كان ذلك في العام 1961 عندما تنادى عدد من المثقفين والاكاديميين العرب الفلسطينيين داخل الخط الاخضر لعقد اجتماع عام من اجل التداول حول عقد مؤتمر قطري لهم ، بهدف القيام بدورهم الحقيقي والطليعي، والمشاركة الواسعة والفاعلة في نضالات وكفاحات جماهيرنا العربية الفلسطينية ومعاركها السياسية ضد سياسة الاضطهاد القومي والتمييز العنصري والتجهيل والعدمية القومية ، ودفاعاً عن الديمقراطية ، وفي سبيل الغاء الحكم العسكري البغيض . وحضر هذا الاجتماع في حينه جمع من الشعراء والكتاب والادباء والمثقفين والاكاديميين الفلسطينيين ، وتقرر في ختام اجتماعهم اصدار بيان للرأي العام دفاعاً عن الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير ، وقعه كل من :المحامي حنا نقارة، شكري الخازن، جبراً نقولا، عصام العباسي، حنا ابو حنا، كريم عوض، محمود جربوني ، صليبا خميس ، محمد خاص، علي عاشور، اميل حبيبي، جورج طوبي، احمد توفيق الريناوي ، سلمى الماضي، حسن بشارة، زكي الكرمي، راسم الناشف، محمد الحاج سليم، عبد الرحمن الحاج ابراهيم، عبد الحميد ابو عيطه، محمود الدسوقي، ابراهيم فريد غنايم، بطرس دلة ، حبيب زيدان، احمد الحاج، مطانس مطانس، هاشم شحاده، صبحي الحاج، محمود ابو شنب ، ابراهيم الزيبق، حنا ابراهيم ، بولس بولس، شفيق خوريه، ناجي فرح، لبيب فرح، انور عوض، شحاده حبيب ، طلال بركات، طوني طناس، محمد عبد القادر يونس، بطرس ابو منه، توفيق فرح ، محمود درويش، فوزي احمد ابو بكر، نسيب خالد، معين رباح، الياس جبور، احمد محمد مرعي جبارين، قاسم سعيد ، محمد عبد القادر اغباريه ، بشار معمر، امين قدحه، سالم جبران، ابراهيم مالك، احمد علي طه ، موسى خلف ، انيس ابو حنا، غازي الصالح، سعاد سليم ، نعيم منصور، بشاره فرنسيس، ميشيل جمال، اليف نخله، سهيل داود. وفي التاسع عشر من آذار عام 1961انعقد في قاعة مؤتمر العمال العرب بحيفا ،عروس الكرمل، المؤتمر الاول للمثقفين العرب الفلسطينيين ، وذلك تحت شعار "من اجل الديمقراطية والدفاع عنها" . وتألفت رئاسة المؤتمر من الاساتذة : زكي الكرمي (ام الفحم) مطانس مطانس (ابو سنان) حسن بشارة(الطيره) . ومن الشعراء والادباء : عصام العباسي (حيفا) محمود درويش (الجديده) فرج نور سلمان (عبلين) محمود الدسوقي (الطيبه) حنا ابو حنا(حيفا) بالاضافة الى الصحفي صليبا خميس ، ابراهيم غنايم، احمد توفيق الريناوي، حسني عراقي، هاشم شحاده. وكان افتتح المؤتمر احمد توفيق الريناوي، فاسترض اهداف وغايات المؤتمر ومما قاله:" ان بقايا مظاهر الديمقراطية في البلاد باتت في خطر، اذ يسعى بن غوريون بمساعدة زمرته الحاكمة واجهزة ظلامه الى فرض ديكتاتورية ارهابية عسكرية في البلاد . وقد اوصدت دور السينما والمقاهي والقاعات ابوابها في وجه المثقفين العرب، ولكن هذه الحملة لم تزحزحنا عن ايماننا بشعبنا قيد شعرة ولم تستطع ان تزعزع عزيمتنا على المضي قدماً في طريق الكفاح والنضال . واننا مصممون على مواصلتنا سيرنا