صاموئيل شمعون الكاتبُ والنّاشرُ العراقيُّ الآشوريّ صاحبُ "موقع كيكا" و"مجلة بانيبال" حلّ ضيفًا على "مكتبة كلّ شيء" في حيفا لصاحبها صالح عبّاسي، واستضافَهُ مركز الكرمل الثقافيّ التربويّ الأكاديميّ الحقوقيّ، مركز مساواة لحقوق المواطنين العرب، المشغل للثقافة والفنون، وأقامَ له ندوة أدبيّة تحت عنوان "الأدب العربيّ المناهض وترجمته إلى اللّغة الإنكليزيّة"، بالتعاون مع "مكتبة كلّ شيء"، وذلك يوم الإثنين الموافق 31-10-2011، في مقرّ مركز الكرمل (شارع سانت لوكس 5 حيفا)، وقد حضرَ إلى هذه الندوة عددٌ كبيرٌ مِن المدعوّين والمُشاركين والمثقفين وأصدقاء الكاتب صاموئيل. استهلّ اللقاءَ الشاعر رشدي الماضي بكلمة ترحيبيّة جاءَ فيها: حيفا كما تعرف أسرتها، على مختلف أطيافِها وشرائحِها بلدٌ مضياف أبوابُهُ ونوافذهُ دومًا مُشرّعة على كلّ الجهات، وحيفا تنتقي ضيوفها من كوكبة مَن تحبّهم، لأنّهم جعلوا من قلوبهم حجرة دافئة لها، لماذا؟ لأنه ما أن تطأ قدما الواحد منهم شوارعَها، ويستنشق نسيمَ بحرِها النديّ الطريّ العليل، ويحتسي نبيذ كرمةِ كرملِها المُعتّق، يتغلغلُ عميقا في كلّ جوارحِهِ عشقها الجارف، ومَن يُصغي إلى همسِها هذا المساء المميّز، يسمع لها صوتيْن؛ في الأوّل تقول لحبيب غالٍ: حيفا أرضكَ، وهل لا يمطرُ مِن تحتِ أقدامه أرضه؟ فهيّا نردّد معها: أهلاً وسهلاً بضيفها الكبير، أهلا أهلا بك مطرُ خيرٍ وخصوبةٍ وبركة. أمّا صوتها الثاني فيقول: شكرًا لصاحب "دار الكتاب" كلّ شيء الأستاذ صالح عبّاسي، الذي أبى إلاّ أن يكون مُضيفَ ضيفِنا، ليُتيحَ لأسرة هذا البلد أن نلتقيَ به وجهًا لوجهٍ في لقاءٍ ثقافيّ خصب. وشكرًا لمَركز الكرمل وكلّ مؤسّساتِهِ؛ مساواة جمعيّة التوجيه والمشغل، شكرًا لجعفر فرح الذي جعلَ مِن "كرملِهِ" صرحًا ثقافيًّا ملتزمًا، والشّكرُ الكبير لكم على تلبيتكم دعوتنا لحضور هذه الأمسية الخاصّة. الحضور الكريم.. ضيفنا الغالي أخي صاموئيل شمعون مشروعٌ ثقافيّ حضاريّ وطنيّ بكلّ ما تحملُ هذه الكلمات مِن دلالاتٍ، وللتوضيح أقول: روت الشاعرة سلمى الخضراء الجيّوسي للأديب بسّام الهلسة عن مستعربٍ أبدى دهشتهُ واستغرابَهُ، لِما يضمُّهُ شِعرُنا القديم مِن قصائدَ حبّ فيها المعاني الإنسانيّة والمشاعر الجيّاشة، لأنّها برأيِهِ متضادّة مع ما عليه العرب من بداوة وشظف عيش وهم جفاة! صورة مشوّهة لحقيقتنا قامت ولمّا تزل تقومُ بها المراكزُ والدّوائرُ وقوى الذهنيّة الاستشرافيّة السّلبيّة. كيف ردّ ضيفنا الحبيب على ذلك؟ طبعًا بمشروعٍ شاملٍ مُنظّم، ليُطبّقَ شعارَ "ضرورة أن يعرفَ أهلُ الحضارات بعضَهم بعضًا جيّدًا. سلمت يداك وبوركت جهودُكَ الحضاريّة اخي العزيز صاموئيل شمعون؛ يا ابنَ الرّافديْن. تظلُّ حيفا لكَ وردة تنمو ببطءٍ لتشقّ الفضاء وتكسرُ قيدًا، هاك كلّ باقات الورود العبقة من أسرة حيفا العروس. وفي مداخلة آمال عوّاد رضوان قدّمت نبذة قصيرة عن سيرةِ صاموئيل شمعون جاء فيها: صاموئيل شمعون كاتبٌ وصحافيٌّ عراقيٌّ آشوريّ، وُلد في مدينة الحبانية العراقيّةعام 1956، تلك المدينة متعدّدة الثقافات، وُلد لعائلةٍ مسيحيّةٍ فقيرة لم تكن تملك أيّ كتاب على