاهر بذلك – بأنه رتب كل شيء . لقد رأى أنثى ما في ذلك شك ، لكنه إعتقد جازما بأنها ولد"1 - "كانت قلقة على صدري الذي كانت تضمده بكتان أبيض ، فكانت تشد لفائف الثوب الرقيق بقوة توشك على خنقي . كان لا بد من منع النهدين من الظهور"(ص24). - وأيضا "كانت لفافة الثوب التي تربط صدري تضغط علي باستمرار" (الصفحة25). *وفيما يخص علاقة الأب وابنته : - "هل هو صوتي أم صوت الأب الذي قد يكون نفخه في(...) تارة اتبناه، وأرفضه تارة أخرى، أعرف أنه قناعي الأكثر شفافية واكتمالا" (ص29). *الخيل والجنس : - وبخصوص الخيل الحاضرة بقوة في الفيلم وإيحاءاتها الرمزية والجنسية بالخصوص نقرأ في الصفحة 38 من الرواية : "أمكث بين يدي جسدي المتألمتين ، وأنزل إلى ماهو أعمق كما لو كنت أبغي الفرار . أنزلق في أحد الأخاديد وأحب رائحة هذا الوادي. أهب مذعورا على صهيل الفرس التي أرسلها الغائب ، فرس بيضاء وأنا أخفي عيني ، ينفتح جسدي تدريجيا على شهوتي . أمسك بيده ، فيقاوم .تركض الفرس . أنام تحضنني ذراعاي".. ولا يخفى هنا ربط الفرس بلحظة الشهوة واللذة الجنسية القصوى في هذا المقطع من رواية "طفل الرمال" والذي نجد له مقابلا له في فيلم "براق" خصوصا في المشهد التي تظل الطفلة/ المراهقة مبهورة أمام عضو الفرس المنتصب قبل أن ينبهها أبوها، وكأنها ترى فيه إضافة إلى شهوة الأنثى المكبوتة فيها حيال الذكر ذلك الشيء الذي ينقصها لكي تصبح ذكرا حقيقيا وليس كما يريدها أبوها كذكر "مزور". *أسطورة "سدي مول العود" أو الزعيم القاسي القلب : إضافة إلى التوظيف الجيد لخرافة أو أسطورة "سيدي مول العود(الفرس)" ، إذ نقرأ في الصفحة 54 وفي بداية الفصل المعنون ب"تمرد في منتهى التصميم" حكاية فارس وزعيم عاش أواخر القرن الماضي (يعني القرن 19 ) ، هي أشبه ماتكون بأسطورة أو خرافة "سيدي مول العود" في فيلم "براق" التي يقول عنها مخرج الفيلم محمد مفتكر "هناك شخصية بهذا الإسم في التراث البربري لكن قصتها ليست بالشكل الذي حكيته في الفيلم، كان ربما قائدا عُرف بشجاعته، وكان يتقلد دائما حصانه ، وكاد أن يصير مقدسا بعد أن وجد مجموعة من القبائل حوله..."* .وفي الرواية نقرأ في الصفحة 54 : "كان زعيما قاسي القلب...سارت بأخباره الركبان . كان يقود رجاله دون أن يصيح أو يتحرك(...) باختصار كان رجلا نموذجيا ذا شجاعة أسطورية...".. وبعد موته شيدوا له ضريحا في مكان موته لكنه سيكتشفون أنه كان امرأة في ثياب رجل فيدفن في ضريح ويصبح مزار لولي أو لولية "إنه مزار التيه، المزار الذي يوقره الآبقون، أولائك الذين يهجرون منازلهم مختمرين بالشك ، ملتمسين وجه الحقيقة الباطني...". أما بخصوص إغتصاب الأب لابنته في الفيلم والذي قد يظل ربما اغتصابا رمزيا كونه فرض عليها تقمص شخصية ذكورية رغما عنها، رغم أننا نرى ما يوحي بهذا الإغتصاب في الفيلم. أما في الرواية فنقرأ بهذا الخصوص على لسان الشخصية الرئيسية : "...