في قصة "نساء وطين"/ص63 يشير السارد على لسان امرأة "أن لكل منا حكاية يحكيها كيف أراد"، هو نفسه يبحث عن رائحة التراب إذ تسعفه ناصية الحكي على تلمس ملامح "الوطن"، وهنا لا يهم الطريقة سواء عبر التلاعب بالألفاظ أو التلفظ بجمل ناقصة فالجميع يلهث وراء تلك الرائحة. تلك إحدى سمات القصة عند القاص مصطفى الدقاري {أستاذ اللغة العربية والثقافة العربية الإسلامية في جامعة بايون بفرنسا} في مجموعته القصصية " خيط رفيع" والصادرة ضمن سلسلة الضفة الأخرى التي تهتم بأدب المهجر. وتصدر بشراكة بين دار القرويين ومنشورات مجلة أجراس الثقافية بالمغرب. يحمل غلاف الرواية لوحة للفنان الهييتي لوفوي إكسيل. وتتألف المجموعة من ستة عشرة قصة تترصد "خيطا رفيعا" يستعيد من خلاله صورا غابت للذين رحلوا، "لم يبق منهم إلا بعض الصور الباهتة صور حقيقية وأخرى ذهنية"، عن هذا الغياب يشيد السارد تفاصيل ّ"التذكر" من خلال شخصية واحدة بنفس الملامح والسمات تحاول عبثا أن تترصد حكايات "أغرب من الغراب"/قصة انفلات، ص5. أو عبر استعادتهم ولو من خلال صور متشظية/ قصة "تلك الصورة،ص19، أو من خلال "خيط هلامي" يعبر إليهم/قصة "خيوط صفراء"،ص29. القصة "أشبه بالشرفة"/قصة "مايشبه الهلوسة"، ص55 إذ تتحول الى "محراب سردي" يجمع من خلاله السارد تفاصيل أناس وشخوص تائهة أو رحلت أو تسكن بعيدا في الذاكرة. ولعله التيه الذي لزم قصص المجموعة ككل في التقاطها التفاصيل وفي بحثها المضمر عمن يكون "موضوعا" للحكاية، حتى أن السارد يضطر للجوء الى الأطفال حيث يرسمون ملامح خاصة لحكيهم. مجموعة القاص مصطفى الدقاري "خيط رفيع" جامعها الحنين، والحكي هنا خيط تتلبس به ذات السارد كي تستعيد جزءا من الماضي. هي تفاصيل تقتصد في استعادة أوجه الحنين كي تعيدنا الى أسئلة الكتابة "من الضفة الأخرى" حيث سؤال الهوية والمنفى. وهو ما يضيف ألقا خاصا لخاصيات الكتابة القصصية، رغم أن قصص المجموعة ككل لا تدعي فتوحات في هذا الباب، فجل القصص تحافظ على البناء العام المؤطر للقصة القصيرة. "لو فقط أنعم بالنسيان"/قصة "من ينسى"،ص61،. هكذا يظل حنين السارد جارفا يحاول قدر الإمكان إعادة بناء صور "حقيقية أو ذهنية" باهتة أو مكتملة" لكنه يصر على إعادة بناء صورة الماضي العائلة، الوطن، ذاته. جميعها مرتبة في صندوقه "المعدني الصغير" وهنا يتحول الحنين الى مطية للحكي. حكي مايراه السارد ملائما كي يظل مترصدا "لتلك الرائحة" لعلها تسعفه في الصمت. خصوصا مع إحساسه المثير بالفقدان والتشظي وهو هناك في "الضفة الأخرى" حيث لا يمكنه الحياة دون ذاكرة وحنين. وهو ما يشي بتحول سؤال الكتابة القصصية لدى القاص مصطفى الدقاري الى سؤال وجودي وصدى للهوية المفتقدة وبديل عن اغترابه المضاعف، إذ لا يملك في النهاية إلا القصة والحكي كبديل ليقظة الذاكرة وحيويتها. عموما تظل الكتابات المغربية في "المهجر" تثير دائما بحيوية أسئلتها، وبرؤاها وبالصيغ التي تطرحها في برامجها السردية والشعرية والروائية. في النهاية، عملية الاسترجاعات المتواصلة هي جزء من استعادة "الراهن" كي يوطد من خلاله علاقته بالوجود وكي يصبح لراهنه جدوى في أن يعيش من خلال "القصة" حياة قابلة للاستمرار. بهذا العمق الوجودي يحولنا سارد "خيط رفيع" 16 نصا قصصيا مجتمعا في مجموعة هي البيت الذي يراه لائقا لشرفاته وصور من ألبوم الحياة.