كان ذلك عام 1994 عندما منح الروائي الفلسطيني الراحل عزت الغزاوي جائزة الدول الإسكندنافية بقرار من الاتحاد العام للكتاب النرويجيين ،عن كتابه "رسائل لم تصل بعد" ، الذي صدر عن دار العودة للدراسات والنشر القدس في ايلول عام 1994. وهو مجموعة نصوص كتبها الغزاوي اثناء اعتقاله ابان الانتفاضة الفلسطينية الاولى ، وتندرج في اطار ادب الاسر الفلسطيني ، وهي ليست بالشعر ولا بالقصة ، لكنها ترتقي ،بلغتها الشاعرية المكثفة، واسلوبها السردي، الى البعد الانساني الجمالي، وتبتعد عن الشعارات والخطابات المباشرة والتقريرية. وبمناسبة حصوله على هذه الجائزة اقيم للغزاوي احتفال تكريمي بمبادرة الشاعرة الفلسطينية انيسه درويش وزوجها سيف درويش ، وذلك في ساحة منزلهما الواقع في حي "سطح مرحبا" برام الله . وكان حضر الاحتفال في حينه، جمع وحشد من الكتاب والادباء والمثقفين الفلسطينيين ، من بينهم : الشاعر سعود الاسدي ، د.ابراهيم العلم، د.محمود العطشان، د.احمد حرب، د. عبد اللطيف البرغوثي، الاديب علي الخليلي، الشاعر اسعد الاسعد ، الاديب محمود شقير ، الروائي احمد رفيق عوض، الشاعر المتوكل طه ، المسرحي محمد كمال جبر ، كاتبة الاطفال ساميه الخليلي وغيرهم. افتتحت هذا اللقاء الادبي التكريمي والحميمي الدافئ الشاعرة انيسه درويش ، فقالت: "ان فكرة تكريم الكاتب عزت الغزاوي جاءتني لشعوري بأنه يجب القيام ببعض الواجب ورد الجميل تجاه زميل لنا له مكانة خاصة في أدبنا الفلسطيني . وقد رأيت ان ادعو بعضاً من المعارف والاصدقاء لهذه المناسبة الطيبة وفيهم ضيف عزيز من الجليل هو الأخ الشاعر سعود الاسدي ، الذي ارى على محياه كلاماً يريد ان يقوله بهذه المناسبة لي بعد الترحيب به وبكم ان اتلوهذه االاسطر : كثيرة هي الاحداث التي تمر بنا ولا نأبه لو لفها الضباب ، ولو هجرتنا اطيافها، لو منحتها الايام، تكون كما الحلم يغيب في لحظة الحضور .. كثيرة هي الرسائل، كثيرة هي التي لم تصل بعد الى العالم الواسع، وتكون ابداعاً من كاتب فلسطيني مكافح هو الزميل عزت الغزاوي ، الذي استطاع بجدارة ان يحصل، تقديراً لهذا الابداع ، على الجائزة الدولية لاتحاد الدول الاسكندنافية لعام 1994. واختتمت كلمتها بالقول :" ولكي لا يمر هذا الحدث مروراً، ومثله لا تمحوه الأيام، اكرمه انا الشاعرة انيسه درويش ، بهذا الحفل البسيط، وبصحبة سائر الزملاء من كتاب وشعراء، لنسعد بنجاحه ، والذي هو نجاح لنا جميعاً". بعدها وقف منتصباً الشاعر القادم من ناصرة الجليل سعود الاسدي ليقول امام الحاضرين :" اننا هنا نعتز بعزت الغزاوي ونهنئه ، ونهنئ انفسنا ، ونفرح له اليوم، كما حزنا معه بالامس (يوم استشهاد ابنه رامي برصاص الجيش الاسرائيلي ش.ف) ولكن لندع ذكرى الحزن في مكمنها حيث تربض .. ثم القى ابياتاً من الشعر الشعبي الخلاب الرائق : ما احلا لما الاخوة بيجتمعوا سوا بليله انيسه تكون للعلة دوا غرقت بهواكو يا اهلي وقال المثل بترنح الغرقان بحبال الهوا يسعد مساكو يا طيور العندليب قديش ملقاكو على قلبي حبيب بشعر ملقاكم كم مثل غيمة فرح من دون برق ورعد وفي ختام الاحتفال القى الروائي المحتفى به كلمة عبر خلالها عن سعادته وغبطته بهذا اللقاء الحار مع النخبة الطليعية المثقفة من ادباء وكتاب الوطن المحتل ، واجزل الشكر والامتنان للقائمين على هذا اللقاء التكريمي . اخيراً، كم هو جميل ان يلتقي الادباء على منصة واحدة ، بدون حساسيات ، وبدون كراهية وعداوات شخصية ، وبدون غيرة وحسد ونميمة . وجميل ان يسمع المبدع كلمة تقدير بعد سنوات طويلة من المثابرة والعطاء ، ومقارعة الزمان بالقلم والمداد والورقة والمعاناة والصبر والامل . وكم نحتاج لمثل هذه المبادرات الشخصية بغية تكريم مبدعينا الفلسطينيين الجدد والقدامى على عطاءاتهم ومجهودهم الكتابي . وتحية حب لكل من يكتب ويشعل شمعة ويلعن الظلام ، وتحية الى روح عزت الغزاوي ، المتنوع العطاء، الذي غادرنا الى العالم الآخر في ربيع العام 2004 ، ولم تصل رسائله بعد.