وقد جريت بعجيزتي الدامية، جريت وأنا أنتحب إلى غابة بمخرج المدينة ، كنت صغيرا ، وكنت أحس بأن عضو أبي الهائل يلاحقني، وقد أدركني وأعادني إلى الدار"..طبعا كما في الفيلم في الرواية أيضا قد يكون الإغتصاب فعليا أو رمزيا، لكنه "اغتصاب" على كل حال لحياة كاملة. على العموم رغم أن الفيلم والرواية بينهما نقط التقاء لكن بينهما أيضا نقط اختلاف أيضا ، ربما أن الفكرة الرئيسية موجودة في الفيلم كما في الرواية، لكن الأفكار المتفرعة عنها وطريقة وشكل تناولها في كلا العملين السينمائي والأدبي تظل مختلفة... *إزدواجة الشخصية أو الإنفصام في "طفل الرمال" و "براق" : في الفيلم لا نكتشف هذه الإزدراجية أو هذا الإنفصام إلا في آخر الفيلم رغم أن كل معطياتها تظل مبثوثة طيلة لحظات الفيلم بين ثناياه و مشاهده، تضطرنا لإعادة مشاهدته حتى نربط بينها وبين النهاية الصادمة والموغلة في اللامعقول أو التي تبدو كذلك لأول وهلة، هذه النهاية التي تجعلنا نعيد اقتفاء أثر الطبيبة إنطلاقا من البداية علنا نكتشف أثرا لما فاجأنا به المخرج في النهاية من أنها ليست سوى الفتاة/ الفتى نفسها. - أما في "طفل الرمال" فنجد نفس الفكرة مبثوثة في ثنايا الرواية، ومن بين المقاطع التي تشير إليها نقرأ عن الفتاة التي أصبحت رجلا ناضجا حائرا في نفسه وجنسه في الصفحة 39 : "أيكون قد عمد في ازوائه إلى مكاتبة نفسه..." ، ثم وفي نفس الصفحة "أنا نفسي لست من أكون أنا هذه الشخصية وربما الشخصية الأخرى..." ، وفي الصفحة 38 "أعرف هذا لأن حياتي في جهَتَي المرآة معا".. وفي الصفحة 30 نقرأ "أنا المهندس والبناية، الشجرة والنسغ، نفسي وشخص آخر، نفسي وامرأة أخرى". وحول الرسائل التي تأتيه/تأتيها، وأن البطل / البطلة قد يكون كَاتَبَ نفسه ، نقرأ في نجوى وتداعيات أفكار الشخصية الرئيسية في الصفحة 39 : "هل هي من مراسل أم مراسلة مجهولة ؟ أم أنها متخيلة ؟ أيكون قد عمد في انزوائه إلى مكاتبة نفسه ؟...". وفي رده / ردها على الرسالة الأولى الضائعة نقر في نفس الصفحة : "هكذا ستكون الحياة هي عقابي ! لم تدهشني رسالتك . خمنت كيف تمكنت من الحصول على تفاصيل حياتي الحميمية الخاصة. أنت تتعلق بالغياب، أو بغلطة ، أنا نفسي لست من أكون ، أنا هذه الشخصية وربما الشخصية الأخرى! إلا أن الطريقة التي تتسلل بها إلى هذه الأسئلة والتهور الذي تتدخل به في حلمي يجعلان منك شريكا في كل ما يمكن أن أرتكبه وأسببه من بلايا." ومن خلال هذه الرسائل يتبين لنا أنها رغم بعض الغموض الجميل الذي يعتري أسطُرها والذي مبعثه كونها "متبادلة" بين شخصين لا يلتقيان كما نقرأ في مقطع من إحدى تلك الرسائل على لسان إحداها "ربما أنني لا أملك الوقت لزيارتك مباشرة...". على العموم رغم أن الفيلم والرواية بينهما نقط التقاء لكن بينهما أيضا نقط اختلاف أيضا ، ربما أن الفكرة الرئيسية موجودة في الفيلم كما في الرواية، لكن الأفكار المتفرعة عنها وطريقة وشكل تناولها في كلا العملين السينمائي والأدبي تظل مختلفة...