جلس الولد في آخر الصَفِّ يُنصت إلى الدرس في انتباه شديد، وكان الأستاذ يحدثهم عن الثورة وأسبابِها ومخلفاتِها ونتائِجها.. وفجأة بدأ الدمُ يَغلي في عروق الفتى، وبدأ يتصبَّبُ عرقا. رفع أصبعه في خجل وسألَ الأستاذَ: لماذا يثور الشعب يا أستاذ.. ؟؟ رد عليه الأستاذ: يثور الشعب عندما لا يجد عملا، ويعود إلى البيت ولا يجد خبزا، ويخرج إلى الساحة ولا يجد أمانا. يثور الشعب عندما يُمنع من الكلام، ويسمع الأكاذيب في التلفاز، ويذهب إلى المستشفيات ولا يجدُ دواءا. يثور الشعب عندما يَمرُّ في الأسواق ويرى خيرات ربِّه ولا يستطيع إليها سبيلا، وعندما يمرض الابنُ ولا يجدُ الأبُ لَهُ دواءا. يثور الشعب عندما يذهب للمحكمة للتظَلُّم ويَصدرُ الحكمُ ضدَّه وليسَ لَه، وعندما تُسرقُ أحلامُه، ويمتلأ قلبه باليأس، ويتجاهلُه حُكامُه. يثور الشعب عندما يصلُ السكينُ إلى العظم.. وتابع الأستاذ شرحه في أسباب الثورات وتداعياتها، لكن الفتى غاب بذهنه في عوالم أخرى، ولم ينتبه حتى دق جرس المدرسة معلنا ساعة الخروج. وعندما قدمت له الأم الطعام، سأل عن والده: أين أبي يا أمي ؟؟ خرج للبحث عن عمل.. وأين أخي سأل الفتى؟؟: أخوك يلعب في الخارج.. لماذا لم يذهب إلى المدرسة..؟؟ قرر أبوك أن يوقفه عن الدراسة.. توقف الفتى عن الأكل، وبدا عليه الوجوم. وفي المساء توجه إلى المدرسة، لكن باله كان مشغولا بشيء آخر.. كان يفكر..ويفكر. وقبل أن يلوحَ ضوءُ الفجر، قبَّلَ أخاه على جبينه وانسَلَّ من حجرته، وفتح الباب على والديه، وألقى عليهما نظرة أخيرة، وأدار ببصره في أرجاء الدار، وخرج ملتحقا بالثورة..