الإطلاق. أوّل كتاب رآه في حياتِهِ كان قرآنًا مُعلّقًا على رفٍّ عالٍ في منزل الجيران، وبدأ تعلّم القراءة والكتابة، قبلَ أن يدخلَ المدرسة، فصعدَ فوق كرسيّ، وأنزلَ القرآن مِن فوق الرّفّ وبدأ يقرأ فيه. صاموئيل شمعون يقيمُ في لندن، ولم يَزُر العراقَ منذ يناير 1979، ويُعتبرُ من الأدباءِ العراقيّين البارزين. عام 1998 أسّسَ مع زوجته مارغريت مجلّة "بانيبال" الفصليّة، التي تُعنى بترجمةِ الأدب العربيّ إلى الإنكليزيّة، وهو المسؤولُ عن برمجةِ موادّ مجلة "بانيبال"؛ من رواياتٍ ودواوينَ شعريّةٍ عربيّة من أجل برنامج المجلة، واستطاعَ مع زوجته أن يقدّما شيئًا مُدهشًا للأدب العربيّ المُترجَم إلى الإنكليزيّة، إذ تَرجمت مجلّة بانيبال مئاتِ الكُتّاب والشّعراء العرب، الذين يكتبون بالعربيّة أو الفرنسيّة أو غيرها من اللّغات. كما أقامت عدّة أمسياتٍ شعريّةٍ وروائيّة، وعملت جولاتٍ أدبيّةً لكُتّاب وشعراء من العالم العربيّ، طافوا في مدن بريطانيّة عديدة، كما استحدثا "جائزة سيف غباش- بانيبال"، لترجمة الأدب العربيّ إلى الإنكليزيّة، وهذه الجائزة تُمنَحُ في أكتوبر من كلّ عام. عام 2007 سعت المجلة إلى تشجيع الترجمة من العربيّة إلى الإنكليزيّة. صاموئيل بدأ بمشروع فيلم عن الأدب العربيّ على شريطٍ سينمائيّ عن تأسيس مجلّة بانيبال منذ سنوات، وصوّرَ العديدَ مِن الشعراء والكُتّاب. عام 2004 أنشأ موقع كيكا الثقافي الإلكترونيّ.. وقد جاء في تعريف الموقع "كيكا" ما يلي:"" في بداية القرن الماضي، وُلدَ طفلٌ أصمّ وأبكم قُتلَ أفرادُ عائلتِهِ والعديد من الأشوريّين في عمر الثماني سنوات، وبقيَ وحدَهُ هاربًا متشرّدًا بينَ الجبال وبين الخوف، ونشأ يتيمًا وسطَ حروبٍ طاحنةٍ بينَ القبائل والمِلل والنّحل القاطنة في جبال وسهول شمال العراق، وكبر ذلك الطفل وصارَ ذاتَ يومٍ أباه. كان الناسُ يُسمّونَهُ "كيكا"، وعندما سأل أمّهُ من أين جاءت هذه التسمية، قالت له بكلّ قسوة: "لأنّه أخرس وأطرش". "لقد أحبّ أن يسمّي هذا الموقع باسم الإنسان الذي وُلد يتيمًا وبلا لغة، في جغرافيا هلاميّةٍ لا ترحم، تُرسَمُ في كلّ فترة بشكلٍ مُختلِف، لأنّهُ متأكّدٌ مِن أنّه لا يمكنُ أن ينحاز في الأخير إلاّ للقِيَمِ الإنسانيّة". ومِن خلال عملِهِ كمُحرّرٍ في مجلة "بانيبال"، استطاعَ أن يُتابعَ الرّواياتِ العربيّةَ الجديدة الآخذة في تحقيق نجاحاتٍ كبيرةٍ على صعيدَي الشّكل والمضمون، وتعلّم الكثيرَ من خلال الأفلام المولَع بها، ولاحقًا في مركز بوبور في باريس قرأ الكثيرَ من الأدب الإيرلنديّ والأميركيّ، وتعرّفَ على الكُتب والكتّاب بشكلٍ جيّد. عام 2005 أصدرَ روايتَهُ الأولى "عراقيّ في باريس"، حين أحسّ بالموت يُطاردُهُ، وأبى أن يرحلَ عن هذه الدّنيا دونَ أن يَروي قصّة الطفل الذي أحبّ السّينما، وقصّة الجغرافيا اللّعينة المُعادية له وللأحلام. إنّها سيرةٌ ذاتيّةٌ روائيّة شبيهةٌ تمامًا بشخصيّتِهِ الموزّعةِ بين السّينما والرّواية، وقد لاقت نجاحًا كبيرًا، وصدرت بتسع طبعاتٍ عبْرَ ثلاث دور نشرٍ هامّة في بيروت والقاهرة والدّار البيضاء، وتُرجمت إلى لغاتٍ عديدة. الرّواية مليئة بالخيال والواقع بأسلوبٍ سلِسٍ بسيطٍ مُباشرٍ في السّرد بعيدٍ عن العنتريّات، استمدّ وقائعَها من حياتِهِ، وصُنّفت الرّواية كأكثر الرّواياتِ العربيّة جرأة وكشفًا للجحيم السّفليّ. صاموئيل شمعون سافرَ إلى لوس أنجيليس أكثرَ من مرّة، وأقام هناك لأسابيعَ في هوليوود، ولكنّه بدلاً من أن يبحث عن وكيلٍ فنيّ أو عن منتجٍ سينمائيّ مِن أجل الرّواية، كان يُمضي أوقاتَهُ في الحاناتِ الجميلة، خصوصًا المُطلّة على المسابح! الرّواية تنقسم إلى ثلاثة أقسام: القسمُ الأوّلُ تحتَ عنوان "الطريق إلى هوليوود"، تبدأ بفلاش طويلٍ أكثرَ مِن ثلاثين صفحة، تتحدّثُ عن "البطل" الذي كانَ يجلسُ أمامَ موظف اللجوءِ السّياسيّ في باريس، وكان يُحدّثُهُ عن كيفيّةِ خروجِهِ مِن بلدِهِ وحتى وصوله إلى باريس. في القسم الثاني يتحدّث عن تشرّد البطل في شوارع وحانات باريس، حالِمًا بإنجازِ فيلمٍ سينمائيّ عن أبيه الأخرس الأطرش الفرّان، وبدلاً مِن إنجاز هذا الفيلم، يلجأ إلى منزلٍ مهجورٍ ليكتبَ رواية قصيرة، تُشكّلُ القسمَ الثالث مِن الكتاب، وهي بعنوان "البائع المتجوّل والسّينما". بدأ رواية "عراقي في باريس" من الوسط ثمّ إلى النهاية، وعاد من ثمّ إلى الطفولة والبداية، وقد تأثّرَ بفيكتور هوغو وهنري ميللر وسكوت فيتزجيرارد وكنت، أولئك مَن عاشوا حياة المنفى والألم والملاحقة والتشرّد والتسكّع، وأيضًا عاشوا حياة النّعيم بامتياز. لصاموئيل شمعون رواية أخرى بعنوان "الثوريّ الآشوريّ". سؤالٌ صارخٌ يضجُّ في فيافي الحياة: هل صاموئيل شمعون جبان؟ في نيّتِهِ أن يكتبَ مجموعة حكاياتٍ ساخرة بطابعٍ فكاهيّ، وسيختفي لبعض الوقت؟! ما هي مضامين هذه الحكايات؟ ولماذا يُخطّط إلى الاختفاء؟ هل هي مصدرُ خجلٍ أو عارٍ أو خوفٍ أو كشْفِ أسرارٍ تهدّدُهُ؟ الجوابُ في بطن الحوت.. بانتظار جديد صاموئيل شمعون وما يخفي في طيّاتِهِ..
أهلاً وسهلاً بكَ في ربوع حيفا.. في أرضِ فلسطين وبينَ إخوتِك الفلسطينيّين، ونُثمّن عاليًا جرأتَكَ التي تتحدّى رفض المُثقفين العرب بزيارةِ بلدِنا، بحُجّة أنّها تحت الاحتلال، ونعلمُ تمامًا ما ينتظرُكَ مِن محاربةٍ ومقاطعةٍ قد تُفرَضُ عليكَ من الاتّحاداتِ الثقافيّةِ لخطوتِكَ هذه، ولكن لا بدّ أن تتغيّر وجهة النظر المتزمتة هذه، والمسيئة لنا بشكل كبير، فأهلاً ومرحبًا بكَ بين أهلِكَ وفي وطنِك! أمّا الشاعر مروان مخول فقد أجرى حوارًا مع الضيف صاموئيل شمعون، عن مَحاورَ أساسيّة في مشوارِهِ الأدبيّ، وإنجازاتِهِ في مشاريع التّرجماتِ التي حققها ويحقّقها في العالم العربيّ، وأهمذيّة تسليطِ الضّوءِ على شعراء وأدباء جدد وقدامى لم يُعرَفوا، ولم يُنشَرْ عنهم لأوضاعٍ سياسيّةٍ واقتصاديّةٍ واجتماعيّة، وكذلكَ تحدّث عن الدّعم المؤسّساتيّ العربيّ شبه المعدوم للأدب، على عكس المؤسّساتِ الأجنبيّةِ التي تَرعى كُتّابها، وتهتمُّ بترجمةِ أدبهم إلى لغاتٍ عديدة لتعريفِ العالم بهم، ومِن ثمّ وُجّهت عدّة أسئلةٍ مِن الحضور للضّيف صاموئيل حولَ الحركةِ الأدبيّةِ العربيّة المُعاصرة، وأثر التّرجمة في انتشارِ أدبنا المَحلّيّ بجهودٍ فرديّةٍ وشخصيّة. وفي نهايةِ اللقاء شكرَ جميعَ الحضور والقائمين على هذه الندوة وكلّ مَن شارك فيها.