المنارة المهترئة بملح اللكسوس توقظ شهوة العودة السفن المسكونة بفوبيا الميناء ستنفر حواسها لوليتا اليانعة تعانق الأرصفة الملوثة تهدي حمولتها للسماسرة فيما الرايس سنتياغو يصرخ خوفا من دوبان الثلج شهر أغسطس يجعل من مصب اللوكوس والبحر توأم يعيدان الأمل للبحارة القدامى الأرصفة العالمة لأسماء الأسماك لاشيء يشعرها بالتعب العربات الوجوه الحارس الليلي المتقاعد العسكري النشالون لوليتا تنتظر كل مساء ابتسامة البحر وحكمة الرايس سانتياغو وهو يخوض حروبه المعهودة: ضد الضباب والريح والأمواج الكونياك .. هو الأقرب إلى ذوقه يحب باستمرار الانتشاء من أجل عيون لوليتا فيما خوليو اغليسياس يدفع بصوته السفينة بعيدا ... لم تعد لوليتا منذ أكثر من يومين زوجات البحارة الشرطي السمين مدمني 96 المعتادين على هبات سنتياغو يتحلون بالصبر أهلا في رؤية خطوط النوارس الوفية لعطر لوليتا اليانعة في هذه القصيدة لاتظهر صورة الذات إلا بواسطة صورة المكان، ولا تكتسب صورة المكان شعريتها إلا لكونها تفصح عن صورة الدال. بهذا تتخلى الذات عن تقديم صورتها إلى تقديم المكان بوصفه المجسد لصورتها التخيلية. مجمل المؤشرات المكانية: (المنارة المهترئة، الليكسوس، السفن، الميناء، الأرصفة، مصب اللوكوس، البحر...) موظفة توظيفا جيدا للتدليل على ذات الشاعر، أشبه بسينوغرافيا طبيعيه... يتفجر البحر وهو المكان الرئيس في القصيدة والتي تتجمع حوله باقي التفاصيل بتناقضاته وأضداده، ومرد ذلك لكون الشاعر قلقا بأسئلته، غير متصالح مع واقعه مصارعا ومجابها للضغوط والانسحاق الذي تواجهه الذات بوصفها كينونة فردية، إذن فيما يخص تجربة «المعنى» عند العناز فهو في هذه القصيدة سيعيد شعريا سير الأمكنة في تقاطعها مع ذات الشاعر، الذات القلقة الباحثة عن الاطمئنان الهارب، ولهذا يحاول الشاعر نسج علاقات نوستالجية مع مكانه الأول حيث كانت الذات في شرنقتها الأولى. راهن الشاعر على جعل المكان جزءا من الذات لا موضوعا يتحدث عنه من الخارج حيث تماهى المكان في الرصد الاستنكاري الشامل الذي تندرج في مناخه الأنساق الزمنية والمكانية ضمن عناصر أخرى في وجود موضوعي لا سبيل إلى تجاهل حقيقة أن المكان هو عنصر القوة في رؤية فنية بالغة الألفة والجمال. الشاعر محمد العناز يعمل بوعي، إسوة بجيله من الشعراء على إخراج الشعر من بعض إكراهات القصيدة، إذ يكتب النص، التوجه الذي اختارته الجملة الشعرية عنده كان نوعا من التدفق اللغوي وجعل البناء الفني يميل ألى البساطة، لتبدو الجمل خالية من التزام وزني. في المحصلة نجد محمد العناز شاعرا هادئا متميزا بأسلوبه الإبداعي ومعجمه اللغوي القوي لينثر أريج نصوصه هنا وهناك، ويسجل حضوره في مختلف الملتقيات الأدبية والأمسيات الشعرية.