و أنت تدخل البيت الشفشاوني العتيق لابد و ان تصادف, أو تتعثر بمقامات صوفية تعزف على وتر واحد قائم على قضية الجمال الصوفي, وتمارس بدعة واحدة و حيدة هي بدعة الزرقة المقدسة العابقة بالتاريخ و الألفة.. لتسافر بنا نحو أندلس.. تسكننا و لا نسكنها فنعانق من خلالها وطنا فريدا في انزياحاته الصوفية يمتد ما بين الماء و القلب.. مقامات صوفية تأخذ شكل مونولوغ بصيغة المفرد المزدوج في ذاته..مقامات تنفجر فجأة لتكسر خلوتك التعبدية فتحيل هذا البيت مسرحا طافحا بفلسفة الفوضى الملونة تأسرك لتوحي لك أيها الزائر/الرسول بأنّ : " الجمال نافذة -على- الله" مقام الظل و الضوء: قال تعالى (( أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا (*) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا )) الفرقان 46.45 الضوء والظل في صراع أنيق حول امتلاك المساحة.. حول من يسمي الشمس أماً له.. حول الزمن الكامن في عروقهما.. يغزو الظل آيات العشق المنبثقة من الضوء فيما يرد هذا الأخير بانتهاك عذرية المكان كل ذات شروق موغلا في استباحة مناطق الظل في فطرتها الأولى.., أيها الضوء النبي.. يا مولاي الظل.. نحتار فيمن منكما يروض أجنحة الأخر لكي لا تسافر إلا إليه.. نحتار فيمن منكما المراد و من منكما المريد..ف " المريد يسير و المراد يطير, فمتى يلحق السائر بالطائر..؟" (1) ذات بوح خفي همست غادة الحسين: الظل ما نحياه و ظل الظل ما نراه و الضوء ما هو إلا ظل متثائب
مقام اللون و الشكل: تحيي الأسئلة ليلة صوفية في حضرة الشكل و اللون لتتوج أحدهما سلطانا للعاشقين.., هل عجن الشكل\اللغة بكل انحرافاته و انكساراته, بلونه\الصوت ثم استحال عشقا سرمديا في طبيعته الأولى ؟ : أموت و ما ماتت إليك صبابتي ...... ولا رويت من صدف حبك أوطاري مناي المنى كل المنى انت لي منى ..... وأنت الغني كل الغنى عند اقصاري..(2) يهمس الشكل مقرا : الزرقةٌ.. ِوردي الذي أكتبه و عطري مما أتوسله.. أم هل صب اللون\الروح في قالبه الأول الشكل\الجسد ليستحيل كائنا مسبحا بعظمة الخالق.. متلذذا بمنابع الإحتراق و الإشتياق..؟ يا معطشي بوصال أنت واهبه ..... هل فيك لي راحة إن صحت وا عطشي..(3) يجيب اللون: أشكالي صلواتي التي أضيق فيها لأتسع أكثر بها فأنقص من وجودي فيها أكتمل بها....
هكذا تتوالى الأسئلة فيما سلطة الزرقة بتدرجاتها تعلن نفسها عنوانا واحدا و كأنها عباءة (دربالة) صوفية يلبسها المكان..سلطة تمتلك العين حتى ما عادت تميز ما بين اللون من الشكل فيأخذنا المشهد.. آنذاك إلى عرس الجنة حيث صفاء الأرواح حيث ترتفع الحجب حيث تبدو جلالة الخالق واحدا أحدا صمدا.. و لما صفا قلبي و طابت سريرتي ونادمني صحوي بفتح البصيرةِ شهدت بأن الله مولى الولاية و قد من بالتصريف في كل حالةِ.. (4)
في المقامين معا... : تستكين لعطر المقامين و هيبة صمت المكان ليغازلك ذكر الموحدين في جذبة ربانية.. هٌوَ هُو... هٌوَ هٌو..: هذا عبارة أهل الإنفراد به ذوي المعارف في سر و إعلان هذا وجود وجود الواجدين له بني التجانس أصحابي و خلاني (5) هكذا يتوزع الذاكرون في أجسادهم ليمارسوا سياحة الكون في قصيدة هي غواية زرقاء تحتجب متمنعة لتراها تتعرى لك حين تترفع إلى مقام المريد. الشكل يخترق لونه إلى المالانهاية, و الظل يسقط الغريزة على ضوئه الأصل.. وعلى سبيل الختم.. سلام على شفشاون في ألقها الدائم و طوبى لمن يتنفس عبقها...
1 الجنيد 2 ذو النون المصري 3. سمنون المحب 4. الإمام الجيلاني الحنبلي 5