في طريق الكفاح ولذا نقول للمضطهدين ان شعارنا "لن نلين". وتحدث بعده في الاجتماع المحامي هاشم شحاده قائلاً: "اننا نؤيد بكل قوانا هذه الحركة المباركة التي قامت بها جماهير الشعب اليهودي ، ولكن يجب ان لا ننسى انه باسم الديمقراطية سنت جميع القوانين العنصرية وانه في ظل هذه الديمقراطية التي تدافع عنها الجماهير اليهودية قاسى شعبنا الامرين من مختلف قوانين الاضطهاد القومي ، لذلك نحن مع الجماهير اليهودية في معركتنا من اجل الدفاع عن الديمقراطية ولكن ندعو هذه الجماهير لتأيدنا من اجل اعادة حقوقنا المسلوبة ". ثم تحدث الاستاذ مطانس مطانس فتطرق الى اوضاع التعليم العربي في ظل الديمقراطية ، منوهاً الى انه لا يمكن ان ينمو الاضطهاد القومي في ظل الديمقراطية. وتكلم ايضاً الاستاذ زكي الكرمي حيث قال :" ان العرب حرموا من الديمقراطية ولم يكن لهم فيها نصيب ، فقد عاشوا وسط الجحيم وكم الافواه داعياً الى تغيير نظام الحكم ليصبح اكثر استجابة لمنطق العقل فيكون في ايدي اناس لا يقامرون لمصلحة الشعب . كما القى الشاعر توفيق زياد كلمة تناول فيها تجربة النضال الفلسطيني ، وتوقف عند معالم هذا الكفاح والنضال ، ومما قاله:" لقد خاض الادباء والشعراء والمثقفون الاحرار المعركة طيلة السنوات الثلاثة عشرة الماضية مسلحين بحبهم الذي لا ينتهي لهذا الشعب الطيب ، بايمانهم العميق بطاقاته الكفاحية الهائلة . لقد ردوا احسن رد جميل الشعب الذي حماهم بصدوره .. لقد ابدعوا اللوحات النابضة بالحياة ولونوها بتضحياتهم فالهبوا حماس الشعب المكافح . وهؤلاء المثقفون الاحرار سيواصلون طريقهم مع الشعب يذودون عنه ويردون كل يد تمتد الى كرامته ومقدساته". كذلك تحدث فرج نور سليمان مؤكداً على طابع المؤتمر غير الحزبي ، وانه ليس شيوعياً ، والشيوعيون اصدقاء الشعب يضحون لاسعاده . وبعد ذلك تحدث حسن بشارة وابراهيم غنايم وحنا ابو حنا وصليبا خميس ، والقى الشعراء محمود درويش وعصام العباسي ومحمود الدسوقي قصائد خاصة بالمناسبة . واتخذ المؤتمر بالاجماع سلسلة من القرارات ، وهي : • يحيي المؤتمر رجال الفكر والمثقفين اليهود دفاعاً عن الديمقراطية ، فالديمقراطية لا تتجزأ ، وكفاح المثقفين اليهود في هذا المضمار هو كفاحنا ونحن نمد ايدي التضامن العازمة اليهم لتكون معركتنا شاملة فعالة ونتوجه اليهم ان يروا المآسي التي ابتلت بها الجماهير العربية ، من فرض الاحكام العسكرية وقوانين الاضطهاد القومي وسلب الاراضي وقيود التنقل.. تعبيراً صارخاً لانتهاك الديمقراطية بحجة الامن – اياها . وان الكفاح الذي يشن دفاعاً عن الديمقراطية في الناحية اليهودية يلتقي اصلاً والكفاح لتحقيق الديمقراطية مع الجماهير العربية بمختلف فئاتها. • يحيي المؤتمر لجنة الطلاب في الجامعة العبرية في القدس للدفاع عن الديمقراطية ، ويرى صدق الأساس الذي قامت عليه ويشمل كل الفئات المدافعة عن الديمقراطية ويدعو اللجنة والطلاب الى ان يروا كفاح الجماهير العربية لتحقيق الديمقراطية جزءاً من معركتهم النبيلة. • يتوجه المؤتمر الى ابناء الشعب العربي من مختلف الاتجاهات والتيارات داعياً اياهم الى توحيد القوى ورص الصفوف في الكفاح من اجل تحقيق الديمقراطية في الحياة العربية لرفع نير الاضطهاد القومي والاطاحة بالحكم العسكري الجاثم على صدر شعبنا. فلا سبيل للخلاص الا بتوحيد الجهود والقوى من اجل الغاء الحكم العسكري كلياً ومن اجل الدفاع عن الاراضي العربية ومن اجل فتح مجال العيش والرزق الكريم امام ابناء الشعب ومن اجل ارجاع المشردين في هذه البلاد الى قراهم ومن اجل الاعتراف باللغة العربية لغة رسمية في الدوائر الحكومية والهيئات. • يدعو المؤتمرون الخريجين العرب والطلاب الثانويين الى توحيد جهودهم من اجل تحطيم سور اليأس الذي يضرب حولهم ومن اجل فتح مجال العمل الكريم الشريف امامهم. • يستكر المؤتمرون اوضاع التعليم المتردية ويدعو الى تغيير سياسة التعليم تغييراً جذرياً برفع مستواه وتزويد المدارس بالكتب والاجهزة ، واستكار تدخل اجهزة الحكم العسكري في شؤون التعليم وفي تعيين المعلمين وفي الضغط عليهم لارهابهم وتزييف رسالتهم في تثقيف الجيل الصاعد. • يرى المجتمعون انهم جزءاً من الكفاح الذي يشنه العمال وجمهور الفلاحين من اجل حياة افضل ومن اجل فتح ابواب الرزق امام ابناء الشعب ، ووقف طرد العمال العرب ضد الغلاء والضرائب والقوانين التعسفية التي ترمي الى تجريد الفلاحين من اراضيهم. لقد مضى نصف قرن على هذا المؤتمر ، ومنذ ذلك الحين جرت مياه كثيرة في النهر الفلسطيني . فقد تزايدت اعداد المثقفين والاكاديميين والعاملين في مجالات الحياة المختلفة ، الذين انخرطوا في ميدان النضال والحياة السياسية والحزبية، واحتلوا مواقع قيادية هامة في الاطر والاحزاب والتنظيمات السياسية والمؤسسات المدنية والجمعيات الاهلية. كما اقيمت روابط الجامعيين والاكاديميين في الكثير من البلدات والمدن العربية ، التي كان لها دور كبير في تطوير وتنمية الوعي السياسي والفكري وتنشيط الحراك الثقافي واغناء الحياة الاجتماعية بالفعاليات والنشاطات السياسية والتربوية والتثقيفية والعروض الفنية التشكيلية والغنائية. وفي الوقت الذي تنامى فيه الدور والوزن النوعي للاكاديميين العرب ، كماً ونوعا، خلال العقود المنصرمة ، الا اننا للاسف نلحظ في الاعوام الأخيرة انحساراً وتراجعاً في مكانتهم ودورهم الطليعي الريادي ، كفئة هامة في المجتمع، وتراجع مشاركتهم في صياغة نضالات جماهيرنا العربية ،وخصوصاً الطبقة العاملة الوطنية الديمقراطية. وفي الختام ، يظل المؤتمر الاول للمثقفين العرب في هذه الديار صفحة مضيئة ومجيدة في سفر كفاح ونضال جماهيرنا العربية الفلسطينية في مواجهة ومقارعة سياسة الاقتلاع والترحيل والاضطهاد القومي والقهر الطبقي السلطوية . وما احوجنا في هذه الايام الصعبة الى مؤتمر جديد للمثقفين العرب لبحث القضايا المفصلية والمحورية والمصيرية التي تواجه شريحة المثقفين والاكاديميين خاصة ، وجماهيرنا بشكل عام .